حسم الأمر في سوريا

المضمون: ( يتناول الكاتب بالتحليل تبعات الإتفاق بين الغرب وإيران وكيف سيكون تأثير إيران بعد ذلك في المنطقة من خلال علاقتها بالنظام العلوي في سوريا )

المقالات التحليلية التي نشرت في اعقاب التوقيع على الاتفاق النووي بين الدول العظمى وإيران أكدت بمستوى من الصحة انجازات طهران. لكن الحقيقة هي أن التوقيع على الاتفاق قد أعطى الغطاء القانوني للاحداث الحاصلة في المنطقة منذ احتلال الولايات المتحدة للعراق في 2003 والربيع العربي، حيث حولت إيران ليس فقط إلى لاعب شرعي على المستوى الاقليمي بل ايضا إلى شريك محتمل في الحرب الدولية ضد داعش والمنظمات الإسلامية السنية الجهادية الاخرى مثل القاعدة وجبهة النصرة وغيرها.
الخوف من نشوء هلال شيعي في الشرق الاوسط، يمتد من إيران ومرورا بالشيعة في العراق وانتهاء بالعلويين في سوريا وحزب الله في لبنان، ليس جديدا؛ عبد الله، ملك الاردن، تحدث للمرة الاولى عن هذا في عام 2004.
مستوى التأثير الحقيقي لإيران على بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء غير معروف. ويمكن الافتراض أنه توجد للاجهزة الاستخبارية معلومات أكثر من تلك الموجودة في الشبكات الاجتماعية ووسائل الإعلام المختلفة. لكن يجب علينا تذكر أن العوامل الكثيرة التي تعمل في الساحة ـ من الطرفين ـ تتحدث عن الدور الذي تلعبه إيران حسب مصالحها. اسرائيل والسعودية مثلا تريدان، لاسباب استراتيجية وجغرافية وايديولوجية، تضخيم الخوف من إيران النووية؛ في المقابل الولايات المتحدة وروسيا والصين ودول الخليج المقربة من إيران مثل عُمان ـ فان مصلحتها هي تقزيم الخوف من إيران.
إن التشبيه بين اتفاق ميونيخ في 1938 ـ الاتفاق الذي اعتبر على أنه خضوع تشمبرلين والغرب لهتلر، الامر الذي لم يمنع الحرب العالمية الثانية ـ هذا التشبيه معروف. لكن التاريخ عرف حالات كان فيها وصف العدو باللاإنسانية مبالغا فيه، إن لم يكن خاطئا. مثلا اسرائيل والغرب صورا الزعيم المصري جمال عبد الناصر في الخمسينيات والستينيات على أنه هتلر العالم العربي. الاستخبارات العسكرية ووسائل الإعلام في حينه تحدثا عن التأثير المصري القوي في جميع أرجاء العالم العربي، ويشمل ذلك العراق وسوريا واليمن البعيدة. لكن الصيغة التاريخية لتلك الفترة تُبين أن قدرات عبد الناصر كانت محدودة قياسا بما نُسب اليه. لذلك فان تحليل القدرة ومستوى التأثير الحقيقي لإيران في المنطقة يجب أن يكون دقيقا وليس ديماغوجيا.
العامل الغير معروف فيما يتعلق بالتأثير الإيراني في المنطقة يتعلق بمستقبل سوريا. وصحيح أن الأولوية الاستراتيجية الإيرانية في الشرق الاوسط العربي هي دعم والحفاظ على نظام بشار الاسد. الوحدة الإيرانية السورية القائمة بشكل متواصل منذ ثلاثين سنة ( مع انقطاع مؤقت خلال حرب الخليج) تحولت إلى خط مركزي في السياسة الاقليمية. هذه الوحدة غير طبيعية بمعنى الاستناد إلى أساس اجتماعي شيعي واسع، بل هي تستند إلى تعاون إيران مع نظام الاقلية العلوي.
أهمية سوريا لا تنبع من مواردها الاقتصادية بل من موقعها الجيواستراتيجي في قلب المعركة الاقليمية. من يريد أن يسيطر على المنطقة، كتب الصحافي البريطاني القديم باتريك سيل في الستينيات، يجب عليه أن يسيطر على سوريا أو أن يحظى بصداقتها. تماما مثلما كان في الخمسينيات حينما تحولت سوريا إلى مركز الصراع في الحرب الباردة الكونية والحرب الباردة العربية، الآن ايضا ومنذ اندلاع الحرب الاهلية في 2011، تتصارع عليها خمسة اطراف: إيران وروسيا (من خلال النظام العلوي)، الغرب (من خلال الجيش السوري الحر)، ومنظمتان جهاديتان سنيتان (داعش وجبهة النصرة).
وبسبب الشك في نوعية المعلومات الاستخبارية التي تصل من الميدان، يصعب التنبؤ بما سيحدث في سوريا، واذا ما كانت تستطيع الحفاظ على سيادتها وسلامتها الجغرافية. لكن لا شك أن نجاح إيران في الحفاظ على النظام العلوي سيكون انجازا مهما بالنسبة لها من جهة، وسيقوي الوحدة الراديكالية الشيعية في المنطقة من جهة اخرى. سقوط نظام الاسد سيشكل ضربة قاضية للتأثير الإيراني في المنطقة، لأن هذا سيخلق فراغ كبير في الهلال الشيعي ويلحق الضرر بحزب الله ويضعف تأثير إيران في العراق.
لذلك فان أهمية قول الرئيس الأمريكي بيل كلينتون المشهور في 1992 ـ «هذا هو الاقتصاد يا أحمق» ـ قد تنطبق على الشرق الاوسط في زمن ما بعد الاتفاق النووي مع إيران ـ «إنها سوريا يا أحمق».
يمكن القول إن القوات التي يدعمها الغرب في سوريا لن تكون يدها هي العليا، فلا شك أن الغرب ـ واسرائيل ـ يوجد في مفارقة، تركيا والسعودية تريدان التخلص من الاسد، لكن البديل هو صعود داعش أو أي جهة إسلامية متطرفة في سوريا، الامر الذي قد يكون أكثر تدميرا من التهديد الإيراني.

بقلم: ايلي فوده،عن هآرتس

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

فتح ميديا أوروبا
Exit mobile version