ومصنع إسمنت سند في فلسطين …!! كتب د. عبد الرحيم جاموس

منذ أسابيع وأنا أتابع تداعيات إنشاء مصنع الإسمنت التابع لشركة سند الفلسطينية في عنبتا – قضاء طولكرم والتي يعد صندوق الإستثمار الفلسطيني المساهم الرئيس فيها.

لا يختلف إثنان على حاجة فلسطين للتنمية وتطوير القطاع الصناعي فيها تحقيقاً لبناء الدولة الفلسطينية المستقلة، ومواجهة الظروف الإقتصادية الصعبة التي يواجهها الإقتصاد الفلسطيني، وإيجاد فرص العمل المناسبة للشباب والعاملين الفلسطينيين، الذين تصل نسبة البطالة لديهم في مناطق السلطة الفلسطينية إلى معدلات كبرى تفوق نسبة 40%، وهي معدلات خطيرة …

وفي ميدان الصناعات التحويلية والكيميائية وخصوصاً التي تطلق غازات وأبخرة وغبار وأتربة تؤثر على البيئة والحياة الفطرية تحسب هذه الأضرار والمخاطر وتدرس دراسة علمية لا تتوقف على مدى الحاجة لهذه الصناعة أو تلك، ومدى ملائمة المكان لها، ومعدلات الربحية والإنتاجية التي سوف تتحقق منها بل يضاف إليها مدى وحجم المخاطر والتأثيرات على البيئة والحياة الفطرية، التي باتت تمثل أكبر تحدٍ للحياة على كوكب الأرض، فالحياة السليمة وتوفير شروطها، تحكم اليوم إقامة مثل هذه الصناعات، ولأن كان رأس المال يبحث عن الربح دائماً والربح فقط، إلا أن القوانين والأنظمة كفلت للإنسان حق العيش في بيئة نظيفة، خالية من الأمراض ومن كل أشكال المؤثرات التي تهدد حياته وتهدد الحياة الفطرية، التي يجب أن يحرص عليها الإنسان، ولذا لم يعد يترك الحبل على غاربه للشركات ولرأس المال في إختيار الأمكنة المخصصة لمثل هذه الصناعات، مع الأخذ بعين الإعتبار جميع الشروط المستوفية لسلامة العاملين والحفاظ على نقاء البيئة السليمة التي تتوفر فيها شروط الحياة الطبيعية والفطرية للنبات والحيوان والإنسان على السواء.

صناعة الإسمنت، تعتبر من الصناعات الضرورية للبناء والتطوير في أي بلد أو مجتمع لكونها مادة أساسية للبناء …

ولكن هذه الصناعة يجب أن تحكمها كما أشرنا إليه شروط ملائمة ومناسبة لضمان الحياة الفطرية والبيئية … لأن الغازات والأتربة والأبخرة التي تطلقها مصانع الإسمنت وحسب الدراسات العلمية تؤثر في محيط دائرة نصف قطرها عشرة كم، ومهما تطورت وسائل السلامة في تلك المصانع للتقليل من تأثيرات هذه الأبخرة والأتربة على البيئة وعلى صحة الإنسان إلا أنها فشلت فشلاً ذريعاً في ذلك، رغم كلفة المواد والفلاتر التي أجبرت تلك المصانع على إستخدامها من أجل التقليل من تأثيرات تلك الأتربة والغازات والأبخرة المنبعثة منها، مما إضطر الكثير من الدول إلى إتخاذ إجراءات تؤدي إلى وقف عمل تلك المصانع رغم ضخامتها وحيويتها الإقتصادية أمام تلك الأضرار التي أشرنا إليها، والعمل على نقل هذه المصانع إلى مناطق أقل تأثراً وتأثيراً على صحة الإنسان والحيوان والنبات …

وفي فلسطين الكل يعرف محدودية مساحات الأراضي وخصوصاً في المناطق التي تتحكم السلطة الفلسطينية فيها، فلقد كان إختيار شركة سند لإقامة مصنع الإسمنت في محافظة طولكرم وشرق بلدة عنبتا في موقع تحيط به عدة قرى منها بزاريا ورامين وبرقة وسبسطية وكفر رمان وسيلة الظهر في موقع إعتبر من حيث الجودة الصناعية مناسباً لصناعة الإسمنت، ولكن دون إعتبار للتأثيرات البيئية الضارة في هذه المنطقة الخضراء وذات الكثافة السكانية العالية، وقد لاحظنا وتابعنا ردة الفعل التي عبر عنها سكان بلدة عنبتا والقرى المجاورة لإدراكهم لمثل هذه المخاطر، وتشبثهم بحقهم بالعيش على أرضهم في بيئة نقية غير ملوثة وتشبثهم وتمسكهم بأرضهم، وبالتالي من حقهم أن يكون رأيهم هو الأول والأخير في إقرار إقامة هذا المصنع وغيره من الصناعات التي قد تهدد نقاء الحياة الطبيعية والفطرية في منطقتهم، إن منطق العجز والمحدودية الذي يطبع السلطة الفلسطينية ويحكم تصرفاتها لا يجوز أن يدفع السكان حياتهم ونقاء بيئتهم ثمناً له، فإن لم تتوفر السلطة الفلسطينية على مساحات يمكن لها أن تقيم فيها مثل هذه الصناعات دون تأثيرها على البيئة وتهديد حياة السكان فلا داعي لها، ذلك بسبب سيطرة الإحتلال على ما يزيد على مساحة 60% من مساحة الضفة الغربية وتحكمه فيها، ويحول دون إقامة المشاريع التنموية فيها، التي تتوفر في بعض المناطق الملائمة لإقامة مثل تلك الصناعات التحويلية وتكون فيها المخاطر والأضرار أقل بكثير من المناطق التي تحت سيطرة السلطة الفلسطينية.

لذا فإن ردة الفعل التي أبداها سكان المنطقة لإقامة مصنع الإسمنت على أراضيهم وفي منطقتهم هي ردة فعل طبيعية وحية يجب أن تكون محل إحترام وتقدير من قبل الجميع وأن تحظى بالمساندة والتأييد، وعلى الجهات المختصة من سلطة الأراضي ومجلس الوزراء في السلطة الفلسطينية أن يتعامل مع الموضوع بناء على هذه المخاطر والأضرار ووفق رغبة سكان المنطقة وعدم تحديهم وإستملاك أراضيهم عنوة عنهم، وعليها أن تبحث عن بدائل أخرى وهي كثيرة، وأن لا تتوقف عند الموانع التي تضعها سلطات الإحتلال عائقاً أمام تمدد سلطة الشعب الفلسطيني على أراضيه في المناطق التي تعرف وفق إتفاق أوسلو بمناطق “جيم”، وعلينا جميعاً أن نحيي المواقف الشعبية التي أدركت حجم هذه المخاطر والأضرار وعبرت عن وجهة نظرها بصراحة وأنتفضت بطريقة سلمية وحضارية عبرت عن رفضها لإقامة هذا المشروع المدمر للبيئة على أراضيها، والذي حسب المعلومات الأولية كانت تنوي الشركة المذكورة القيام بإستملاك مساحة من الأراضي تقدر بحوالي ثلاثة آلاف دنم، لصالح إقامة المصنع المشار إليه، وهذا يحرم هذه القرى من مجال حيوي للتوسع العمراني، كما يهدد حياتها الطبيعية ونقاءها الفطري والبيئي …

فعلى السلطة الفلسطينية أن تكون أكثر وعياً وحكمة، ولا تضع مصلحة المستثمر قبل مصلحة الإنسان وحقه في الحياة في بيئة نظيفة خالية من الأوبئة والمؤثرات المختلفة وخصوصاً منها الصناعية التي باتت تهدد حياة الإنسان والحيوان والنبات على السواء.

إذن البيئة أولاً، والصناعة ثانياً والإنسان أغلى ما نملك..

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا