ابو عمار في ذكرى رحيله مازال يحير العقول ويعيش في القلوب

لم يكن ابو عمار زعيماً عادياً على الاطلاق ، ولم يكن زعيماً وطنياً حمل قضية شعبه فقط ، بل كان اكثر من ذلك بالتأكيد … كان زعيماً عالمياً ، مثلت كوفيته القضيه ورمزت لها في كل الساحات والبقاع ، كان صنواُ لفلسطين ، تعرف القضية من خلاله وعبر اسمه في البلاد البعيدة ، كان ومازال في قلوب الثائرين وانصار الحريه وعشاق العدل والسلام .

لم يغب ابو عمار عن اذهان ابناء شعبنا ، حيث كان الأب الحاني الذي ينحني لتقبيل ايدي الاطفال في مكتبه بل وفي الشارع العام ، كان متفرغاً لمتابعة كل صغيرة وكبيرة ليلاً نهاراً .

اسس الثورة وصنع الهوية الوطنية التي جسدتها منظمة التحرير وفصائل عملها المسلح . خاض المعارك واحدة تلو اخرى وقرر خوض معركة الكرامه وقهر جيش اسرائيل الذي لا يقهر . وقتما تراجع الاخرون ظناً منهم ان الفدائي لا يستطيع ان يواجه جيشاً منظماً وجها لوجه .

قاد المعارك السياسيه امام المجتمع الدولي والقى خطابه التاريخي امام الامم المتحده عام 74 مردداً : ” جئتكم احمل البندقية بيد وغصن الزيتون بيد فلا تسقطوا الغصن الاخضر من يدي ” .

اعلن استقلال فلسطين عام 88 من قصر الصنوبر في الجزائر ، ذاك الاعلان الذي تضمن نصوصاً طالما تمناها شعبنا ، وحلم وناضل من اجل بلوغها في وطن حر مستقل يطور الفلسطيني فيه ذاته على قدم المساواه دون تمييز .

قاد العملية السياسيه وتحدى الضغوط كلها وافشل المؤامرات التي حاولت ان تنال من حقنا المشروع . رفض مقترحات كلينتون وقال مرة جديدة لا لرئيس الدوله الكبرى التي تظن انها سيدة العالم .

رفض الاغراءات كلها ولم يقبل ان يتسلم القدس ، ويقيم مكتبه الشخصي في ساحة الاقصى مع وجود (150) من حرس الرئاسه على مدار الساعه طالما اشترط ذلك بتصرف اسرائيل اسفل المسجد المبارك اولى القبلتين وثالث الحرمين .

سطر ملحمة البطولة في بيروت ، التي صمدت88 يوماً امام اكبر اله عسكريه في المنطقه . وسطر ملحمة صمود جديدة في المقاطعه التي حاصرتها اسرائيل ووجهت الى جدرانها وغرفها ومكاتبها نار الغدر والعدوان ، واجه الحصار بجرأة نادرة ، وحمل الكلاشن من اجل مواجهة الغزاة وكان يحاول النزول للساحه كي يطلق النار ، وظل يمنح من حوصروا الى جانبه في المقاطعه الامل والمعنويه والمزيد من الارادة .

صورته ارتسمت في كل بيت ، وكلماته ظلت تردد على كل لسان ، عالقدس رايحين شهداء بالملايين ، وكوفيته مازالت ترسم خارطة فلسطين وتشكل بوصلة تشير الى القدس التي دونها لا دوله لنا ولا وجود .

حرية فلسطين واستقلالها ظلت هاجسه الأوحد في حركاته وسكناته ، تحالفاته وتقلباته ، حربه وسلامه وفي رحلته النضالية التي زادت عن نصف قرن ، وكان قاسماً مشتركاً بين الاضداد ، يختلف البعض معه لكنهم يجمعون دائماً عليه .

قضيته العادله منحته شرعية استثنائية ، ثورية وتاريخية ودستورية ، وكان بتركيبته قائداً جامعاً مانعاً ، مقاوماً ، منتفضاً ، مفاوضاً ، مبدئياً ، مناوراً ، عنيداُ ، معتدلاً ، مقداماً ، حذراً ، صارماً ، وادعاً ، عفيفاً ، مسالماً ، متسامحاً واقعياً حالماً ثائراً شعبياً متحيزاً لأعلى الحدود ورجل ثورة ودوله .

كان حاله نادرة عصيه .. مهاباً في غيابه كما في حضوره ، تماهى مع قضية شعبه ، فذاب فيها ليصبح رمزاً لفلسطين واباً لكل الفلسطينيين في الوطن والمنافي ، وحارساً لحلمهم وحامياً لمشروعهم الوطني في التحرر والعوده .

تعددت قدراته وطاقاته ، بعقله الثوري اشرف على العمل العسكري وعلى الانتفاضه ، وبعقله الامني حلل المعلومات وادار العمليات الامنيه والسريه ، وبعقله الاقتصادي نمى قدرات فلسطين واسس لمقومات اقتصاد فلسطيني ، وبعقله الاعلامي حرك الرأي العام الفلسطيني والدولي ، وبعقله السياسي عمل من اجل اقامة دوله مستقله على ارض فلسطين تكون عاصمتها القدس التي ظل يذيل رسائله دائماً ” معاً وسوياً حتى القدس حتى القدس “

ارسى شعار الديمقراطيه في غابة البنادق ، ونام وعمل في غرفة طوال الوقت ، وتنقل بين مواقع المقاتلين بل تقدم صفوفهم .

كان براغماتياً ذا قدرة نادرة على فهم التطورات المعقدة و التلاؤم مع المتغيرات ، لا يضع خطوط حمراء لما يريد تحقيقه ، ولا يؤمن بالتنظير ولا ينحاز له ، يجمع بين المتناقضات اذا تطلبت حساباته ذلك . يثابر لتحقيق الهدف ولا يتراجع ابداً .

رحيله كان استثنائياً يليق بموقعه ومكانته كواحد من كبار القرن العشرين ، جنازته كانت حافله ورسميه جداً في باريس وحاشده ورسمية جداً في القاهرة ، وفي فلسطين كانت جنازته استثنائيه بالتأكيد توافد كل ابناء شعبنا الى المقاطعه وتأخر هبوط الطائره ساعات ، لعدم وجود مساحه هبوط بين اقدام المتزاحمين الباكين والحانقين على العدو الذي كان خلف رحيل هذا القائد من خلال المواد المشعه التي مازال التحقيق مستمراً لكشف ملابسات الفعل وايدي الفاعلين .

موقع مفوضية التعبئة والتنظيم لحركة فتح – الاقاليم الخارجية

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

فتح ميديا أوروبا
Exit mobile version