مأزق “حماس” و”السلفية” في غزة ؟ (3/3)

أشرنا بالحلقتين الاثنتين السابقتين إلى أبرز تعريف للسلفية، والى مؤسسها الأهم حديثا وهو الشيخ محمد بن عبدالوهاب في القرن 18، كما تعرضنا لأقسامها الثلاثة وعرجنا على السلفيين في غزة والشيخ الأسطل الذي تعاديه حماس، ثم عرض لانشقاقات حماس تجاه “السلفية” ، وتعرضنا لهجوم “داعش” ل”حماس” ومحمود طالب كنموذج لرجال “السلفية القتالية” في غزة، وتحدثنا عن منازلة عام 2009 عندما قتلت “حماس” سلفيي رفح-غزة بعنف، لتدخل وساطات خارجية لاخراجهم من السجون وغرف التعذيب، ونكمل

التفجيرات في غزة

عاشت غزة في السنوات ما بعد 2013 حتى اليوم سلسلة من التفجيرات من مثل تفجير منصة الاحتفال باستشهاد الرئيس ياسر عرفات (2014)، وتفجير منزل الرئيس أبو مازن وكذلك منزل النائب العام ، وبوابة وكالة الغوث في غزة ومقرات للأمن الداخلي التابع لحماس ، بل ومساكن لحماس وسياراتهم في سلسلة متواصلة زعزعت (الأمن) الذي لطالما تغنت به “حماس” ففقد الكثيرون من قادتها صوابهم ليوجهوا الاتهام نحو الأيقونة المعروفة أي إلى (الخونة في رام الله) والى “إسرائيل”، وأحيانا يضيفون أجهزة عربية استخبارية.

القيادي السلفي أبو العيناء الأنصاري يعترف جهارا نهارا بأن السلفيين قاموا ب(عمليات فردية) تفجيرية كما أسماها، كما يعترف د.أحمد يوسف بذلك ويسميها “جرائم” إلا أن أمثال صلاح البردويل ويحيى موسى من قيادة “حماس” يستمرون بالتعامي عن الحقائق، وتوجيه المعركة خارج غزة، مع تواصل عمليات الاعتقال والتعذيب للسلفيين وغيرهم.

إن التفجيرات التي تتوزع فيها الاتهامات لحماس نفسها (قول السلفيين) أو لرام الله (قول بعض “حماس”) أو تنسب للسلفيين (اعترافات أشرنا لبعضها) جعلت من حماس في حالة توتر دائمة وتحفز ضد السلفيين ما أقلق راحة “حماس” وأجهزتها الأمنية التي تستولي على غزة.

لماذا يعادون حماس؟

بعد هذا الشرح الموجز للعلاقة المتوترة لحماس مع مخالفيها عامة، وبالتخصيص هنا ضد السلفيين، بإمكاننا القول أن أبرز أسباب هذا التوتر او العلاقة المتذبذبة إلى حد العدائية أحيانا يرجع للأسباب التالية (من وجهة نظر السلفيين على الأقل):

– إن “حماس” لا تطبق الشريعة ، ويصل الاتهام ببعضهم ل”حماس” أنها علمانية، ما يعني بالتعدي أنها كافرة. (بالطبع كما هي حركة فتح أو الشعبية مثلا)

– انها شاركت في الانتخابات الديمقراطية، والمجلس التشريعي ما هو كفر وشِرك.

– إنها (أي حماس) انخرطت بالمفاوضات وإن بطريق غير مباشر وبالعملية السلمية ، بل هي وحسب لفظ ايمن الظواهري (لحقت بركب السادات).

– “حماس” تخضع لدستور وضعي “علماني” (العلمانية مرادف للكفر لدى كثير من التنظيمات الاسلاموية).

– تتعامل مع أمريكا والقرارات الدولية ، ومع ايران.

– انها حركة انتهازية لا علاقة لها بالإسلام أو المقاومة.

أين (اسرائيل) من ذلك ؟

لا يمكن عزل العامل الإسرائيلي عن الحدث الفلسطيني مطلقا ، ولا عن الحدث الداخلي فيما بين حركة “فتح” و “حماس”، أو بين السلفيين و”حماس” فالسياسة الإسرائيلية التي تتفلّت من أي التزام بالتسوية تعمل على تخفيض حدة التوتر مع شطري فلسطين السياسية أي غزة والضفة وفق سياسة تعميق الانشقاق والانقسام و الانفصال ، وفيما يتعلق بالوضع دائم الاضطراب في غزة تقول صحيفة المصدر العبرية في (23/5/2015) إن (“حماس” لا تشكل تهديدا فوريا ، وان استمرارها يضمن الانقسام ، بل أن وجودها يعطل حدوث حل شامل ، ما هو جيد للإسرائيليين) .

أما الجنرال الإسرائيلي “غانتس” فيلقي محاضرة في المؤتمر السنوي لمعهد الامن القومي الاسرائيلي ليقرر في ورقته أن “حماس” ليست اللاعب الوحيد في غزة ، ويقدم لها شهادة حسن سلوك بأنها (تحاول منع اطلاق الصورايخ) والحفاظ على التهدئة) وهذا ليس حبا في “حماس”- ما يشير إليه بنفس الوتيرة حين يتحدث الإسرائيليون عن السلطة- وإنما لرغبة وتصميم في زيادة الشرخ الفلسطيني والإمساك بخيوط اللعبة.

أما الإسرائيلي (نمرود شفر) فيكتب في صحيفة “معاريف” (6/7/2015) وهو رئيس شعبه التخطيط في الجيش الإسرائيلي فإنه يعلن (إن “حماس” أبلغت “إسرائيل” عبر الوسيط التركي والمصري أنها تتعاون في إطار جهود القضاء على السلفيين في غزة وسيناء) وهنا مربط الفرس بالنسبة لهذه الورقة في العلاقة بين “حماس” و”السلفيين”.

“حماس” إلى متى؟

إن تنظيم “حماس” يحاول أن يتعامل أو أن يوفق بين تقاطعات وتشابكات الداخلي في غزة، والوطني الفلسطيني العام، والإقليمي، بل والدولي فيجد نفسه في بحر متلاطم من التناقضات التي لا يستطيع أن يمر فيها أو يتخطاها أو يتعامل معها بسهولة.

تيارات “حماس” المتوزعة بين غزة والضفة وقطر ، وبين المتشدد الذي لا يجد ولا يرى عدوا له إلا السلطة، وبين ذلك الوسطي أو الواقعي تتخبط التيارات في خضم مصالحا ونزقها في مختلف الملفات سواء بالعلاقة مع المصريين الذين تقدم لهم النوايا الحسنة وتجلدهم ليل نهار عبر فضائياتها أو باللسان المزدوج في التعامل مع حركة فتح.

تتخبط “حماس” عامة بالشأن الفلسطيني حيث رغبة البعض فيها بتسليم السلطة والتفرغ “للمقاومة”، وتحقيق الوحدة الوطنية، لكن إرادة المتنفذين تقضي بعدم التخلي عن الأرض والسلطة والمصالح الحزبية مطلقا، أي ما بين مد الجسور من البعض، وما بين الصوت العالي والسيف المشهر ميدانيا وفضائيا من خلال: اتهام وشتم وتخوين متكرر منذ أعوام (انظر صلاح البردويل ويحيى موسى ومشير المصري … )، كما يتضح حجم التمسك الرهيب بالسلطة ولذائذها في غزة مقابل اتهام (سلطة رام الله كما تسميها) بكل الرذائل والقبائح والمصائب كعلّاقة (شماعة) تعلق عليها كل مآسي القطاع الحزين.

تحار “حماس” في الاستدلال على طريقة مُثلى لكسب الشارع الفلسطيني خاصة في غزة، فهو شارع واعي ويرى وليس مغفلا أو غبيا، فتعمد أن تكرر يوميا إيهامه بأنها تنظيم ملائكة (أنظر يحيى موسى الذي اعتبر أمن حماس كالملائكة) وأنهم أصحب الحق والشريعة والإسلام (أنظر تصريحات الزهار) أو أنهم حصريو المقاومة ما يكرره الغالب فيهم يوميا ، وما لا يصدقه الواقع البشري والإنساني أصلا ويصب في خانة المبالغة والكِبر والنزق.

وإلى ما سبق يقع تخبطها بين الآراء والتيارات في التعامل مع السلفيين – الذين، وان لم يشكلوا لها مشكلة كبيرة اليوم فإن التوسع خاصة من (السلفية القتالية) مرشح للازدياد حيث تقوم بإتباع الطريقة المثلى لديها والأيسر وهي كتم الصوت وتكيم الأفواه عبر الاعتقالات والتعذيب والسجن ومنع اطلاق الصواريخ ، وتشويه مخالفيها جميعا ، وما بين ادخال وساطات عربية أو داخلية ، وما بين فتح الحوار معها.

إن واقع الأزمة الفلسطينية الداخلية لحركة “حماس” سواء مع السلفيين أوغيرهم مرشح للازدياد ، والحل سواء للقيادة الفلسطينية في السلطة أو لدى حماس معروف ويحتاج منها لمن يعلق الجرس.

بكر أبو بكر

مأزق “حماس” و”السلفية” في غزة ؟ (2/3)

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

فتح ميديا أوروبا