من يزرع الشوك سيحصدُ شوكًا كتب الدكتور/ جمال عبد الناصر محمد أبو نحل

تركيا كغيرها من الدول الكبيرة والمحورية في المنطقة والتي لعبت دورًا كبيرًا في كثير من الملفات، ومنها القضية الفلسطينية والقضية السورية و القضية الكردية على وجه الخصوص فلم يعد سرّاً أن تركيا، ثاني أكبر قوة مسلّحة في «شمال الأطلسي» متورطة حتى أذنيها في مستنقع «داعش» وخلال السنوات الثلاث الماضية، شرّعت أنقرة الحدود التركية ـ السورية وفتحتها على مصراعيها للمقاتلين الأجانب للتدفق إلى سوريا، ومنها إلى العراق لاحقاً، كما سلّحت وموّلت وسهّلت تنقل «المقاتلين » الذين يريدون الجهاد حسب رؤيتهم الفكرية عبر حدودها الجنوبية وإلى الشمال السوري. حتى بات من نافل القول إنه لولا تلك الرعاية، لما كان «داعش» يتمتّع بالقوة التي مكّنته من الاستيلاء على تلك المساحة الشاسعة بين سوريا والعراق ومع تمدّد التنظيم حول تركيا، وبالتزامن مع «الهبّة» الدولية التي مهّدت للضربات الأميركية في العراق، اتخذت حكومة رجب طيب أر دوغان إجراءات جديدة، منها تشديد التدابير على حدودها للحدّ من تنقل المقاتلين. غير أن إجراءات أنقرة المزعومة لم تمنع ذهاب هؤلاء وإيابهم، ولم تكن جدية وحقيقية؛ إضافةً إلى استخدامهم للمناطق الحدودية في «رحلتهم» من دون رقابة «جدّية». ومعظم المقاتلين الذين انضمّوا لداعش و لجبهة النصرة في البداية أتوا من تركيا كما اشارت صحيفة «ذا غارديان»، وقد سعت «داعش» إلى تأمين الحدود الشمالية الغربية لسوريا مع تركيا، لكونها البوابة الرئيسية لاستقدام المقاتلين الأجانب للانضمام إلى «دولة الخلافة». وأوضحت الصحيفة البريطانية أن عدداً من مقاتلي «داعش» يتوجّهون نحو الحدود التركية، عبر الشاحنات المسلحة التي نهبوها من القواعد العسكرية العراقية، مشيرةً إلى أن هذا التحرك سيكون له «تداعيات ضخمة على تركيا». وتقول الصحيفة إن الولايات المتحدة وحكومات أوروبية، حثّت تركيا طوال 18 شهراً على ضرورة إيقاف المقاتلين الذين يعبرون إلى سوريا، غير أن أنقرة لم تبدِ رغبةً جدية في مواجهة ما يسمون أنفسهم «الجهاديين»، وظلّ مسؤولون فيها مصرّين على أنه «يصعب التفريق بين الُسياح القادمين إلى تركيا وبين الجهاديين»! وقد بدأت المواجهة بين داعش وتركيا حينما قتل شرطي تركي على الحدود التركية السورية على أثر ذلك أعلن مسؤول أمني تركي أن مقاتلات تركية قصفت 4 مواقع لتنظيم “الدولة الإسلامية” داخل سوريا فجر الجمعة 24 يوليو/تموز دون أن تعبر الحدود. وتأتي هذه الضربة الجوية التي أصابت أهدافا على الضفة الأخرى من الحدود قبالة إقليم كيلس بعد تبادل لإطلاق النار عبر الحدود جرى الخميس بين قوات تركية ومسلحي تنظيم “الدولة الإسلامية” قتل خلاله جندي تركي وأحد مسلحي التنظيم، هذا، وذكرت وسائل إعلام محلية أن شرطة مكافحة الإرهاب التركية داهمت أكثر من 100 موقع في مدينة اسطنبول يشتبه بأنها تابعة لتنظيم “الدولة الإسلامية” وجماعة كردية متشددة في عملية جرت ليلا شارك فيها أكثر من 5000 شرطي بمساندة من الطائرات المروحية وقوات خاصة. ووضعت هذه التطورات تركيا في حالة حرب غير معلنة ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” الذي طالما اتخذ من حدودها معبرا آمنا إلى جارتيها الجنوبيتين سوريا والعراق، وذلك في خطوة اضطرت لها بعدما لذعها التنظيم بنيرانه. فقد شهدت الحدود السورية التركية الخميس 23 يوليو/تموز اشتباكات متقطعة وقصفا هو الأول من نوعه ينفذه الجيش التركي ضد مواقع “داعش” في سوريا، وذلك ردا على قذائف التنظيم؛ ويبدو أن نشاط “داعش” توغل في العمق التركي وجاء هذا انتقاما من أنقرة، التي حاولت قطع شرايين الحياة والتنسيق مع واشنطن لوقف تدفق المقاتلين الأجانب وتأمين حدود تركيا مع سوريا، عملاً بتعهدات قطعها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في حديث هاتفي أمام نظيره الأمريكي باراك أوباما الأربعاء 22 يوليو/تموز، بعدما ضاقت أنقرة ذرعا بجرائم “داعش” التي أججت الشارع ضدها وعلى ضوء التطورات الأخيرة عقد رئيس الحكومة التركية داود أوغلو اجتماعا أمنيا طارئا لبحث هذه المستجدات وسماح أنقرة للولايات المتحدة باستخدام أراضيها لشن ضربات جوية ضد تنظيم الدولة الإسلامية واستخدام قاعدة إنجرليك الجوية في تركيا وأكدت المصادر أنه “بعد محادثات مطولة لشهور، سمحت تركيا السماح للعسكريين الأمريكيين بشن ضربات جوية على داعش من قاعدة إنجرليك التابعة للقوات الجوية الأمريكية القريبة من الحدود السورية”، يأتي كل ما سبق ليكون خاتمة من يدعم المجرمين ومن يزرع الشوك لابد أن يحصد شوكًا، ومن يطبخ السُم لابد أن يتذوق منهُ يومًا ما ويتسمم؛ وهذه هي تركيا التي تدخلت ولعبت دورًا أسودًا في الدول العربية سواءً في مصر أو سوريا أو فلسطين أو العراق وغير ذلك؛ ولا يَخفى على أحد الدور التركي الاحتلالي التاريخي للوطن العربي حتى الربع الأول من القرن المنصرم؛ لكنه قد يخفى على الكثيرين التدخُّل التركي في الشئون العربيَّة بشكل بدا فجاً ، خلال الآونة الأخيرة؛ هنا اتجهت تركيا في البداية بغزو البلاد العربية ثقافيا، حيث سعت لسياسات الاحتواء والتغييب والتفتيت، وهذه الطرق تستخدمها الدول الاستعمارية ووكلاءها في غزوها الثقافي للبلاد التي تستهدفها ، عبر الأفلام والمسلسلات والبرامج التلفزيونية والإذاعية التي تبث على الفضائيات، إلى جانب جميع أساليب التواصل الاجتماعي، فضلا عن الكتب والصحف والدوريات؛ وكذلك استهداف تركيا للصناعة السورية منذ العقد الماضي، حين وقعت سورية وتركيا اتفاقية التجارة الحرة في العام 2005 ، والتي دخلت حيز التنفيذ في بداية العام 2007 ، توهم الشعب السوري أن إسهام ذلك في تطور حجم التبادل التجاري وتضاعفه ليصل إلى ملياري دولار في العام 2009، سيعود عليهم بالخير والرفاهية؛ وهنا كان السم المدسوس في العسل؛ حيث تم سيطرة تركيا شبه الكاملة على المناطق الصناعية في سوريا، ما ساعد على نهب وتفكيك ونقل وسرقة المصانع نحو 1700 مصنع سوري، وتخريب وتدمير وحرق غالبية المصانع المتبقية؛ ولأن حلب هي عاصمة الصناعة السورية، وأولى أهم أربع مدن صناعية في سوريا، وبها 44 منطقة صناعية، فقد تم التركيز عليها في عملية التدمير الممنهج للصناعة به. فمدينة حلب تحوي 35 ألف منشئة صناعية ، ولا يوجد مدينة في الوطن العربي تمتلك ما تمتلكه حلب صناعياً ، لذلك فقد تم منهجة تقويض والسيطرة على وتدمير الصناعة بها، حيث تم تعطيل 70% من مصانع هذه المدينة؛ فقد تم تفكيك 1500 منشأة صناعية، وسُرقت محتوياتها ونُقلت إلى تركيا كخردة، فيما هي في أوج صالحيتها؛ كما تم إحراق الكثير من المعامل بيد ما أسموه بالجيش الحُر والتي وقعت مدينة حلب تحت قبضته عنوةً، ولم يتبق سوى25% إلى 30 % من باقي المنشآت الصناعية في حلب تعمل ولكن بإنتاج أقل وليس بفعالية كاملة. ورغم أن جميع المدن الصناعية في سوريا قد تعرضت للتخريب والسرقة ، كما تعرض عمالها للخطف، فإن مدينة الشيخ نجار الصناعية في حلب – تحديدًا (وهي المنطقة التي تقع فيها المدينة الصناعية) – كانت الخاسر الأكبر؛ حيث يوجد بها ألف منشأة صناعية عاملة، و3 آلاف منشأة قيد البناء؛ وتقع الألف منشأة العاملة هي تحت سيطرة المسلحين المتشددين ، إخوان سوريا تماماً، ولقد امتازت مدينة الشيخ نجار الصناعية في مدينة حلب ببنية تحتية ضخمة ، إلى جانب وجود شبكة من خطوط النقل تتفرع منها إلى داخل وخارج سورية ذهاباً وإياباً، الأمر الذي أدى إلى إغراء المسلحين لنهشها والتمركز فيها واتخاذها مقراً لهم، وخصوصاً أن المنشآت الصناعية الضخمة الموجودة في الشيخ نجار تتبع لها منشآت سكنية، ما جعل المسلحين يتخذونها نقطة استقرار ومركز قيادة لعملياتهم، وهذه المنطقة من المناطق المشتعلة، كما أن طريق الوصول إليها غير آمن، ويمر بالعديد من المناطق المشتعلة أيضا والتي تشكل محورًا، مثل دوار الليموني، ودوار الشقيف ، والجندول، ومنطقة الكسارات والإنذارات، وغيرها من المناطق؛ أي أنه قد تم تطويق المدينة وفي هذه المنطقة، جاء الأتراك بأنفسهم وقاموا بفك تلك المعامل وترحيلها إلى تركيا كخردة، وكان هناك من ينتظرهم في مكاتب افتتحت خصيصًا لهذه الغاية، حيث كانوا يطلبون المعمل بالاسم؛ وكما أن هناك معامل تم تفكيكها بطريقة فنية وخبيرة. تركيا وسرقة وإتلاف المحاصيل الزراعية كما تم سرقة المحاصيل الزراعية ، لا سيما قطع أشجار الزيتون، والقمح الذي لم يسجل التاريخ عملية سرقة في حجمه، في العام 1865 على يد تركيا . واليوم يطلق على أردوغان ومن معه “لصوص حلب”، ولم تقف الأمور عند هذا الحد وإنما تخطت إلى حرق موسم القطن وموسم الحبوب؛ ولقد أضرت تركيا اليوم بالاقتصاد الوطني السوري ، وجعلوا سوريا تحيى باقتصاد حرب، وما يثير القلق أن تركيا تقوم اليوم بتدمير باقي قواعد الاقتصاد العربي بشكل ممنهج، ومنظم، وغير معلن؛ ولكن هيهات لها ذلك وقد انقلب السحرُ على الساحر، ومن طبخ السم سيذوق منهُ، وها هي داعش التي جاءت من كل حدب وصوب من خلال الأراضي التركية وبرعايتها وحمايتها تنقلب على تركيا صاحبة الفضل بمرور المقاتلين من أراضيها للأراضي السورية والعراقية، وها هم الأكراد ينهضون من كبوتهم ليعلنوا الطلاق البائن بينونة كبري بينهم وبين تركيا؛ وهذه هي النهاية الحتمية لكل ظالم ولكل مُجرم وكل من يزرع الشوك لابد أن يتألم من هذا الشوك؛ فكل شيء في الدنيا سلف ودين؛ وكما تُدين تُدان؛ ولعل هذا درسًا لتركيا لتقف على مسافة واحدة من جميع القضايا العربية وتكون عنصر بناء ومصالحة بين إخوة الدم العرب فمن كان يؤمن بالله واليوم الأخر فليقل خيرًا أو ليصمت؛ فهل تفهم تركيا؟.

الكاتب المفكر والمحلل السياسي

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

فتح ميديا أوروبا