أضواء على الصحافة الاسرائيلية 10 أيار 2016

قبل قضية جولان: الجيش طرح على قادته مناقشة امكانية تدهور المجتمع الاسرائيلي نحو ارتكاب فظائع

تكتب صحيفة “هآرتس” انه قبل عامين من الضجة التي احدثتها تصريحات نائب رئيس الاركان يئير جولان، عشية ذكرى الكارثة، اقترح سلاح التثقيف في الجيش الاسرائيلي على القادة، خلال زيارة الى بولندا، مناقشة احتمال ان يكون المجتمع الاسرائيلي “يتواجد على حافة منحدر حاد، يمكن لنا، في نهايته البعيدة، ارتكاب فظائع أيضاً”. هذا ما يستدل من وثيقة نشرت امس (الاثنين)، على شبكة “تويتر”. وقال الناطق العسكري ان “سلوك القادة من ناحية الأخلاق والقيم كان أحد القضايا المتعددة التي نوقشت خلال الزيارة”.

وجاءت تلك الزيارة في اطار الجولات التي ينظمها الجيش عدة مرات سنويا لرجال الخدمة الدائمة في بولندا تحت عنوان “شهود بالزي العسكري”. وتقوم تلك الوفود بزيارة الكنس والمقابر اليهودية ومعسكرات التركيز والابادة. وتعتبر هذه الزيارة في اطار دورة لقادة الكتائب والفصائل، مسألة الزامية وجزء من عملية التدريب. ومن بين الوثائق التي تهدف الى اعداد الضباط الذين يرافقون الوفود، كانت هذه الوثيقة التي نشرها الصحفي يوسي اليطوف في موقع “تويتر”، وتتضمن عدة افكار مقترحة للنقاش خلال الجولة.

كجزء من المقترحات المخصصة لمحادثات التلخيص اليومي، كتب انه يمكن للضباط التركيز على الجانب القومي، تحت عنوان “المنحدر الحاد”، و”اين نحن منه كمجتمع؟ وهل تتزايد في السنوات الأخيرة اعمال العنف؟ الممارسات العنصرية؟ والى اين يمكن لذلك أن يقودنا؟”. كما جاء في الوثيقة انه “على الرغم من المسافة الضخمة بين ما يحدث اليوم وما حدث في المانيا في سنوات الثلاثينيات، من المناسب احيانا ان نسأل أنفسنا هذه التساؤلات الصعبة. هل نتواجد احيانا في بداية منحدر حاد يمكن لنا في نهايته البعيدة ارتكاب فظائع ايضا؟”

وقد كتبت هذه الأمور في اطار الاعداد لزيارة الوفد قبل عامين، ما يعني ان تصريحات نائب رئيس الأركان، يئير جولان، التي تدعو الى اجراء حساب قومي مع النفس، بالذات عشية ذكرى الكارثة، تردد صداها من قبل في صفوف الجيش.

وقال احد المشاركين في عدة زيارات كهذه الى بولندا، ان قضية التساؤلات حول الأخلاق والمجتمع الاسرائيلي تطرح خلال كثير من جولات الضباط في بولندا. وعلى سبيل المثال، يطرح في مكان آخر في الوثيقة، اجراء نقاش حول مسألة ما الذي يمكن عمله من اجل الامتناع عن التدهور نحو ذلك المنحدر. وكتب هناك: “علينا الطموح الى تنمية ثقافة ديموقراطية، الى جانب الطريقة الديموقراطية – فالإنسان هو انسان مهما كان، وكلنا خلقنا على صورة الانسان؛ يجب الحفاظ على حريات الفرد، على الانسانية. هناك خط أحمر يمنع علينا، كمجتمع، اجتيازه”.

وقال الناطق العسكري الاسرائيلي، معقبا، ان “الانشغال في غرس ذكرى الكارثة يشكل مركبا هاما في التثقيف على القيم التي يغرسها الجيش في نفوس جنوده وضباطه. جولة “شهود بالزي العسكري” هي احدى البرامج التثقيفية المميزة في هذا المجال والمخصصة للضباط، وتنطوي على هدفين رئيسيين متشابكين – غرس ذكرى الكارثة، وتعزيز التدريب على القيم في صفوف ضباط الجيش. كجزء من اعداد الضباط الكبار الذين يقودون الطواقم خلال الجولة، يتم توفير مواد مساعدة، لإجراء حوار حول مضمونها، علما انه لا تجري أي مقارنة بين فترة الكارثة وسيرتنا اليوم. الحوار المفتوح بين الضباط هو شرط اساسي للجيش المفكر. سلوك القادة من ناحية الأخلاق والقيم هو احد المواضيع العديدة التي تناقش خلال الزيارة”.

امر يمنع مناقشة مسودة تقرير المراقب حول الجرف الصامد في الكنيست

كتبت صحيفة “هآرتس” ان المستشار القانوني للكنيست، أمر امس، بعدم مناقشة مسودة تقرير مراقب الدولة حول “الجرف الصامد” في الكنيست. فعلى الرغم من قيام كتلة “ميرتس” بتجنيد 25 توقيعا لإجراء النقاش خلال عطلة الكنيست، الا ان المستشار القانوني، المحامي ايال يانون، يعارض ذلك لأن تسريب الوثيقة يعتبر مخالفة قانونية، ولا يمكن مناقشتها في الكنيست.

وكتب يانون لرئيس الكنيست، يولي ادلشتاين، ان “اجراء نقاش حول تقرير مراقب الدولة، في الهيئة العامة او في احدى لجان الكنيست، سواء خلال العطلة او غير العطلة، مسألة غير ممكنة. فإجراء نقاش في الكنيست حول وثيقة تم تسريبها خلافا للقانون يشبه تعاون الكنيست مع هذا العمل الخطير. كما ان مناقشة وثيقة ليست مطروحة امام النواب، يمس بحق الجهات الخاضعة للرقابة في التقرير، بإجراءات عادلة ومناسبة امام مراقب الدولة، بل يمس بحقهم في الرد كما يجب على النقاش في الكنيست”.

وقال يانون ان “النقاش في الهيئة العامة وفي لجان الكنيست لا يشبه النقاش الجاري في وسائل الاعلام حتى لو كان اعضاء الكنيست شركاء فيه. النقاش في الكنيست ينطوي على مكانة رسمية ومن الواضح ان الكنيست لا تستطيع، من جهة، تحديد المبادئ الخاصة بنشر تقارير مراقب الدولة، ومناقشتها، ومن جهة اخرى المساعدة على خرقها”.

وكتب يانون وجهة نظره هذه في اعقاب توجه النائب دافيد بيطان (ليكود) الذي ادعى ان المقصود “محاولة من قبل المعارضة لاستخراج اجزاء حقائق من التقرير غير القائم بعد، ومحاولة تحقيق مكاسب سياسية. ويمكن اجراء هذا النقاش فقط بعد استكمال التقرير وتقديمه الى رئيس الكنيست”.

وطلب المبادر الى اجراء النقاش، النائب ايلان غلؤون (ميرتس) من رئيس الكنيست اجراء النقاش مباشرة بعد يوم الاستقلال. وقال: “ويل للكنيست التي لا تسمح للمعارضة بقول رأيها في ضوء اخفاقات الحكومة. لا شك ان تهجم نتنياهو ورجاله على مسودة التقرير التي تم تسريبها يهدف الى فرض الرعب على المراقب بهدف تخفيف حدة التقرير النهائي. ولذلك فان النقاش الجدي وبأسرع ما يمكن سيسمح بطرح تساؤلات ثاقبة وبحوار شعبي موضوعي”.

كما سمح يانون لادلشتاين برفض اجراء نقاش آخر طلبته المعارضة في مسألة التصعيد الأخير في الجنوب، وحدد انه بسبب كثرة الاحداث الرسمية المرافقة ليوم ذكرى الجنود والاستقلال، يملك ادلشتاين حق تأجيل النقاش حتى افتتاح دورة الكنيست الصيفية، بعد اسبوعين.

بدء محاكمة الجندي قاتل الفلسطيني عبد الفتاح الشريف

تكتب “يديعوت احرونوت” انه بدأت في المحكمة العسكرية في يافا، امس، محاكمة الجندي اليؤور أزاريا، المتهم بقتل المخرب الفلسطيني الجريح في الخليل، قبل شهر ونصف. وقرأت هيئة القضاة على مسمع ازاريا لائحة الاتهام التي قدمتها النيابة العسكرية، والتي تنسب اليه القتل غير المتعمد. وحسب لائحة الاتهام، فقد اطلق ازاريا النار على المخرب عبد الفتاح الشريف، خلافا لأنظمة اطلاق النيران وبدون مبرر عسكري، حين كان المخرب ينام على الأرض اثر اصابته، ولا يشكل أي تهديد فوري وملموس. كما يتهم أزاريا بالسلوك غير الملائم.

وكتبت “هآرتس” في هذا الصدد ان رئيسة المحكمة العسكرية ورئيسة هيئة القضاة، العقيد مايا هيلر، اقترحت على الاطراف اجراء اتصالات لمناقشة امكانية التوصل الى صفقة ادعاء. وقال محامي الجندي، ايلان كاتس، انه لا يعارض الاقتراح. لكن النيابة العسكرية، وان قالت انها ستدرس امكانية التوصل الى تسوية، قد ترفض هذا الاقتراح. وقال المدعي المحامي نداف فايسمان انه “عندما تقترح المحكمة فإننا ندرس الاقتراح، رغم وجود فجوات كبيرة بين الجانبين”.

وقال فايسمان لوسائل الاعلام في نهاية النقاش، ان “هذه المحاكمة تتعلق بمسألة استثنائية في خطورتها بالنسبة لنا. الحديث عن اطلاق النار بدون أي مبرر عسكري، على مخرب تم احباطه، وخلافا لكل نظم فتح النيران. هذه حالة قام المتهم خلالها بتغيير رواياته، وبالنسبة لنا لا يعتبر صادقا والأدلة تثبت ذلك.” ولذلك، اضاف: “قمنا بتقديم لائحة الاتهام، ونسعى الى فحص الموضوع بشكل مهني وموثوق امام المحكمة”.

وهاجم المحامي كاتس النيابة العسكرية وقال انها ليست مستقلة في ادارة الاجراء، وانما تتلقى الاوامر من قيادات عليا. فبشكل عام تقترح المحكمة التوجه نحو التسوية، والاطراف تستجيب ولو من باب الأدب. لكنه في هذه الحالة قالت النيابة انها تريد التشاور، وهذا يعني ابحث عني. حقيقة طرح الموضوع بعد سماع المحكمة لادعاءاتنا، تدل على ان المحكمة، ايضا، تعتقد ان النيابة تواجه مشكلة مع لائحة الاتهام. ما قرأته بين السطور، وقلت هذا للبروتوكول – اننا نجد هنا بصمات فظة لأعلى القيادات وتدخل في الاجراء القانوني”.

اعتقال يهوديين بشبهة مهاجمة سائق عربي في القدس

ذكرت “هآرتس” ان الشرطة، اعتقلت امس الاول، شابين من سكان القدس الغربية، رؤوبين يوسيف هوربيتش (20 عاما) وقاصر، بشبهة مهاجمة سائق باص عربي على خلفية قومية. وقررت محكمة الصلح في المدينة تمديد اعتقال الشابين حتى يوم الاربعاء. واتضح خلال مناقشة طلب تمديد الاعتقال بأن المشبوهين صعدا في اول ايار الى حافلة الركاب، قرابة منتصف الليل، وتوجه احدهما الى السائق وسألة ان كان عربيا، وحين رد بانه عربي من القدس، بصق المشبوه على وجهه، ومن ثم قام مع رفيقه بمهاجمة السائق بالحجارة. وكتب القاضي في قراره ان الحديث عن حادث بشع على خلفية عنصرية، ويجب عدم التسامح معه.

يشار الى ان مهاجمة السائقين العرب على خلفية عنصرية يعتبر ظاهرة متزايدة، خاصة في القدس. وفي نوفمبر 2014، نشرت “هآرتس” بأن عشرات سائقي الباصات العرب الذين يعملون في شركة “ايغد” قرروا الاستقالة من عملهم تخوفا من تعرضهم للاعتداءات العنصرية.

عشية “الاستقلال”: نشر احصائيات حول عدد سكان اسرائيل

تكتب “يديعوت ارحونوت” ان المعطيات التي نشرتها دائرة الاحصاء المركزية عشية الذكرى الثامنة والستين لاستقلال اسرائيل تشير الى ان عدد سكان البلاد يصل اليوم الى 8.522 مليون نسمة (يشمل القدس الشرقية وهضبة الجولان المحتلتين – المترجم). وحسب المعطيات فان عدد اليهود يبلغ 6.377 مليون نسمة، يشكلون نسبة 74.8%، بينما يبلغ عدد العرب 1.771 مليون نسمة، يشكلون نسبة 20.8%. وازداد عدد سكان اسرائيل خلال السنة الاخيرة قرابة 182 الف نسمة، حوالي 2.2%. وتعتبر هذه الزيادة من اعلى النسب في الدول الغربية.

كما يستدل من المعطيات ان عدد الوفيات في اسرائيل خلال العام الماضي بلغ 47 الف نسمة، وعدد الولادات الجديدة حوالي 195 الف مولود. وهاجر الى اسرائيل خلال هذه الفترة حوالي 36 الف نسمة.

وتشير الاحصائيات الى ان عدد اليهود في العالم كله يبلغ اليوم 14.3 مليون نسمة، من بينهم 43% يعيشون في اسرائيل، علما ان عدد اليهود في العالم بلغ عشية اقامة اسرائيل 11.5 مليون نسمة، من بينهم6% فقط في اسرائيل.

ريغف تبادر الى قانون يلزم رفع علم إسرائيل في كل المؤسسات المدعومة من الدولة

كتبت “يديعوت احرونوت” ان وزيرة الثقافة والرياضة ميري ريغف تسعى الى سن قانون يلزم كل المؤسسات التي بنيت بتمويل من الدولة برفع علم اسرائيل، ويشمل ذلك الملاعب والقاعات والمسارح التي بنيت بتمويل مباشر من الدولة او بواسطة مجلسي التكهنان “توتو” و”بايس”.

وقالت ريغف ان “يوم الاستقلال الثامن والستين وذكرى شهداء معارك اسرائيل يحتم علينا الحفاظ على قيم الدولة ورموزها. ليس من المعقول ان رفع العلم في المؤسسات الثقافية والملاعب الرياضية يخضع لرأي شخص كهذا او ذاك”.

ويمكن لاقتراح ريغف ان يثير عاصفة خاصة في الوسط العربي. لكن رئيس بلدية سخنين مازن غنايم قال معقبا: “انا افاخر بهويتي كمواطن في إسرائيل. نحن سنحترم القانون ولن نكون فوقه. خلال مباراة كرة القدم الأخيرة في ملعب الدوحة في سخنين، رفعوا اعلام الدولة، بل استضفناهم بالبقلاوة. ميري ريغف تريد تعزيز قوتها في الانتخابات الداخلية القريبة لحزبها على حساب سخنين والمجتمع العربي، من المناسب ان تهتم بأمور اكثر اهمية كالإسكان والصحة والفقر والعنف والاتجار بالمخدرات. فلتنزل عن هذه الشجرة العالية”. كما قال رئيس بلدية الناصرة علي سلام انه “اذا لم يتم سن قانون فلا حاجة، واذا تم سن قانون برفع العلم في كل مؤسسة فسأفعل”.

من جهته قال رئيس لجنة المتابعة العليا، محمد بركة: “ميري ريغف ليست وزيرة للثقافة، بل وزيرة للثقافة المتدنية. انها تنشغل في كل امر الا بالثقافة”.

الشرطة ستحقق في الشبهات ضد نداف

كتبت “يسرائيل هيوم” ان الشرطة الاسرائيلية اعلنت بأنها ستفحص الادعاءات التي وردت في التقرير الذي نشرته القناة الثانية في التلفزيون الاسرائيلي، ضد الكاهن جبرئيل نداف، رئيس منتدى تجنيد الشبان المسيحيين، والذي يثور الاشتباه بأنه اطلق تعابير ومقترحات جنسية ازاء شبان توجهوا اليه لمساعدتهم على الانخراط في الجيش الإسرائيلي، كما انه طلب رشوة مقابل المساعدة على دخول فلسطينيين الى اسرائيل. ويحظى نداف، الذي اختير لإيقاد احدى مشاعل يوم الاستقلال الاسرائيلي بدعم من وزيرة الثقافة الاسرائيلية ميري ريغف.

وادعى تقرير القناة الثانية ان نداف حصل على رشاوى مالية وجنسية وغيرها من شبان استعانوا به خلال تجنيدهم للجيش، وفلسطينيين طلبوا منه مساعدتهم للحصول على تصاريح لدخول اسرائيل او السفر الى الخارج.

وقالت الشرطة في بيان نشرته امس، ان “بعض الادعاءات التي وردت في التقرير طرحت امام الشرطة، وسيتم فحصها مع مضمون المنشورات كلها، من قبل الجهات المهنية في قسم التحقيقات والاستخبارات”.

وشارك نداف، امس، في حفل الاستقبال الذي اقامه رئيس الكنيست لموقدي مشاعل الاستقلال، مساء غد الاربعاء، وقال ان “هناك جهات تحاول حياكة فرية شريرة ضدي وضد زوجتي وولدي المجندين.” وحسب اقواله فان مصدر التنكيل به هو نشاطه من اجل تجنيد الشبان المسيحيين للجيش، وان الحقيقة الوحيدة هي انه لم يمس بشخص ولم يستغل مكانته لتلقي رشوة من احد.

الى ذلك اوضح المستشار القانوني للحكومة للوزيرة ريغف انه لا مانع من مشاركة نداف في ايقاد مشاعل استقلال إسرائيل.

مقالات

كتاب المدنيات: اليهود في المركز، العرب والعلمانيين على الهامش.

يتناول اور كاشتي، في استعراض ينشره في “هآرتس” لكتاب المدنيات الجديد، سيطرة اليمين المتطرف على اعادة صياغة الكتاب بروح افكاره، ويكتب انه من المغري الاشارة منذ الآن الى التشويهات والهفوات والأخطاء التي تظهر في الكتاب الجديد لتدريس المدنيات، ولكن مثل هذه القائمة، مهما كانت اهميتها حتمية، لا يمكنها اخفاء الغابة: الصيغة التي اعيد كتابتها لكتاب “ان نكون مواطنين في اسرائيل” تشكل تعبيرا وثيقا لوجهات نظر اليمين السياسي والصهيونية الدينية بشكل خاص، في مسألة كيف يجب ان يكون شكل اسرائيل. من هذه الناحية فإن غدعون ساعر، الذي بدأ عملية اعادة كتابة الكتاب، ونفتالي بينت، الذي انهى كتابته، شريكان في الموقف الأساسي من اخضاع الجهاز التعليمي الرسمي الى اجندة حزبية. الطالب الاعتيادي سيجد صعوبة في مواجهة الواقع المعقد من حوله، بمساعدة هذا الكتاب. وليس من المؤكد تماما ان هذا هو الهدف.

لقد اضيفت خلال الأشهر الأخيرة عدة تغييرات وتعديلات الى الكتاب، ومنها الكثير في اعقاب النقاش العام الذي اثير حول الموضوع في “هآرتس” وفي وسائل اعلام اخرى. هكذا مثلا، تم تغيير قصيدة يهودا هليفي “قلبي في الشرق” التي كان يفترض ان تفتتح الكتاب الى جانب اعلان الاستقلال. لكن هذه التعديلات، والمسائل المفتوحة – ظاهرا، والممتدة على 509 صفحات، لا تثير القصة الكبيرة التي تظهر في كل صفحة تقريبا.

وهذا هو جوهر الرواية المعروفة: حق اليهود على أرض اسرائيل، هو حق مطلق، بينما القومية الفلسطينية، على الأقل في بدايتها، ليست أصيلة؛ غالبية اللاجئين هربوا في 1948 “خوفا على حياتهم او استجابة لدعوة القيادة المحلية او قادة الدول العربية المجاورة”؛ دولة القومية اليهودية هي النموذج المطلوب؛ الاقلية العربية تتمتع بمكانة محدودة في المجال العام؛ الخيار العلماني (43% من الجمهور اليهودي، حسب ما يقتبسه الكتاب) يحظى باهتمام قصير وضئيل، خاصة حين يقارن بالتفصيل حول التيار الديني (9%) والثناء على الصهيونية الدينية (11%)؛ الجمهور العربي مقسم الى مجموعات ثانوية، تختبر من ضمن امور اخرى، حسب نظرتها الى الخدمة العسكرية او الخدمة القومية. “الدروز الصهاينة” و”الهوية الأرامية” يحظيان بالإبراز. وهناك مسألة أخرى: الانقلاب القانوني الذي قاده رئيس المحكمة العليا الأسبق، البروفيسور أهرون براك، تمت الاشارة اليه شبه خلسة.

لقد بادر الى اعادة كتابة الكتاب، قبل ست سنوات، د. تسفي تسميرت، الذي كان رئيسا للسكرتارية التربوية خلال فترة وزير التعليم غدعون ساعر. وكان تسميرت، المحبوب من قبل اوساط “المباي” التاريخية، ومعهد الاستراتيجية الصهيونية و”ام ترتسو”، من اوائل الذين ادعوا بأنه يجب تفكيك الأقلية العربية الى مجموعات مختلفة. وخلال نقاشات جرت في وزارة التعليم، كان يقول بشكل دائم، بأن الكتاب في صورته القديمة، “ينشغل بشكل زائد بانتقاد الدولة” و”يخلق الشعور لدى الطلاب بأن كل شيء سيء”. ويمكن لتسميرت ومكملي دربه في وارة التعليم الهدوء: فالكتاب الجديد يغرق الواقع الإسرائيلي بحلوى القطن. كل شيء هنا عسل.

وها هي ثلاث امثلة صغيرة: احداث وادي الصليب في سنوات الخمسينيات، وتظاهرات “الفهود السود” في السبعينيات، تطرح كمثال على العنف على خلفية “الشعور بالتمييز الطائفي”، والنقاش حول الشرخ الطائفي يكاد لا يظهر (ما الذي ستقوله عن ذلك لجنة ايرز بيطون لدفع التعليم عن يهود الشرق واسبانيا، والتي يفاخر بينت بتشكيلها؟)، ويتم الاشارة الى سياسة التمييز الايجابي للعرب في سلك خدمات الدولة، لكنه تم شطب حقيقة ان الدولة لا تنفذ منذ سنوات الهدف الذي حددته لنفسها. اضف الى ذلك انه على الرغم من نشر جدول يفصل الاستثمار المختلف في اجهزة التعليم اليهودية والعربية، الا انه غاب دور وزارة التعليم في التمييز المالي ضد الطلاب العرب وتفضيل التيار الرسمي – الديني.

احد الفصول الأخيرة في الكتاب يتطرق الى “تحديات الحياة المشتركة في المجتمع الاسرائيلي”، والقسم الاكبر منه يكرس لـ”الشرخ القومي” بين اليهود والعرب. بداية هذا الشرخ تعود الى نهاية القرن التاسع عشر، واستمراريته تكمن في مشكلة اللاجئين (التي يتم تحميل المسؤولية عنها فقط للقيادة العربية والدول العربية، وفي المقابل “استيعاب إسرائيل لحوالي مليون يهودي من الدول العربية خلال سنواتها الأولى”)، ثم “احداث اكتوبر” في عام 2000، التي تتحول في احدى الجمل في الكتاب، دون انتباه، الى “اضطرابات اكتوبر”- ونهايته، المؤقتة، في “سلسلة العمليات الارهابية” في 2015. وهكذا تتواصل سلسلة الأحداث والاضطرابات، من جيل الى جيل. لا توجد هنا رؤيا “للحياة المشتركة”، والمساواة ايضا ليست ضمن الأمور الممكنة. اضف الى ذلك ان صفحة واحدة فقط في كل الكتاب، تتحدث عن غياب التسامح وتفشي العنصرية في المجتمع الاسرائيلي، وتم التطرق الى ذلك بشكل جزئي فقط. هذا التطرق المحدود يثبت بأن المشكلة اكبر من مواجهتها.

ليس صدفة ان مستشارا اكاديميا واحدا، د. ابيعاد باكشي، رافق عملية كتابة الكتاب، وانه لم يشارك أي ممثل عربي في كتابته، وان قائمة المقيمين للكتاب (التي تشمل العرب حسب ادعاء الوزارة) بقيت خفية، وان العمل كله تم في ظل غيمة كثيفة واحيانا سامة من السرية. هذه مجرد تعابير ملموسة لموقف مبدئي، لا يشجع على التساؤل، او استدعاء التفكير او اقتراح عدة وجهات نظر حول الواقع. كتاب المدنيات الجديد هو فشل تربوي.

مسودة تقرير المراقب: اسرائيل لم تفحص طرق للامتناع عن المواجهة في غزة

يكتب عاموس هرئيل، في “هآرتس” ان التعمق في قراءة الصفحات الـ64 لمسودة تقرير مراقب الدولة حول الحرب الأخيرة في غزة، تكشف صورة كئيبة. القيادة السياسية، بطبيعة الحال، منشغلة في مسألة من سيتضرر من اعضاء القيادة السياسية – الامنية جراء هذا التقرير، وكيف يمكن للنتائج ان تؤثر على مستقبله. ولكن من يهتم، ايضا، بإجراءات اتخاذ القرارات، والأهم من ذلك، بجودة القرارات نفسها – سيشعر بالقلق بعد اطلاعه على التقرير. المسألة لا تكمن فقط في كون التقرير يشير الى ضعف بنيوي في طريقة بلورة السياسة الاسرائيلية بشكل عام، وفي غزة بشكل خاص، بل يبدو احيانا انها تتنبأ تماما بشكل دخول اسرائيل الى جولة اخرى من الحرب مع حماس. وكما يستدل من تبادل اللكمات في القطاع خلال الاسبوع الماضي، فان هذه النتيجة ليست مستحيلة بالذات.

المراقب يوسيف شبيرا، ورئيس الدائرة الأمنية في مكتبه، العميد (احتياط) يوسي باينهورن، يستغلان اطلاعهم على تلخيص النقاشات التي جرت في مكتب رئيس الوزراء، والمجلس الوزاري المصغر، وقوات الأمن، من اجل تقطيع أوصال سلوك إسرائيل تجاه حكومة حماس في القطاع. ويستدل من مسودة التقرير ان القيادة الإسرائيلية لم تناقش بجدية إمكانية تقديم تسهيلات اقتصادية لغزة، من شأنها تأخير اندلاع الحرب، وان إسرائيل لم تطرح ابدا استراتيجية وأهداف بالنسبة لقطاع غزة؛ وان رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير الأمن موشيه يعلون، ورئيس الاركان بيني غانتس، اقصوا مجلس الوزراء المصغر عن المعلومات ذات الصلة، وحولوه الى جسم لا قيمة له، يتلمس طريقه في الظلام. كما يشير التقرير الى ان المعلومات الاستخباراتية حول حركة حماس ونواياها كانت غير كاملة ومتناقضة، وان مجلس الأمن القومي – من المشكوك فيه ما إذا كانت لا تزال هناك مفاجأة – لا ينجح بترسيخ مكانة موازية للجيش، تتمتع بالهيمنة المطلقة على المعلومات والتخطيط وصياغة البدائل.

الكثير من هذه الاستنتاجات لن تسقط عن الكرسي كل من قرأ بعد الحرب، التحقيقات التي نشرتها “هآرتس” حول اداء الأذرع الأمنية لمهامها، والاستعدادات لمعالجة الانفاق الهجومية، او اللقاء الذي نشرته “هآرتس” في نيسان 2015 مع النائب عوفر شيلح، عضو لجنة الخارجية والأمن. لكن ميزة مراقب الدولة تكمن في وصوله غير المحدود الى الوثائق السرية وامكانية اجراء لقاءات شاملة مع كل الأطراف ذات الصلة. مسودة التقرير المتعلقة بالمجلس الوزاري المصغر، والتي تم توزيعها على الجهات ذات الصلة في الاسبوع الماضي، تشكل النبضة الثانية فقط من بين اربع نبضات تتعلق بالحرب.

النبضة السابقة جاءت في مسودة التقرير التي نشرت في كانون الثاني الماضي، والتي ركزت على الأنفاق. ويواصل مكتب المراقب العمل على صياغة الاجزاء المتعلقة بمعالجة الجبهة الداخلية والقانون الدولي. على كل حال، يتوقع حدوث صراع صعب حول الصيغة النهائية للتقرير المتعلق بالمجلس الوزاري المصغر. تقرير المراقبة بات يواجه رفضا شديدا من قبل الوزير يعلون وقادة الجيش الذين سيعرضون وثائق اخرى وتفسيرات بديلة من اجل مناقضة موقف المراقب.

المسودة الحالية للتقرير تتنقل طوال الوقت بين خطوتين تتطوران كخطين متوازيين لا يلتقيان أبدا. من جهة، هناك الثلاثي نتنياهو – يعلون وغانتس، ومعهم الجهات الامنية ذات الصلة. هؤلاء يفهمون الوضع على حالته، بهذا الشكل او ذاك، في مرحلة مبكرة نسبيا، قبل الحرب. فخطر الانفاق وحجمها معروفين، وتم التحذير (من قبل الشاباك) في نيسان 2014 من امكانية محاولة حماس تنفيذ عملية استراتيجية عبر احد الانفاق قرابة شهر تموز، وتم القيام بإجراءات، كانت جزئية، من اجل الاستعداد للمواجهة.

في المستوى الثاني يتواجد المجلس الوزاري المصغر، الذي لا يعرف شيئا. اعضاء المنتدى الامني الرسمي الرفيع، تم اقصاؤهم، في ما يبدو انه خطوة متعمدة من قبل رئيس الحكومة. انهم يسمعون عن خطر الأنفاق، خلال نقاش خاص اجري في آذار 2014 فقط، قبل اربعة أشهر من بداية العملية العسكرية. انهم لا يعرفون عن قوة قرع القنبلة الغزية الموقوتة، او عن التأثير المحتمل في غزة للعمليات العسكرية ضد حماس في الضفة، بعد اختطاف الشبان اليهود الثلاثة في غوش عتصيون (عملية “عودوا يا اخوتنا”)، ويتم اطلاعهم على قيام الجيش بالتفتيش عن نفق لحماس في منطقة كرم ابو سالم، فقط قبل عدة ايام من وقوع الصدام مع حماس والذي قاد الى الحرب في غزة. وباستثناء تجاوزات معدودة، لا يخرج الوزراء عن اطوارهم من اجل تلقي المعلومات والتدخل في القرارات، رغم انه يكثرون من التذمر بشأن ذلك فيما بعد، على مسمع مراقب الدولة.

وبما ان المجلس الوزاري ليس مطلعا على التفاصيل، ولا يعرف الوزراء عن ابعاد وقف التدريبات في الجيش، كجزء من الصراع على الميزانية، قبل فترة وجيزة من اندلاع الحرب (وهي مسألة لم يتطرق اليها المراقب)، ومن ثم يطلعون بشكل متأخر، على الوضع الخطير للمخزون العسكري، نتيجة الاستخدام غير المراقب للسلاح في غزة. وقد اعترف الوزير غلعاد أردان امام المراقب، بأن اعضاء المجلس الوزاري لم يملكوا ما يكفي من المعلومات، ولم يكن هناك وقت لتعقب ودراسة المعلومات التي حصلوا عليها، ولم يتمكنوا من الوصول الى الجهات المهنية كي تساعد في تحليل الوضع.

على مدار قسم كبير من نقاشات المجلس الوزاري، وحتى الحرب، يقلل وزير الامن ورئيس الاركان، ورئيس قسم الاستخبارات في القيادة العامة، الجنرال افيف كوخابي، من تقييم الخطر المحتمل اندلاعه. المجلس الوزاري الذي لا يعرف بالفجوات الكامنة في فهم الاستخبارات لخطوات حماس ومنظومة اتخاذ القرارات، ينسب الى هذه التقييمات مستوى عال من المصداقية. وعندما يسأل الوزراء عن المخططات العسكرية لمعالجة الأنفاق – التي اتضح لاحقا بأنها ناقصة وشائبة – يتم صدهم بواسطة التهرب والتأجيل. في افاداتهم امام المراقب، يدعي كبار المسؤولين في الجهاز الامني بأنه تم عرض المعلومات امام المجلس الوزاري في الوقت المناسب، لكن المراقب، في اقل تقدير، يشكك بمصداقية ادعاءاتهم، وهو يصف عدم تحويل المعلومات الاستخبارية بشكل خاص، بأنه فجوة صعبة ومثيرة للقلق.

ولكن، وبشكل لا يتم تفسيره، يخرج المراقب عن أطواره، من اجل الدفاع عن نتنياهو في مسألة اقصاء المجلس الوزاري عن المعلومات والقرارات. ومن يتعرض للانتقاد في هذه المسألة هم وزير الامن ورئيس الأركان، ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، وحتى رئيس شعبة الأبحاث في الاستخبارات العسكرية، العميد ايتي بارون. اما رئيس الحكومة، الشخص الاكثر مؤثرا على جدول اعمال المجلس الوزاري، حتى بواسطة مجلس الامن القومي، فلا يتم تحميله المسؤولية. ولذلك من المفاجئ تهجم ديوان نتنياهو على شبيرا فور نشر مسودة التقرير في “هآرتس” في الأسبوع الماضي.

ويستدل من التقرير، ايضا، ان المسؤولين الثلاثة، نتنياهو، يعلون وغانتس، والمجلس الوزاري لم يناقشوا بتعمق ايجاد مخرج يمنع المواجهة. قبل الحرب عانت حماس من ازمة الرواتب مع السلطة، وتم صدها من قبل مصر التي اغلقت معبر رفح وبدأت بتدمير الانفاق. موافقة اسرائيل على تحويل الاموال لموظفي حماس (إسرائيل عرقلت عمليا تحويل اموال من قطر)، او توسيع استيراد البضائع الى القطاع عبر معبر كرم ابو سالم (وهو ما تم عمليا بعد الحرب)، كان يمكنه ان يؤجل الحرب. ومن المؤكد ان هذه النقطة خاضعة للتفكير الان، امام ما يمكن ان يعتبر اعادة بث، في حال قررت حماس فتح معركة اضافية امام الوضع الاقتصادي الذي يزداد تدهورا في القطاع.

في الجهاز الأمني يعارضون بشدة ادعاءات المراقب. ويدعون ان التقرير يعاني من عدم فهم وظيفة المجلس الوزاري ويحاول تحميلهم المسؤولية عن صلاحيات ادارة الحرب، والتي يجب ان تخضع عمليا لرئيس الحكومة، ووزير الامن ووزير الخارجية، بمرافقة قادة الاذرع الامنية (الضلوع المقلص لوزير الخارجية ليبرمان اخرجه عمليا من دائرة اتخاذ القرارات). ويوم امس ادعى مصدر امني في حديث مع “هآرتس”، “اننا لو تركنا الأمر للمجلس الوزاري لما نجحنا بإنهاء الحرب”.

وحسب انطباع هذا المصدر الامني فقد اختار المراقب اعادة تمثيل الحرب “الى الوراء، عبر قشة، والتركيز على الانفاق فقط. انه يصف التطورات كمجموعة من اللقطات المصورة، لكن الحياة ليست لقطات مصورة، وانما شريط فيديو طويل. لم يكن في مقدرونا توقع التطورات كلها، لكننا عرفنا ما هي رغباتنا وحققناها: وقف اطلاق النار حسب شروطنا، دون منح أي انجاز لحماس، ولكن ايضا من دون احتلال القطاع كله وتدمير سلطتها”. في الجهاز الأمني يتهمون، ايضا، اعضاء المجلس الوزاري بعدم الرغبة في التعمق بالمواد. ليس هذا هو ما حدث في ايام اعضاء المجلس الوزاري المصغر، من امثال دان مريدور وبيني بيغن. وبالفعل يتضمن التقرير افادة لرئيس شعبة التخطيط السابق في القيادة العامة، نمرود شيفر، حول الدورة التي نظمها لأعضاء المجلس الوزاري الجدد، والذين لم يصل منهم أي احد للمشاركة فيها.

لكن، حسب المراقب، لا تنتهي المشاكل في قطاع المجلس الوزاري. ويستدل من مسودة التقرير انه لم يتقرر في أي منتدى، ما الذي تريد اسرائيل تحقيقه في غزة، ولم يتم تحديد جوهر استراتيجي او اهداف. غالبية النقاشات جرت على المستوى التكتيكي، وكذلك الحرب. الانطباع هو ان القيادة تريد تجاوز هذه الحكاية، بأقل ما يمكن من الخسائر والضرر السياسي. بعد قرابة عامين تطرح مسودة تقرير المراقب تساؤلات حول سلوك نتنياهو في الحرب، ويمكن لها ان تسبب له الضرر السياسي لاحقا.

غزة – مزيج سام

يكتب موشيه ارنس، في “هآرتس” انه في غزة، الواقعة على اعتاب اسرائيل، على مسافة تسمح بإطلاق القذائف على بلداتها والصواريخ على مطارها القومي – يعيش مليونا فلسطيني، يتركزون في منطقة قد تكون الاكثر اكتظاظا في العالم، يعيشون ببؤس، والكثير منهم يسكنون في اكواخ بائسة، يشربون مياه ملوثة، يحصلون على تزويد محدود للكهرباء، ويحافظون على البقاء بفضل المواد الغذائية التي توفرها لهم الأونروا. ان الحديث هو عن قنبلة مؤقتة.

يخضع قطاع غزة لسيطرة حماس، التنظيم الارهابي الاسلامي المتطرف، الذي يلتزم بأيديولوجية تدمير دولة اسرائيل. واذا كانت حماس تقوم احيانا، بكبح الهجمات ضد اسرائيل بسبب الشعور بالمسؤولية عن سكان القطاع – الا انه ينشط هناك تنظيم ارهاب آخر هو الجهاد الاسلامي- والامر الوحيد الذي يكبحه هو التخوف من رد حماس على نشاطه.

تعطيل هذه القنبلة الموقوتة، التي تبصق في بعض الأحيان النار وتنفجر كل بضع سنوات، تضع إسرائيل في مأزق. ظاهريا، ينبغي لها أن تساعد على تحسين الظروف المعيشية للسكان المتضررين، والسماح ببناء الميناء والسماح بالخروج والدخول الحر من والى غزة. ولكن طالما كانت حماس تسيطر على المنطقة، فان مثل هذه الخطوات ستعززها – ومن الواضح انها ستعزز أيضا حركة الجهاد الإسلامي – وستزيد من احتمال وقوع جولة أخرى من القتال. ليس هناك شك في أن هذا ليس الهدف المنشود لإسرائيل وليس لجميع أولئك الذين يخشون من تهديد حماس لهم.

الاحتمال الآخر هو تدمير البنية التحتية العسكرية لحماس – مستودع الصواريخ، قدرتها على إنتاج الصواريخ والأنفاق ومراكز القيادة – والقضاء على قيادتها. الجيش الإسرائيلي قادر على عمل كل ذلك. ويمكن بعدها لإسرائيل ان تساعد على تحسين الظروف المعيشية لسكان غزة دون خوف من تعزيز حماس. ولكن الذي سيسيطر على قطاع غزة بعد حماس سيفقد سيطرته عليها؟ لقد كانت هذه هي المعضلة التي واجهت إسرائيل في عملية “الجرف الصامد”. الاستنتاج كان في حينه، بأن حماس هي أفضل من جميع البدائل الأخرى – والنتيجة هي الوضع الحالي.

كيف يمكن قطع العقدة المستعصية بين بؤس السكان الفلسطينيين في غزة وحكومة حماس هناك؟ من الضروري عمل ذلك، من أجل إعادة الأمن إلى البلدات الجنوبية. ليس هناك شك في أنه يجب وضع حد لحكم حماس. ولكن ما هي السيناريوهات فيما يتعلق بالبدائل لحكومة حماس، وما هو موقف مصر حول هذا الموضوع؟ هذه هي الأسئلة التي يجب تحديد الأجوبة عليها قبل اندلاع جولة جديدة من القتال في غزة.

الخوف الدائم من الغرق في الوحل الغزي – ذلك الكابوس الذي قاد الى الخطأ الفادح الكامن في اقتلاع مستوطنات غوش قطيف، والتخلي عن بلدات شمال غزة وتعريض بلدات جنوب إسرائيل للقذائف – لا يمكن أن يشكل الأساس الوحيد الذي يوجه التفكير حول هذا الموضوع. لقد أدى هذا الخوف الى ثلاث جولات من القتال مع حماس، لم تحدث أي تغيير في الوضع. ولذلك، فان المطلوب الآن هو أكثر من مجرد التكرار غير الضروري لهذه العمليات، التي كلفت ثمنا باهظا.

يجب العثور على طريق للتخفيف على اوضاع الجمهور الفلسطيني في غزة، دون تعزيز حماس والجهاد الإسلامي، اعداء اسرائيل الكريهين. هذه ليست مهمة مستحيلة. بل ربما تكتشف اسرائيل انها لن تضطر الى القيام بهذه المهمة لوحدها.

كل شخص وثكله

يكتب يارون لندن، في “يديعوت احرونوت” ان تسلسل احياء ذكرى الكارثة وذكرى الجنود وذكرى الاستقلال تم تحديده من قبل من بلوروا الذاكرة القومية كحكاية تتعلق فصولها ببعضها البعض. بدايتها في مأساة، واستمراريتها بصراع ثمنه ثقيل، ونهايتها بالنجاة والخلاص. هكذا تبنى القصة المقنعة التي تأسر القارئ الاسرائيلي اليهودي، لأنها تمنحه معنى لمصيره، وتعزيه على معاناته، وتعزز قلبه في ضوء خطر الابادة وتوحد الافراد في مجموعة متماسكة.

محاولة ادخال اليهود كلهم الى داخل حلقة المصير المشترك تبدو واضحة في ما يبدو كملحق قسري لأسماء ايام الذكرى: فقد اضيفت الى ذكرى الكارثة كلمة “والبطولة”، واضيفت الى يوم ذكرى شهداء الجيش عبارة “والعمليات العدائية”. الاضافة الاولى تهدف الى تعليمنا بأن بذور النهوض زرعت في فترة الكارثة، واما هدف الاضافة الثانية فهو مساواة مكانة ضحايا الارهاب بمكانة القتلى في صفوف الجيش، كي لا تشعر عائلاتهم بأنه يتم اقصاؤها من الذاكرة القومية. كلنا نقف في المعركة كرجل واحد، مصير واحد لنا جميعا ورسالة واحدة ملقاة على عاتقنا.

يصعب التحرر من هذه الرواية. من يسعى الى الفصل بين الاحداث او اقتراح تفسير آخر لإدراجها وراء بعضها البعض، يخاطر بتعرضه الى الشجب، ولكن على الرغم من ذلك، وفي ظل قوة وكالات الذاكرة القومية، تتزايد بين عام وآخر القوة المفككة للروايات البديلة. هناك متحدثون بارزون من ابناء الطوائف الشرقية، يتنكرون ليوم الكارثة بادعاء ان الاشكناز اعتبروها ملكا لهم وحدهم، واخرجوا توقهم الى صهيون من التأريخ الرسمي واخفوا معاناتهم. المتدينون، خاصة الاشكنازيين، الذين يتزايد وزنهم الديموغرافي، يتأثرون من التمرد في الغيتوات ويعارضون وجهة النظر الصهيونية التي تعتبر قيام الدولة هو الرد المطلوب على ما سببه المنفى. صحيح ان المتدينين يحزنون مثل كل شعب إسرائيل على الساقطين في المعارك، ولكن هؤلاء بالنسبة لهم لا يختلفون عن الذين سقطوا في المذابح ضد اليهود. ويقدم المتدينون الصهاينة، الذين يتبعون لمدرسة الراب كوك، تفسيرا معكوسا. هؤلاء يعتقدون ان الكارثة والموت في الحرب وعلى ايدي الارهابيين هما جزء من عملية الخلاص القادمة، وفي هذا يجدون العزاء. اقامة إسرائيل واهدافها مودعة في ايدي الله، ونحن عبيده المدقعين.

باستثناء هؤلاء هناك ايضا نسبة ليست قليلة، تشكك بعدالة وحدة معارك اسرائيل، ويتهمون القادة بإثارة الحرب ويتحفظون من مراسم الذكرى الرسمية ومن الصلوات الدارجة، مثل “في موتهم وهبونا الحياة”. هكذا، مثلا، الكاتب الراحل امير غوتفرويند، ابن عائلة نجت من الكارثة وضابط في الخدمة الدائمة، والشخص الذي كان يفترض بسيرته الذاتية ان تبعده عن التفكير “الكافر”. الشخص الرئيسي في “جبل السعادة”، الرواية التي اكمل كتابتها قبل موته تماما، هو مفكر سويدي تطوع في شبابه للعمل في الكيبوتس وتحمس للحاضر الاسرائيلي الى ان استفزته صافرة يوم ذكرى الضحايا. ويكتب: “يحاربون ويحاربون وبعد ذلك يتأسفون، ثم يعدون بمواصلة الحرب، احياء لذكرى الضحايا..” وفي الكتاب المزيد من مثل هذا التعبير.

تفكك احياء الذكرى القومي ينعكس بشكل اكبر في نظرية خصخصة الحداد. الثلاثة آلاف نصب تذكاري التي اقيمت منذ حرب 48، تحدد وفقا للنسب الحسابية، وجود نصب تذكاري لكل ثمانية ضحايا – وهي نسبة تعكس مسافة بعيدة عن النصب الشائعة في كل دولة اخرى في العالم. مراسم احياء الذكرى الرسمية تفقد من قوتها الموحدة امام المراسم الخاصة التي يقيمها اقرباء العائلة والجنود القدامى في مجتمعاتهم. العائلات ومجموعات المحاربين تطبع كراسات خاصة بها، وتنشر افلاما عن شخصيات الضحايا. الحداد الشخصي والجماعي يرث القومي – وهي خطوة ملائمة للتوجه العام في المجتمع الاسرائيلي.

النكبة: من الذي سعى حقا الى ابادة الآخر

تكتب سمدار بات آدم، في “يسرائيل هيوم” انه عشية يوم الاستقلال الثامن والستين تقف النكبة مرة أخرى في الباب، كوصمة عار في حد ذاتها. كشخص حزين أبدي هدفه الوحيد هو توجيه اصبع الاتهام الى دولة اسرائيل التي تنمو بكامل مجدها، والقول: لقد ارتكبت جريمة، ظلمتي، سرقتي ونهبتي، والأرض التي البستها مباني الباطون والاسمنت والحدائق هي ليست لك وانما لنا. قيامك هي كارثتنا، ونحن سنحتفظ بمفتاح البيت الذي هربنا/طردنا منه، كدليل على نيتنا العودة اليه وطردك منه.

لأن هذه هي النكبة. تتحدى قيام دولة اسرائيل وتعلن بأنها لن تعترف ابدا بحقها في الوجود كبيت قومي للشعب اليهودي.

التفسير في اللغة العربية الأدبية لكلمة “النكبة” التي اختيرت لمنح “كارثة الشعب الفلسطيني” وزنا مساويا لكارثة اليهود، هو الكارثة الطبيعية. شيء مثل الهزة الأرضية القوية او انفجار قاتل لبركان، حتى قام الاستاذ السوري لعلوم الشرق في الجامعة الامريكية في بيروت، قسطنطين زريق بربط هذه الكلمة بقيام اسرائيل في كتابه “معنى النكبة” (1948). وكتب ان “الهزيمة العسكرية للدول العربية هي ليست اقل من نكبة بكل معنى الكلمة.. سبع دول عربية تعلن الحرب على الصهيونية في فلسطين، تحاول الغاء التقسيم وهزم الصهيونية، لكنها تترك المعركة بعد خسارتها لجزء كبير من ارض فلسطين حتى الجزء الذي اعطي للعرب”.

وبعد عدة سنوات ربط عارف العارف، المؤرخ والسياسي والشخصية العربية خلال فترة الانتداب البريطاني في فلسطين، بين النكبة واللجوء الفلسطيني، حين كتب في كتابة “النكبة – نكبة بيت المقدس والجنة المفقودة” 1947 – 1952، انه “خلال هذه الفترة اصابتنا نحن العرب عامة، والفلسطينيين خاصة، نكبة لم نعرف مثلها منذ اجيال كثيرة. لقد سرق وطننا، وطردنا من ارضنا وفقدنا عددا كبيرا من اولادنا، وفوق هذا كله اصيبت كرامتنا بشكل عميق”.

هل يبدو لكم الأمر بأنه حفر في الماضي؟ حسنا. فلنذهب الى سنة 2011. في وثيقة لدائرة الاحصاء المركزية الفلسطينية، تم الادعاء بأن “نكبة فلسطين هي عملية تطهير عرقي ترافقت بالتدمير والاقتلاع المسلح والمنهجي لشعب من وطنه، كي يحتل شعب اخر مكانه. النكبة الفلسطينية حدثت كجزء من خطة عسكرية دقيقة صنعها الانسان، وشاركت فيها عدة دول كبيرة، وقادت الى المأساة الكبيرة التي وقعت للشعب الفلسطيني”.

متى كانت فلسطين موطن الفلسطينيين؟ واين رفض خطة التقسم؟ وعدم تقبل قرار الامم المتحدة بشأن اقامة الدولة؟ والحروب من اجل تدميرها؟ ونزع شرعيتها الذي لا يتوقف؟ سموني عنصرية، ترفض بشدة “فهم” “النكبة”. فهذا افضل من “النبيلة” التي تسعى الى استيعاب من تتحدث نصوصهم عن ابادتها.

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

فتح ميديا أوروبا