الانتفاضة شكل من أشكال النضال كتب جمال ايوب

الجدال حول سلمية الانتفاضة أو عسكرتها ، وظاهرة الطعن بالسكاكين والدهس ، لولا الثورات والانتفاضات والتضحيات الغالية ، ولولا المقاومة المسلحة لما بقيت القضية حية ، ولتمكنت الحركة الصهيونية من استكمال تحقيق كل أهدافها بطرد من تبقى من شعب فلسطين ، ومن إقامة الدولة اليهودية النقية . لا يمكن بعد كل هذه التجارب والنضالات أن نعود دائمًا إلى نقطة البدء. نضال سلمي أم مسلح ، مفاوضات أم مقاومة ، بالرغم من أن هذه الانتقائية والأحادية أحد الأسباب في وصولنا إلى ما نحن فيه ، فما يحدد أشكال النضال ليس الضحية وحدها ، بل طبيعة وخصائص المشروع الاستعماري الاستيطاني ،وإلى مدى لجوئه إلى الوحشية والعنصرية والإرهاب ،

إن أهم درس يمكن الخروج به من التجارب السابقة هو ضرورة الجمع ما بين عدة خيارات وتنوع أشكال النضال والجمع بينها حينًا ، ووقف شكل وإتباع غيره حينًا آخر ، والاستعداد للانتقال من خيار إلى آخر ، ومن شكل نضالي إلى آخر ، لأن المقاومة بكل أشكالها السلمية والمسلحة تزرع والكفاح السياسي بكل أشكاله يحصد ومن لا يزرع لا يحصد .
صحيح إن اختلاف الظروف والمعطيات وازدياد الاختلال في موازين القوى يدفع إلى ضرورة عدم اعتبار المقاومة المسلحة الأسلوب الرئيسي في النضال ، كونه يحتاج إلى إمكانيات وأسلحة وأموال وإمدادات ، وعوامل وظروف داخلية غير متوفرة مثل الوحدة على إستراتيجية واحدة ، وإلى عمق عربي ودولي ملائم ، ولكن استبعاد المقاومة المسلحة في ظل العدوان الصهيوني المستمر واستخدام القوة المفرط بوحشية متزايدة بمقاومة أو من دونها يطرح أهمية التمسك بحقنا في المقاومة ، بما فيها المسلحة واستخدامها ، واستنادًا إلى كل الشرائع الدينية والدنيوية. خلال السنوات الماضية التي تبنت فيها القيادة الفلسطينية سياسة المفاوضات كأسلوب وحيد ، لم توقف دولة الاحتلال قمعها واستيطانها ، بل كثفت من اعتداءاتها وتزايد عدد المستوطنين بالضفة ، وقتل وحرق واعتداء على البشر والحجر والزرع ، الأمر الذي جعل حياة الفلسطينيين جحيمًا لا يُطاق.
إن الانتفاضية الحالية شكل من أشكال النضال لضرورة التصدي لتطبيق المشروع الاستعماري الصهيوني في المرحلة الحالية ،الشعب الفلسطيني يحاول انتهاز الفرصة في ظل الانقسام والعجز والحروب الداخلية العربية لتطبيق إقامة دولة فلسطينية .
إن ظاهرة الطعن بالسكاكين ليست طارئة ولا حديثة ، بل شهدها النضال الفلسطيني منذ البداية ، وتجسدت في كل المراحل وجميع الهبات والانتفاضات ، بما فيها الانتفاضة الشعبية انتفاضة الحجارة . والجديد أنها اليوم باتت أكثر عددًا ، إذ يمكن تسمية ما يجري حاليًا انتفاضة السكاكين ، لأنها غدت السلاح الوحيد المتوفر لدى الفلسطينيين. وقد استُدعي هذا الشكل من الانتفاضة بسبب الفراغ الناجم عن غياب القيادة التي أعلنت منذ سنوات بأن خيارها وصل إلى طريق مسدود ولم تجرؤ على اختيار طريق جديد ، واكتفت بالتهديد حينًا ، واستخدمت تكتيكات تستهدف إحياء المفاوضات والسعي لتحسين شروطها ، وليس فتح طريق لمسار جديد ، حينًا آخر.
كما أن القوى التي رفعت شعار المقاومة المسلحة وصلت إلى طريق مسدود ، بدليل تنفيذها لهدنٍ عدة منذ العام 2003 وحتى الآن ، وسعيها لهدنة طويلة الأمد مقابل الحفاظ على سلطتها ورفع الحصار عن غزة , لذلك فاجأت الانتفاضة الحاليّة . صحيح أن حركة فتح أرادت هبّة لاستعادة شعبيتها ، ولدعم السياسات التي لوّح بها الرئيس في خطابه بالأمم المتحدة ، خصوصًا تهديده بعدم الالتزام بالاتفاقات إذا استمر العدو بعدم الالتزام بها ، إلا أنها فوجئت بالمسار الذي سارت فيه الانتفاضة التي رحب بها الجميع ، وبظاهرة السكاكين التي بدت لا بديل عنها في ظل غياب الإرادة والتحرك الشعبي الواسع لتقديم رد سريع يتناسب مع حجم العدوان والجرائم الصهيونية ، ويكون قادرًا على الاستنهاض السريع للشعب. أما حماس فقد أرادت تصعيد الانتفاضة في الضفة حتى تساعدها على الخروج من مأزق سلطتها في غزة.
بدلا من لوم الأبطال الذين نقلوا الوضع من حال إلى حال ، يجب لوم القوى التي لا تزال مرتبكة دون أن ترتقي إلى مستوى الانتفاضة ، بل سعوا إلى إبقائها رهينة للانقسام وللسياسة المجربة سابقًا بقطف ثمار النضالات والانتفاضات قبل نضجها ، وما أدت إليه من اتفاق أوسلو والانقسام ، على القيادة والقوى استثمار النضال سياسيًا حتى يشعر الفلسطيني أنه يحقق إنجازات ، ولو بشكل تراكمي ، على طريق النصر المؤكد. وهذا يحتاج إلى هدف قابل للتحقيق ، وإلى تعميق الطابع الشعبي للانتفاضة دون إهمال كلي للمقاومة المسلحة الضرورية لرفع معنويات الفلسطينيين ، ولجعل الاحتلال مكلفًا,
المطلوب انتفاضة جديدة تأخذ شكل الموجات ، تركز كل موجة على عنوان ولا تستمر طويلًا لسنوات ، لأن هذا مرهق ويستنزف الطاقات الفلسطينية ، ولأن الصراع طويل ويجب التعامل معه والاستعداد له على هذا الأساس ، والحرص على أشكال النضال مع التركيز على النضال الشعبي والمقاطعة وتحقيق إنجازات ملموسة ، مثل توجيه ضربات ملموسة لخطة نتنياهو عن السلام الاقتصادي وضم القدس وفصلها عن بقية الأراضي المحتلة ، ولتعميق الانقسام وفصل غزة عن الضفة ، حيث بدا الشعب الفلسطيني في هذه الأيام موحدًا كما لم يكن من قبل ، وانتقلت الموجة الانتفاضية إلى مختلف مناطق فلسطين ، وتحرك الفلسطينيون في الخارج لدعمها واستمرارها.

 

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا