الوطنيون واشباههم

بقلم: عمر حلمي الغول

الوطنية الفلسطينية ليست حكراً على احد. لانها الحاضنة الام الاوسع والاكبر لكل فئات وشرائح وطبقات وقطاعات الشعب العربي الفلسطيني، ومن مختلف الاتجاهات الفكرية السياسية الحزبية والفصائلية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية. لا بل هي نتاج عملية صهر ومزج للتاريخ المشترك والحضارة والثقافة الفلسطينية العربية لابناء الشعب، الذين عاشوا وتماهوا مع الارض وطبوغرافيتها وخصائصها المناخية والجغرافية والاقتصادية الاجتماعية والحروب والصراعات، التي شهدتها، وشكلت عبر مراحل وحقب التاريخ الممتدة على مساحة عشرة ألآف عام (تاريخ اريحا، اقدم مدينة في التاريخ) هوية وسمات الشعب العربي الفلسطيني. فجاءت الهوية الوطنية والقومية إرتباطا بتطور المجتمع الفلسطيني، التي تكرست في الصراع مع الانتداب البريطاني والكولونيالية الصهيونية، وتجلت باسطع صورها بعد نكبة العام 1948، عندما ارادت قوى الاستعمار الرأسمال الغربي واداته الحركة الصهيونية وقاعدتها المادية إسرائيل شطب وتصفية الشعب العربي الفلسطيني من الخارطة الجغرافية والسياسية الاثنية.

غير ان ما ورد، لم يسقط او يلغِ من سجل هذا الشعب او ذاك في الحقب المتعاقبة من التاريخ، وجود قوى إرتهنت للاجنبي او لاجندات لا تمت بصلة للوطنية او تعاملت بلامبالاة. إلآ ان هذه الجماعات المتناثرة تلاشت واندثرت، وبقيت الهوية والشخصية الوطنية والقومية الحامل الاساس لانتماء كل شعب ومنهم الشعب الفلسطيني.

ومع تعاظم واشتداد حدة الصراع مع دولة التطهير العرقي الاسرائيلية وكل حلفائها في المنطقة، إلآ ان الهوية والشخصية الوطنية تعمقت اكثر فأكثر. رغم الشروط القاهرة الناتجة عن النكبة 1948 والنكسة 1967، التي مزقت وحدة الارض والشعب الفلسطيني، فبات جزءا داخل دولة إسرائيل الاستعمارية وجزءا في قطاع غزة تحت الحكم الاداري المصري وجزءا في الضفة الفلسطينية بمافيها القدس الشرقية تحت الحكم الاردني، كلا الجزئين إلتحما وعادا إلى حاضنة الوطنية والقيادة الفلسطينية الخالصة بعد اتفاقيات اوسلو 1993، والجزء الاخير الشتات الفلسطيني، المتوزع على دول المعمورة كلها، وان كان الجزء الاكبر منهم يقيم في الدول الشقيقة، وخاصة الدول المحيطة بفلسطين.

ومع إشعال فتيل الثورة الفلسطينية المعاصرة 1965 وتمظهر الظاهرة العلنية في اعقاب هزية الرابع من حزيران عام 1967، تمكنت الثورة وفصائلها الوطنية المختلفة وتحت راية منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد للشعب من إحداث قفزة نوعية ودراماتيكية في مسار القضية الوطنية، اولها إعادة الاعتبار للقضية والشعب على الاساس السياسي؛ مما اجبر العالم كله الاعتراف بالثورة لصمودها وتضحياتها على مدار العقود الماضية، رغما عنه وليس حبا بها وبالشعب الفلسطيني، لاسيما وان القرار الدولي كان مع ألإسقاط والتصفية الكلية للشعب الفلسطيني، او بتعبير آخر، لم تكن الارادة الدولية المقررة في القرار الدولي وخاصة الغرب الرأسمالي وتحديدا الاميركي حريصة على إقامة الدولة الفلسطينية وفق قرار التقسيم الدولي 181، الذي قامت دولة الاستعمار الاسرائيلية على اساسه، واصدرت الامم المتحدة عشرات القرارات المؤيدة والداعمة للحقوق الوطنية الفلسطينية، وكفلت له حق استخدام كافة اشكال النضال بما في ذلك الكفاح المسلح لتحقيق اهدافه الوطنية، وإعتبر احد القرارات الحركة الصهيونية، حركة عنصرية رجعية، غير ان القرار الاخير، تم إسقاطه من القرارات الاممية بعد التوقيع على اتفاقيات اوسلو البائسة…. إلخ من القرارات والانجازات الوطنية.

الانجازات العظيمة، وان تبدد الكثير منها في اعقاب اقامة السلطة الوطنية 1994، تحققت بفضل جهود وكفاح وتضحيات فصائل منظمة التحرير الفلسطينية: يمينها ويسارها ووسطها، وصغيرها وكبيرها، الكل الوطني المنخرط في فصائل العمل الوطني، كانوا ومازالوا هم الرواد، ولا يجوز لكائن من كان الانتقاص من مكانتها ودورها. ولم ولن يؤثر التراجع، الذي اصاب بناها على اهميتها الاستراتيجية في كفاح الشعب العربي الفلسطيني. وصعود الحركات الاسلاموية، التي كان جزءا منها حركة الاخوان المسلمين (لاحقا حركة حماس) لم يغير من الحقيقة السابقة شيئا. لا بل العكس صحيح، حيث اعطى الفصائل والاحزاب الوطنية والديمقراطية، اهمية اكبر، لانها بقيت بالمرصاد للاهداف التصفوية الخبيثة للوطنية الفلسطينية، التي حملتها، ومازالت تحملها حركة الانقلاب الحمساوية حتى يوم الدنيا هذا.

في مرحلة السلطة الوطنية، والظروف والتعقيدات، التي حصلت في مسيرتها خلال العقدين الاخيرين، أملت الضرورة وجود شخصيات وقوى هامشية، ليست اصيلة الانتماء للوطنية، لكن طبيعة المرحلة وسماتها فرضت وجودها. وللاسف بعض هؤلاء نسي التاريخ الوطني، وبدأ يدون تاريخ القضية من يوم إلتحاقه بالسلطة أو أخذ يسقط عدائيته لتلك الفصائل بسبب وبدون سبب، وهذه مصيبة كبيرة، لا يجوز ان تمرر لهؤلاء، ومن غير المسموح لهم التطاول لا همسا ولا غمزا لا في الغرف المغلقة ولا في اي مكان آخر على فصائل واحزاب منظمة التحرير الفلسطينية. مع الادارك العميق بعمق ازماتها جميعا، ورغم التباينات والاختلافات السياسية بينها، والاقرار بتراجع ثقلها ومكانتها في الساحة الوطنية، إلآ انها تبقى الاساس الحامل للهوية الوطنية مع رواد الحركة الثقافية.

إذا الوطنية الفلسطينية تتسع للجميع، ولا فرق بين فلسطيني وفلسطيني إلآ بمقدار الانتماء للوطنية المعبرة عنها منظمة التحرير، وهي الحصن الحصين لكل فلسطيني مؤمن بهويته وشخصيته وثقافته، ولكن على الجميع ان ينحني امام هامات قادة العمل الوطني وشهداء وجرحى واسرى وضحايا الحركة الوطنية بدءا من حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح والجبهة الشعبية والديمقراطية وحزب الشعب وجبهة التحرير الفلسطينية وجبهة النضال الشعبي والجبهة العربية الفلسطينية وجبهة التحرير العربية والصاعقة والقيادة العامة والاتحاد الديمقراطي “فدا” وحتى المبادرة الوطنية. ومن يعتقد ان كرسيه وموقعه “يغفر” له التطاول على تلك القوى، فهو مخطىء ولا يرى أكثر من ارنبة انفه.

oalghoul@gmail.com

a.a.alrhman@gmail.com

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا