هـزيـمــة اليســار والأخـفــاق القـومــي كتب حمادة فراعنة

لم يعد مبرراً الحديث من قبل اليساريين والقوميين أن سبب اخفاقاتهم يعود لتسلط الادارة الحكومية والموانع وعدم حرية العمل وغياب الترخيص والاجراءات التعسفية التي واجهوها في بلادنا، منذ عام 1957، وحتى عام استرداد الاردنيين لحقوقهم الدستورية عبر استئناف الحياة البرلمانية عام 1989 على أثر انتفاضة نيسان، واعادة الترخيص وحرية العمل الحزبي وخاصة للتيارين اليساري والقومي عام 1992، فمنذ بداية التسعينيات حتى يومنا ما يقارب الخمسة عشر عاماً مسافة كفيلة وكافية لتحقيق النهوض الحزبي وحضوره بما يليق به .
لقد قدم اليساريون والقوميون تضحيات كبيرة خلال العهد العرفي الذي استمر ما يقارب الربع قرن، انتهت بعملية المصالحة واللقاء بين رأس الدولة الراحل الملك الحسين ورجالات الحكم والحكومة وأجهزتها من طرف والاحزاب اليسارية والقومية الخمسة من طرف آخر، وتم ذلك بمبادرة من قبل صاحب هذا المقال، وفي بيتي جرت سلسلة من اللقاءات أنهت حالة القطيعة والتصادم والاجراءات التعسفية، وأدت الى المصالحة الوطنية واشراك الاحزاب الخمسة باللجنة الملكية لصياغة الميثاق الوطني الاردني عام 1991 ( الحزب الشيوعي الاردني، حزب الشعب الديمقراطي، حزب البعث العربي الاشتراكي، حزب البعث التقدمي، حزب الوحدة الشعبية).
ولذلك محاسبة القوى اليسارية والقومية، ومحاكمتها وتقييم نفوذها وحضورها مقارنة مع الاحزاب الوسطية يجب أن يتم بعد حالة الترخيص والعلنية منذ بداية التسعينيات وحتى يومنا، بينما المقارنة مع حركة الاخوان المسلمين تكون ظالمة، لأنها وحدها كانت تملك حرية العمل والترخيص ومراكمة القدرات البشرية والمالية والتنظيمية بل وتسهيل عملها طوال تلك المرحلة المزدوجة : 1- مرحلة العهد العرفي المحلية، و2 – مرحلة الحرب الباردة الدولية، وكان حصيلتها أن تمتعت حركة الاخوان المسلمين خلال تلك الفترة، بالحرية ونالت الرضا وحظيت بالنفوذ .
لقد تم ترخيص الاحزاب اليسارية والقومية على خلفية انتفاضة نيسان ونتائجها التي فرضت الانفراج في بلادنا، وعلى أثر مبادرة المصالحة التي تحققت بين الدولة والمعارضة اليسارية والقومية، ولكن سوء الحظ أن ذلك تم في ظل معطيات دولية سيئة واقليمية أكثر سوءاً، فقد تم هزيمة الشيوعية والاشتراكية والاتحاد السوفيتي، مع نهاية الحرب الباردة، أواخر الثمانينات، وانعكس ذلك على مجمل حركة اليسار العالمي وأحزابه، بما فيها الاحزاب اليسارية العربية ومنها الاردنية، فانحسر دورها وتقلص نفوذها وغدت بلا مرجعية موحدة، وصاحبها الخلل والتراجع وحتى الانقسام، بين اتجاهات تمسكت بماضيها ومرجعيتها وتقاليدها، وبين اجتهادات مالت نحو التغيير والتبديل، وكلاهما وقع في سلوك تصادمي مع بعضه البعض أضعف مبادراتهم نحو التوسع الجماهيري وأعاقت تحركاتهم وقلّصت من نشاطهم .
كما تم ذلك في ظل تدمير العراق وشل قدراته وحصاره 1991 وانهاء نظام حزب البعث العربي الاشتراكي الحاكم بعد الاحتلال عام 2003، وتحوله الى المطاردة ومحاولات الاجتثاث واعدام قياداته وعلى رأسهم الرئيس الراحل الشهيد صدام حسين، وقد أدى هذا الى تراجع الحضور القومي وانحساره وضعف أدواته، ومقابل ذلك جنت أحزاب التيار الاسلامي ثمار انتصار المعسكر الاميركي الاوروبي في الحرب الباردة، لأن أحزاب التيار الاسلامي ومنها وفي طليعتها حركة الاخوان المسلمين وولاية الفقيه وتنظيم القاعدة كانت جزءا من هذا التحالف وشريكاً له في معركة المواجهة ضد اليسار وأحزابه وضد التيار القومي وأنظمته، وهذه هي الاسباب الجوهرية لضعف أحزاب التيار اليساري وضعف أحزاب التيار القومي .
لقد تم ترخيص الاحزاب اليسارية والقومية الاردنية، ومنحها حرية العمل والنشاط، في ظل هزيمة اليسار ومرجعيته، وفي ظل اخفاق التيار القومي وأنظمته، مثلما تم ذلك في ظل تقدم أحزاب التيار الاسلامي وانتشارها وتعزيز نفوذها، وهذا ما ظهر جلياً بالانتخابات النقابية أو البرلمانية أو حتى البلدية ليس فقط في الاردن، بل في فلسطين ومصر والكويت وتونس والمغرب، وكذلك نتائجها الواضحة بعد انفجار ثورة الربيع العربي، حيث جنت ثمارها وحدها أحزاب التيار الاسلامي، لأنها الوحيدة المنظمة والمتمكنة حصيلة سنوات طويلة من العمل والتنظيم وقوة الانتشار، وحصيلة تفاهماتها مع الولايات المتحدة وفي بعض الاوقات التحالف معها .
h.faraneh@yahoo.com

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

فتح ميديا أوروبا
Exit mobile version