لقاء سري بلا أسرار كتب حافظ البرغوثي

شاركت بعد تردد في لقاء طويل على مدى ثلاثة ايام من جلسات النقاش المختلفة التي يتناول كل منها موضوعا محددا, وكنت منذ اكثر من عامين أتلقى دعوات المشاركة الاوروبية وألغي المشاركة في آخر لحظة وهي من معهد دولي ممول من بعض الدول الاوروبية اضافة الى أمه الرؤوم اميركا وأميرة سعودية. ويحيطه منظموه بسرية مطلقة لا مبرر لها ربما لفرض الغموض على اعماله امام المانحين ولإثارة الفضول للمشاركة. لكن تبين للعبد الفقير لله ان اللقاء ضم في اغلبيته صحفيين واعلاميين واكاديميين ورجال اعمال ورجال منظمات غير حكومية وباحثين واعضاء كنيست وقلة من الرسميين. ولا اعلم حتى سبب السرية لكن لاحظت ان أغلبية المشاركين هم من الاسرائيليين واليهود الاوروبيين والاميركيين اضافة الى مشاركين من البلاد العربية بمن فيهم كويتيون وسعوديون وعمانيون وكذلك وفد رسمي من الخارجية الايرانية.

النقاشات كانت في الجلسات الفرعية مثمرة لما احتوته من تحليلات وآراء وتساؤلات لكن لوحظ غياب المتحدث الرئيسي الفلسطيني حتى في القضايا التي تبحث الشأن الفلسطيني باستثناء موضوع الانسحاب من غزة الذي سمح لمتحدث فلسطيني بأن يكون احد المتحدثين، ولوحظ ان عريفي الجلسات من اليهود فكان يسمح للاسرائيليين بالحديث باستفاضة بينما تقطع اية مداخلة فلسطينية الا اذا كان المتحدث معروفا لديهم مع أن بعض الاسرائيليين كانوا اكثر اعتدالا من بعض اليهود الغربيين الذين تطرف بعضهم اكثر من الليكود ومن اللطامين العرب الذين يسوقون انفسهم في مثل هذه المحافل كسبل للود و”لله يا مانحين”. وغلب موضوع ايران وسوريا وداعش على النقاشات التي شاركت فيها لكنني تدخلت فيها بعد استماعي لكثير من الكذب حول “داعش” ونشأته وعن الاسلام, فالغرب يرى في داعش وكأنه القضية العالمية الكبرى ولا قضايا قبلها ولا بعدها. ولديهم تصور ان داعش ينفذ تعاليم الاسلام وللأسف فان بعض المشاركين العرب قالوا مثل هذا الكلام ربما لإرضاء المنظمين وتقديم اوراق اعتماد وللحصول على حظوة مستقبلية في اللقاءات فبعض المستفيدين من مراكز بحثية ومنظمات غير حكومية يتبنون النظرة الغربية تجاه القضايا لأهداف ربما تمويلية. فداعش وأخواته افراز للجهاد الاميركي في افغانستان والاحتلال الاميركي للعراق واستفاد كغيره من الدعم الغربي للمعارضة السورية مالا وسلاحا ودعما من انظمة عربية ومن تركيا بلا حدود. وبالتالي لا ينسب ما تفعله من ممارسات الى الاسلام لأن الدين الاسلامي لا يحض على هذه الممارسات وهؤلاء يستندون الى اقوال مذهبية وضعية تقبل الخطأ والصواب، والغرب هو الذي دعم نشوء الاحزاب الاسلامية من البدء وهو الذي اختلق الجهاد في افغانستان وهو المساهم في سياسة قطع الرؤوس التي مارستها الميليشيا الشيعية المتحالفة معه ابان الاحتلال الاميركي للعراق وكانوا يعثرون يوميا على 30 جثة مقطوعة الرؤوس في بغداد وحدها, فالمعلم الاكبر هو الاحتلال الاميركي. وأصل الشرور في المنطقة نابع من السياسة الاميركية. وتدخلت في جلسة اخرى معارضا التباكي على حل الدولتين وقلت ان حل الدولتين اغتيل مع اسحق رابين وليس هناك في القاموس الاسرائيلي السياسي الآن مثل هذه الكلمة بل ظلت دولة غزة التي عرضها بيغن على السادات ورفضها وحاليا تجري اسرائيل اتصالات مع حماس بشأنها. وهذه نهاية حل الدولتين وبداية الكارثة لاسرائيل حسب ظني.

المتحدثان الرسميان في جلسة عامة كانا ظافري وهو من الخارجية الايرانية الذي ركز على قضايا سوريا واليمن والعراق وقال انه بالإمكان حل هذه القضايا اذا توقف التدخل الاجنبي وتناسى ان بلاده تتدخل فيها جميعا. اما المتحدث الثاني الذي مارس الخداع بالكلمات فهو السياسي الاسرائيلي يائير لبيد الاعلامي الذي كنت اظنه موضوعيا فقد تباكى على السلام والوئام وحملنا مسؤولية اضاعة الفرص لتمنعنا عن قبول الدولة الفلسطينية لكنه وهو وزير مالية سابق ضخ الكثير من المال في الاستيطان للقضاء على حل الدولتين, وصور الأمر وكأن الفلسطينيين يرفضون قيام الدولة التي تريد اسرائيل منحها لهم ولم يجب على سؤال اين الارض التي ستقام عليها الدولة!

وخاتمة الأحزان كانت بالظهور المبجل لحديث التطبيع السعودي انور عشقي الذي وصفوه بأنه جنرال سابق مغوار لا يشق له غبار وباحث وخبير في كل القضايا والاسرار، وإذ به يتحدث بالعربية العرجاء واضاعت الترجمة حديثه فانتقل الى الانجليزية العوجاء مع انه قال انه عاش في اميركا وجاور عائلة يهودية وكانوا لطيفين واظنه سيتلقى دعوة عاجلة من اسرائيل لينهل اللطف الاستيطاني من منابعه ويرى نعومة الاستيطان والقمع الاحتلالي الا اذا اعتبر اننا نستحق الحرق والسحل والقتل, ولما سأله لبيد عن معنى اسمه “إشكي” قال لا فض فوه ولا مات ابوه” يعني اشكنازي”. ولم يناوله احد قبعة يهودية بعد مع انها كانت على رأس مولخو مستشار نتنياهو.

في جلسة أخرى اسهب متحدث اسرائيلي في الحديث عن السلام واشترط الاعتراف بيهودية اسرائيل وببقاء اليهود في الدولة الفلسطينية مثلما هناك عرب في الدولة اليهودية وكأنه يمن على اصحاب الأرض ببقائهم فيها. ولما طلبت الكلام للتعقيب لاحقا اعطى عريف الجلسة الكلام لكل من طلب الفرصة للتعقيب باستثنائي وكان وهو يهودي تشيكي عريفا في جلسات سابقة ولم تعجبه مداخلاتي فرفض منحي الفرصة بينما لو كان اسرائليا لمنحني الفرصة إذ يبدو ان التشيك اليهود اكثر تطرفا من الاسرائيليين فانسحبت بعد اتهامي له بانه عنصري وتركت المؤتمر المشبوه غير آسف.

لست في حرج لو حاورت اسرائيلياً متطرفاً طالما كان هناك حوار ولكن الحرج في ان تساق لكي تسمع ما لا تحب وان نطقت حرمت من الرد بقي أن نقول ان بعص الباحثين الفلسطينيين المشاركين كانوا على قدر المسؤولية في مداخلاتهم.

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا