التنفيذية، بين تجديد الشرعيات ومشروعية التجديد كتب حسن سليم

“إن الدعوة لعقد المجلس الوطني تمثل انقلاباً على الاتفاقات الوطنية وإصراراً على التفرد وإدارة الظهر للتوافق الوطني، ونحمل قيادة حركة فتح المسؤولية عَن التداعيات المترتبة على هذه الخطوة، وندعو الفصائل الفلسطينية إلى عدم التورط في هذا العبث الذي يهدد الوحدة والمصالح الفلسطينية وضرورة العمل على وقفه .”

ما سبق نص تصريح للناطق باسم حركة حماس سامي ابو زهري، الخميس الماضي، معبرا عن موقف حركته من الدعوة لعقد المجلس الوطني، فيما يمثل بجوهره قفزا عن انقلاب نفذته حركته، ويدفع شعبنا ثمنا سياسيا واقتصاديا واخلاقيا باهظا، وعلى كافة الصعد.

موقف حماس على لسان الناطق باسمها كان يمكن ان يكون في مكانه الصحيح لو مارست حماس عكسه، او أحرجت صاحب الدعوة بالامتثال لقرارات الشرعية الوطنية، ولنصوص عديد اتفاقات المصالحة بالعودة عن انقلاب مضى على استمراره ثماني سنوات، أكل فيها الأخضر واليابس من المصالح الوطنية التي يدعي الحرص عليها، وحول الوطن الى ركام بسبب ديماغوجيا سياسية، كان يمكن ان يتم بدلا منها اعتماد موقف سياسي عاقل يحفظ لها تمثيلا شرعيا واحتراما سياسيا لو كانت قد سارعت للانضواء تحت مظلة المنظمة سعيا لتفعيل مؤسساتها لو كانت النوايا صادقة.

صاحب الدعوة الرئيس أبو مازن وأيا كان الهدف من التغيير المنظور من خلال دعوته لعقد جلسة طارئة للمجلس الوطني، تمت مواجهته من قبل زميله في اللجنة المركزية، ورئيس المجلس الوطني سليم الزعنون برفض الدعوة لعقد جلسة طارئة، وتوجيهها لعقد جلسة عادية انتظاما للمادة 14 من نظام المجلس الوطني، التي تنص الفقرة (ب) منها على انه “إذا كانت الحالات الشاغرة تساوي ثلث أعضاء اللجنة التنفيذية او أكثر يتم ملؤها من قبل المجلس الوطني في جلسة خاصة يدعى لها خلال مدة لا تتجاوز الثلاثين يوما”، فيما يكون التوجه لعقد جلسة طارئة بمن حضر وفقا للفقرة (ج) من المادة 14، لاختيار الأعضاء الجدد بأغلبية أصوات الحاضرين، وتم التوافق على أن تكون الجلسة الخاصة، كون الشغور لأكثر من الثلث في منتصف أيلول المقبل، فيما لم يكن الرد من صاحب الدعوة بـ”خلع” رئيس المجلس والانقلاب على النظام الأساسي، بل أقر برد هيئة مكتب المجلس واحترم قراره، وأكد على الالتزام به.

ولعل من الضرورة التأكيد أن التغيير أو التجديد او التفعيل لمؤسسات منظمة التحرير يمثل أكثر من حاجة بل ضرورة، بل وتأخر كثيراً، حيث مرت القضية في مراحل ومفاصل معقدة كانت تستوجب هذا التغيير، والانعقاد الدائم لهيئاتها، ولكن “نصل متأخرين خير من الا نصل”، وسواء اختلف البعض أو اتفق معه إلا انه يحسب له، بأنه عندما كان التوجه بالتغيير استند الى قوة النظام، وليس الى نظام القوة، يستند الى شرعية وارد نصها في قانون صاغه الكل الوطني واجمع عليه.

الجدل والسجال بين قانونية عقد الجلسة بهذا الشكل او ذاك يفرض مقارنة تستوجب القراءة والدراسة بين تجربتين فيما يخص الامتثال للقانون والنظام، بين رئيس وزراء (اسماعيل هنية) فازت حركته في الانتخابات التشريعية عام 2006، لينقلب على رئيسه ونظامه بعد اقل من عام، ولم يكن النقاش حينها حول دستورية او قانونية هذا الاجراء او ذاك، بل كان ضربا للشرعية وتمزيقا لها، بعد أن شكل حكومة واخذ “الجمل بما حمل”، وبين رئيس أراد تعديلاً على لجنة يرأسها فنبهه رئيس المجلس الوطني بعدم جواز الدعوة بهذا الشكل، بل واجهه وألزمه بالإجراء الواجب وفقا للنظام، فالتزم وخضع للقانون.

ومقارنة اخرى بين تنفيذية المنظمة وبين تنفيذية شكلتها حماس، فقد تم تشكيل الاولى وهي اعلى هيئة في منظمة التحرير وفقا للمادة (15) من النظام الأساسي لمنظمة التحرير، لتتولى تمثيل الشعب الفلسطيني وفقا للمادة (16/أ)، وبقيت أبواب الانضمام لها مشرعة أمام الكل الوطني، حتى أمام من اختلف معها وشكك في الماضي بمشروعيتها، وعلى وجه الخصوص حركتا حماس والجهاد الإسلامي، ولم تغلق الأبواب حتى بعد تنفيذ حماس لانقلابها في تموز 2007، فيما تشكلت الثانية “تنفيذية حماس” دون مشروعية، واغتصبت بها الشرعية الفلسطينية، وانقلبت بقوة السلاح على السلطة الوطنية، وأسست لإمارة حكمها، دون ان تخبرنا سلطة حماس ولو فيما يتعلق باجراء واحد، عن سند قانوني استندت اليه وهي تجري تغييراً كاملا بل هدما للكيانية الوطنية.

اما المقارنة الثالثة بين جهد او تفسير لمواد في النظام الأساسي للمجلس الوطني يبذل من قبل أنصار الدعوة لعقد جلسة طارئة للمجلس الوطني، وبين من التجأ الى لغة الإقصاء بالقوة دون مجرد التفكير باللجوء لأي نظام أو قانون او مشروعية، ويكفي التذكير بالمادة (67) من القانون الأساسي التي تنص على القسم قبل أداء المهام، ونصه وفقا للماد (35) من ذات القانون “أقسم بالله العظيم أن أكون مخلصاً للوطن ومقدساته، وللشعب وتراثه القومي، وأن احترم النظام الدستوري والقانون، وأن أرعى مصالح الشعب الفلسطيني رعاية كاملة، والله على ما أقول شهيد”، فيما الواقع دلل بوضوح لا يقبل التأويل عن حجم الأضرار التي لحقت بالوطن والمواطن نتيجة الحنث باليمين وعدم مراعاة مصالح الشعب ومقدراته.

ومقارنة قد لا تكون الاخيرة، حيث تخوف موسى ابو مرزوق عضو المكتب السياسي لحماس في مقال له بعنوان “الخداع والتضليل في الدعوة للمجلس الوطني”، نشره على الموقع الرسمي لحركة حماس يوم امس السبت، يتساءل فيه كيف يمكن لهيئة ان تعقد جلسة في رام الله في وقت متوقع الا يتمكن الجميع من الحضور، والمقصود هنا الاشارة لاهمية توفر النصاب والتوافق، دون ان يخبرنا عن تجربة كتلة حماس البرلمانية كيف تعقد جلساتها في غزة بحضور 25 نائبا بما نسبته 19%، دون ضمان أي التزام بالحدود الدنيا من الاجراءات والانظمة الواجب اتباعها أصولا، وتقر وتصدر القوانين التي وصل عددها الى 48 قانونا بين جديد ومعدل، أسست بمجملها لنظام سياسي جديد بمقاس عقلية “الامارة”، دون ان تعير حماس اي اهتمام لضرروة الحصول على موافقة او تحصيل توافق وطني حولها، رغم حالة السخط العارم التي شهدها قطاع غزة على تلك القوانين، وكان ابرزها، قانون الضريبة، الذي سمته تكافلاً.

وبمراجعة لما طرحته حماس من شعارات طيلة السنوات الماضية، كان مناقضا لما مارسته على الأرض، يشير الى ان حماس لم تستوعب الدروس من كثير تجارب من الحركات الانفصالية، وما آلت اليه من زوال، كما لم تحسن استغلال الفرص بان تكون جزءا وازنا مؤثراً في كفة القرار السياسي، كونها صاحبة الأغلبية في المجلس التشريعي، ونوابها تلقائيا هم أعضاء في المجلس الوطني، وفي حال دخولهم لمنظمة التحرير سيكون لهم تمثيل مناسب يضاف لأعضاء التشريعي، وهذا ما كان سيجعل لهم ثقلا وازنا ومهيبا لا يمكن تجاوزه .

لكن حماس بقيت طيلة الفترة الماضية مصرة على شروطها الغليظة، وابرزها “حصة 40%” من مجموع التمثيل في مؤسسات م.ت.ف، فكانت اشبه بمن يرفض تزويج ابنته، فلجأ الى رفع مهرها، فابقاها “عانسا”، ليتفاخر بعذريتها.

ومع اقتراب انعقاد المجلس الوطني، في منتصف ايلول المقبل، وما يتوقعه البعض من كسر لرؤوس او تكسير لعظام­­، او كما يرى المتفائلون انه سيؤسس لحقبة جديدة، وتجديد مشروع للشرعية، وايا كانت النتائج فإن ما هو مأمول من اجتماعاته الا يكون مقصورا فقط على ملء الشواغر او انتخاب لجنة تنفيذية جديدة، بل الخروج ببرنامج وطني يخرجنا من عنق الزجاجة الى فضاء وطني أوسع، والتوافق على تمثيل يحمي الشرعية المتبقية لنا بدلا من ذبحها بأيدينا وشرب دمائها، ومن ثم التباكي عليها، وأيا كانت المقاصد من التغيير فان شرط الحفاظ على الكيانية الفلسطينية لا بد من تحققه في نهاية المطاف.

وغير ذلك فاننا سنكون مخطئين جميعا ان فعلناها، حيث تخطئ “فتح” إن اعتقدت أن منظمة بلون واحد هي طوق النجاة للخروج من النفق المظلم الذي تمر به قضيتنا الوطنية، وغير عاقلة حماس ان اعتقدت انها تستطيع بناء بيت بديل لبيت الشرعية، تستطيع الحياة فيه باستقلالية ورفاهية، اما الفصائل الأخرى وعلى وجه الخصوص اليسار فهي واهمة إن اعتقدت ان ضمان تمثيلها سيضمن بقاءها على الأرض، ويحميها من الاندثار في ظل حالة الاستقطاب القائمة.

Hasan.media@yahoo.com

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا