نحو ثقافة مجتمعية سلوكية جديدة في العالم العربي

بقلم: المحامي د. إيهاب عمرو

لاحظت، ولا زلت ألاحظ، وجود بعض السلوكيات في المجتمعات العربية بشكل عام، ومن ضمنها المجتمع الفلسطيني، والتي لا تمت لأخلاقنا وأدياننا السماوية بصلة. ومن ذلك على سبيل المثال قيام البعض بإلقاء الزجاجات الفارغة والأطعمة والسجائر من السيارات مما يحدث ضرراً بالمارة من جهة، ويحدث ضرراً بالبيئة التي نسعى لحمايتها من جهة أخرى. وقيام البعض كذلك بإلقاء النفايات في الطريق بدلاً من وضعها في المكان المخصص لها. ومن تلك السلوكيات أيضاً عدم الإلتزام بآداب السياقة مما يحدث ضوضاء للمارة ويسبب حوادث سير نحن في غنى عنها. وقيام بعض المشاة بالمرور من وسط الشارع دون الإلتفات إلى الممر المخصص للمشاة أو إلى الإشارة الضوئية. ومن تلك السلوكيات أيضاً قيام البعض بالتدخين في وسائل المواصلات العامة، رغم أن ذلك يعد مخالفة قانونية.
وأيضاً قيام بعض الأطفال أو الشباب بالتلفظ بألفاظ سيئة ضد السائحين مما يعكس صورة غير حضارية عن مجتمعاتنا أمام الآخرين.

إن ذلك يستدعي العمل على إيجاد ثقافة مجتمعية سلوكية جديدة تحل محل الثقافة السائدة حالياً. إن تحقيق ذلك في الواقع العملي يعد أمراً صعباً لكنه ليس مستحيلاً. وأستذكر في هذا السياق التجربة الألمانية الفريدة من نوعها بعد الحرب العالمية الثانية، والتي أولت إهتماماً خاصاً بالأطفال وركزت على تعليمهم كافة السلوكيات التي يجب أن يتحلى بها المجتمع المثالي، وذلك من خلال تخصيص برامج تلفزيونية صباحية وعرض أفلام وثائقية خاصة بالسلوكيات الفضلى التي يجب أن يعملوا على إحترامها وتعزيزها بينهم كجزء من ثقافة المجتمع. وكذلك من خلال تخصيص جزء من الحصص المدرسية لتعليمهم تلك السلوكيات والتي أحدثت أثراً مهماً خلال أقل من عقد من الزمان.

وعليه، فإننا نقترح في هذا السياق قيام وسائل الإعلام المحلية سواء كانت رسمية أو خاصة بتخصيص برامج تلفزيونية وإذاعية أو نشر تقارير صحفية خاصة بالسلوكيات الفضلى من أجل الوصول إلى حالة المجتمع المثالي. كما أننا نقترح قيام وزارة التربية والتعليم بالإيعاز إلى مدراء التربية والتعليم في المحافظات بالطلب من المدارس الحكومية والخاصة التركيز على تلك السلوكيات أثناء الحصص الدراسية أو من خلال عرض برامج وثائقية محلية أو أجنبية مترجمة لتعزيز مفهوم المجتمع المثالي لدى الطلبة الأعزاء. ويمكن إعتماد أساليب تربوية حديثة في توجيه الطلبة وحفز طاقات التفكير الإبداعي لديهم، كتوجيه أسئلة لهم بخصوص ما يجب عمله للحفاظ على بيئة نظيفة أو بخصوص السلوكيات الفضلى التي يجب أن يتمتع بها المجتمع المثالي، بدلاً من إستخدام أساليب تربوية تقليدية تعتمد على فرض الحلول أو الإقتراحات عليهم. ومؤدى ذلك أن يكون لدى الطلاب والطالبات مساحة للتفكير الإبداعي وحثهم على تقديم المقترحات الخاصة بهم، مما يسهل معه إحترامهم لها وتقيدهم بها. كما يمكن للجامعات أن تقوم بدورها المنوط بها عبر عملية تثقيف واسعة تشمل كافة الطلاب والطالبات تهدف إلى تعزيز مفهوم المجتمع المثالي الخالي من إستخدام أية أساليب غير حضارية في الحرم الجامعي، وتهدف كذلك إلى غرس روح العمل التطوعي لديهم من أجل الوصول إلى بيئة نظيفة. كما يمكن لوزارة الأوقاف الإيعاز لأئمة المساجد بتخصيص جزء من خطبة الجمعة للحديث عن بعض السلوكيات الخاطئة السائدة في مجتمعاتنا والبعيدة كل البعد عن تعاليم ديننا الحنيف والعمل على ضرورة التخلص منها، مع ضرورة قيامهم بحث أولياء الأمور على توجيه أبناءهم وبناتهم على الإلتزام بكافة القيم السلوكية الحميدة وعدم الإساءة للآخرين بأي شكل كان. إن تحقيق ذلك وإن كان يتطلب وقتاً وجهداً إلا أنه من الممكن أن يؤتي ثماره، خصوصاً أن العرب لهم مساهمات كبيرة في الإرث الحضاري الإنساني كما ثبت خلال التاريخ، تحديداً قبل عصر النهضة في أوروبا.

الكاتب: المحامي د. إيهاب عمرو

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

فتح ميديا أوروبا