حماس بين المقاومة والممانعة.. سقوط سياسى وفساد أخلاقى

عندما ظهرت حركة حماس فى غزة على سطح الأحداث عقب الانتفاضة الأولى، كان الهدف المعلن والخفى حمل أوزار شعب يرضخ تحت ويلات الاحتلال، وإنتهاج سبيل المقاومة المسلحة لإجبار المعتدى على الجلوس إلى مائدة المفاوضات والوصول الى حلول عادلة، وكونها حركة مقاومة إسلامية دفع الكثيرين من الشباب الفلسطينى المتدين والمحبط من الإحتلال والذى يعانى الفساد الإدارى، أن ينخرط داخل صفوف الحركة، ومع تفاعل الأحداث على الأرض المحتلة راح يسقط القناع تدريجيا عمن حملوا مشعل الحرية وارتدوا ثوب المقاومة وتحدثوا بلغة القرآن والسنه.

وبعد رفضهم الإعتراف بإسرائيل راح،وا يتفاوضون معها من تحت المائدة عبر وسائط سرية كشفتها إسرائيل وأزاحت ورقة التوت عن سوئتهم، ثم اتصالات بالجانب الأمريكى وعشرات المرات تطلب حماس هدنة طويلة الأمد وحدود مؤقتة ودولة فلسطينية فى غزه، ومازالت تدرس عرض تسليم السلاح مقابل مطار وميناء، ولولا وجود حركات راديكالية أخرى فى غزة تحمل السلاح وترفض التفاوض مع إسرائيل، كانت حماس حسمت موقفها من قضية الوطن والمقاومة، بعد أن تمتعت بلعبة السياسة وذاقت لذة السلطة، وسكنت القصور وجابت شوارع غزة بالسيارات الفارهة والحراس المدججين.

ومنذ ان انفردت حماس بالسلطة بطريقة شرعية عبر صناديق الإنتخابات وهى تستولى على السلطة بالقوة المسلحة وتتهرب من أى استحقاق انتخابى تناور بأى تعهد يضمن وحدة الصف الفلسطينى وتسوق الحجج والأقاويل، حتى لا تتخلى عن السلطة وفى ذات الوقت تجرى اتصالاتها المشبوهة مع كل الأطراف لتوطيد حكمها وهى تؤسس لإمارة إسلامية بعيدة كل البعد عن مبادىء الدين الحنيف، اذ تستنسخ نظم حكم تسلطية أقامتها حركات التحرر الوطني في العالـم الثالث فى مرحلة ما بعد الاستقلال، ومن حيث تدري أو لا تدري وقعت في شرك الديكتاتورية، تحت ذرائع ومسميات مختلفة، ولتأكيد صوابية آرائهم فقد حشدوا الايديولوجية الدينية التي تتمترس خلفها جميع الحركات الإسلامية لتبرير ممارساتها القمعية بحق الـمواطنين أفرادًا وجماعات، ولأن تسلل السياسة إلى مربع الدين يقفل باب السياسة، ويقفل باب الـمعارضة، ويتحول الخلاف إلى خلاف مع الدين، وتزدحم الخطابات الدينية بالسياسة الـمكفرة للخصم السياسي، وتزدحم الخطابات بالدين الذي يشرع إقصاء الخصم والقضاء عليه مادياً وجسديًا.

والأخطر معضلة ما يطلق عليه البعض بالاجندة السرية داخل الحركات الاسلامية، فحماس كغيرها من الحركات الاسلامية مدمغة بلعنة التقية، وبرامجها الـمعلنة لا تعبر بالضرورة عن نواياها الحقيقية، وهذا ينطبق على إعلانها القبول بالتداول السلـمي للسلطة، وبشرعية صناديق الاقتراع، وحماية الحريات العامة، واذ بها تقتل من يعترض من أعضائها مرة من خلال محاكمة واعلان أجهزة حماس توصلهما لأدلة تشير الى الإتصال بالعدو الصهيونى، وعشرات المرات تعلن حماس عن مقتل أعضاء من قادتها فى تبادل لإطلاق الرصاص، أو تعلن عن مقتل مقاومين فى مهمة وطنية، وتكشف الأحداث كذب وادعاء حماس، وممارستها الإرهاب والترويع ضد أعضائها.

الحسم العسكري فى غزة والذى استخدمته حماس فى طرد وقتل عناصر السلطة من القطاع للإنفراد بالحكم، وما تلاه من ممارساتٍ قمعية بحق الـمواطنين والـمؤسسات الحقوقية والصحفية، بما يشير إلى أن العقل الحمساوى تسلطى واستبدادى ولديه الاستعداد الـمسبق لتجاوز القانون وانتهاك حقوق الانسان، وأن موقفها الرافض لاستخدام العنف فى تحقيق برنامجها الداخلي وضبطها للنفس إبان اضطهادها في سنوات تسعينيات القرن الـماضي ما هو الا موقف مرحلي يرتبط بالظروف السياسية والأمنية، ويكشف الواقع الصعب الذى يحياه الفلسطينيون فى غزة، حيث يعانون منذ عقودٍ من ممارسات الاحتلال الاسرائيلى البشعة التي تستهدف الأرض والانسان، بالاضافة الى ما يواجهونه من مشكلات اقتصادية واجتماعية ناتجة عن الاكتظاظ السكاني، والبطالة والانخفاض الحاد في مستوى الخدمات العامة الصحية والاجتماعية، وانهيارٍ تام لفكرة الحقوق والحريات العامة داخل الـمجتمع، والدخول في عصر غابة البنادق، تظهر طبقة مليونيرات الأنفاق فى مجتمع يرضخ تحت سطوة الجوع والتشرد والحصار، وثلاث حروب حولت مدن القطاع الى حطام، وضياع المأوى من الآلاف الذين تحولوا الى سكان مخيمات بعد تهدم بيوتهم، والقيادة العليا فى حماس تتاجر فى قوت الفقراء وفى احتياجاتهم الأساسية، حتى اصبح القائد الحمساوى، كأنه دوق أو أمير من سلالة أصحاب الدم الأزرق يسكن القصور ويجوب الشوارع بالسيارات الفارهة، ويتحدث الى الناس بفوقية منحتها له لصوصيته وضميره الخرب.

وكعادة كل النظم الأصولية تستمرء حماس عدم الإعتراف بالأخطاء ولو لمرة واحده، والباحث فى تصريحات قادة حماس ومتحدثيهم لن يعثر على كلمة إعتذار واحده عن أى موقف أيا كان، لأنهم يرون فى أنفسهم أنهم ملهمون لا يخطئون، وكل خطأ او خطيئة له تبريره أو انكاره حتى أن أى مخطىء من كثرة انكاره يصدق أنه لم يفعلها، فكل أهل غزة وكل أهل فلسطين يعلم أن حركة حماس هى إحدى أزرع الإخوان المسلمين فى مصر، وساهمت فى كل جرائمهم ضد المصريين، إلا الحمساويين أنفسهم مازالوا يعلقون صورة محمد مرسى الرئيس المصرى المعزول فى ميدان غزه فى الشمال، وصوره إلى هذه اللحظة تغطى الجدران وقادتهم يتحدثون عن عدم تدخلهم فى الشأن المصرى وينفون أية علاقة لهم بالإخوان المسلمين فى حين انهم يواظبون على حضور لقاءات التنظيم الدولى للإخوان.

وفى عرض عسكرى لكتائب القسام يخرج المقاتلون فى سيارات دفع رباعى يدا تحمل السلاح وأخرى تشير إلى معبر رفح بعلامة رابعة، ويعودون من عرضهم العسكرى ليعلنوا أنهم يحترمون مصر والقيادة المصرية وخيارات الشعب المصرى ولا يتدخلون فى الشئون الداخلية لأى بلد ولا علاقة لهم بالإخوان المسلمين، بهذه الجرأة على الكذب والتدليس تمارس حماس الفشل السياسى والسقوط الأخلاقى، وتخطط وتدرب وتنفذ جرائم إغتيال سياسى فى خسة ونذالة، ثم يخرج كل قادتها يعلنون تنصلهم من دم الشهيد النائب العام، وهم مصدقون أن مصر تفترى عليهم، وهم مؤمنون ان الإعلام المصرى يشوه صورتهم النقية المحبة للحرية!!

وشاءت أقدار القطاع المنكوب أن تحكمه حماس وتتسلط عليه إسرائيل بحصاره برا وبحرا وجوا ودكه ثلاث مرات بأحدث ما توصلت اليه الإنسانية من أسلحة الفتك والدمار فى سلسة جرائم ضد الإنسانية مارستها إسرائيل على مسمع ومرأى من العالم أجمع ضد المدنيين العزل، كانت أولاها فى نهاية 2009عام بما أسمته فى حينها “الرصاص المصبوب”، وكانت الذريعة لقتل الغزيين الأبرياء عملية خطف شاليط أشهر أسير فى العصر الحديث، وبدأت تناور به حماس كورقة سياسية يمكن الضغط بها على إسرائيل لتحقيق مكاسب فجاءت كنتيجة مباشرة لعملية الخطف، الجولة العسكرية البربرية التى راح ضحيتها الف و500 فلسطينى وتهدم فيها مايقرب من 10 آلاف منزل وتشردت حوالى 40 الف أسرة، وانتهت عملية شاليط بتسليمه مقابل الإفراج عن 1500 سجين فى سجون الإحتلال الصهيونى.

صحيفة الأهرام المصرية

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

فتح ميديا أوروبا