المأزق المشترك للفلسطينيين وللإسـرائيليين

بقلم: حمادة فراعنة

يتوهم أكثرية الاسرائيليين من أتباع إستعمار فلسطين ، ومؤيدي التوسع الأستيطاني ، وغالبيتهم من العنصريين وأُحاديي النظرة ، ورافضي أي حل واقعي للصراع العربي الصهيوني في الجولان السوري مثلاً ، وللإسرائيلي الفلسطيني في رفض حل الدولتين للشعبين ، كما يتوهم مثلهم قطاع من الفلسطينيين سواء كانوا من دعاة الخنوع والأستسلام للمشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي والهروب إلى أي حل يتكيف مع بقاء الاحتلال ، أو من دعاة التطرف الديني أو القومي أو اليساري ، يتوهمون جميعاً أولئك وهؤلاء إذا إعتقدوا أن المأزق الذي يواجه الشعب العربي الفلسطيني وحركته السياسية ، يواجه المشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني وحده ، دون المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي ، فالمأزق مزدوج وشامل لطرفي الصراع ، يحول دون تحقيق أهادفهما المتناقضة ، المتصارعة ، لطرف على حساب أخر ، فكلاهما فشل في تحقيق كامل أهدافه ومشروعه وبرنامجه وإن كان ذلك بنسب متفاوتة ، لمصلحة بقاء هذا الطرف أو ذاك .

بعد أكثر من خمسين عاماً من النضال والثورة والتضحيات أخفق خلالها الفلسطينيون من تحقيق أهدافهم الوطنية ، وتطلعاتهم المشروعة نحو المساواة والاستقلال والعودة ، إنعكاساً لعنوان فشلهم في دحر المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي وهزيمته ، ووقف تمدده على أرض بلادهم الوطنية ، وأخر إنجاز حققه الشعب الفلسطيني ، كان في عهد الراحل ياسر عرفات أنه نقل الموضوع الفلسطيني ، وعنوانه من المنفى إلى الوطن ، وبات النضال الفلسطيني وأدواته وقاعدته داخل الوطن وليس خارجه ، وفي مواجهة عدوهم ، عدو الشعب الفلسطيني الواحد ، والشعب الفلسطيني ليس له سوى عدو واحد فقط هو المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي الذي يحتل أرضهم ، التي لا أرض لهم سواها ، ويصادر حقوقهم الثابتة غير القابلة للتبديد أو الانتقاص أو التلاشي ، ويعتدي على كرامتهم حيث لا حياة لهم بلا كرامة ، ونضالهم في مواجهته يتم على أرض بلادهم فلسطين ، وبأدوات فلسطينية ، ومن أجل برنامج فلسطيني ، مدعوماً بشكل متواضع من قبل العرب والمسلمين والمسيحيين ومؤيدي حقوقه من بلدان العالم المتحضر وشعوبه المستنيرة .

لقد سعى الفلسطينيون من أجل منع تدفق المهاجرين اليهود الأجانب إلى فلسطين ، ومحاولة رميهم إلى البحر ، ومنع إقامة دولة يهودية على أرضهم ، وعملوا على التصدي للمشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي على أرضهم وهزيمته ، وفشلوا في مسعاهم ، لأن الإسرائيليين توفرت لهم عوامل أفضل ساعدتهم على الهجرة والاستيطان وحصلوا على الدعم من يهود العالم ومن الأوروبيين ومن الأميركيين ، وهم نتاج المجتمع الأوروبي المتطور ، فحققوا جزءاً كبيراً من برنامجهم وإحتلالهم وإستعمارهم لأرض فلسطين ، ومع ذلك ، فهم ليسوا أفضل حالاً بالمعيار السياسي من الفلسطينيين ، فقد حاولوا رمي كل الفلسطينيين إلى الصحراء وطردهم خارج وطنهم ، ولكنهم فشلوا في تحقيق كامل برنامجهم ، وباتوا في مأزق مماثل يتمثل ببقاء نصف الشعب الفلسطيني على كامل أرض وطنه بعد طرد وتهجير النصف الاخر من اللاجئين والنازحين ، وقد سبق وتحدث بعض المفكرين الأمنيين والإستراتيجيين الإسرائييين في مؤتمر هرتسيليا السنوي عن مأزق الإسرائيليين الديمغرافي ، ووصفوا الحركة الصهيونية على أنها إرتكبت ثلاث حماقات في تاريخها وهي :

أولاً : الحماقة الأولى أنها سمحت ببقاء مائة وأربعون الف فلسطيني في مناطق الإحتلال الأولى عام 1948 ، في مناطق الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل الفلسطيني المختلطة ، وباتوا معروفين أنهم الضلع الثالث لمثلث مكونات الشعب الفلسطيني ، وهم يشكلون اليوم خمس المجتمع الإسرائيلي ولديهم 64 مدينة وقرية عربية فلسطينية في مناطق 48 ولهم سبعة عشر نائباً في البرلمان الإسرائيلي .

ثانياً : الحماقة الثانية أنها سمحت ببقاء سكان الضفة والقدس والقطاع في أماكنهم ، رغم محاولات طرد بعضهم ، وفي محاولات إفقار ما تبقى منهم ، وجعل أرضهم الفلسطينية طاردة لهم وهم أهلها وأصحابها ، وبقي أكثر من أربعة ملايين فلسطيني في الضفة والقدس والقطاع ، يشكلون الضلع الثاني من الش عب الفلسطيني .

ثالثاً : أما الحماقة الثالثة فهي السماح لأكثر من ثلاثمائة الف فلسطيني بالعودة مع الرئيس الراحل ياسر عرفات إلى فلسطين منذ بداية عام 1994 ، إلى الضفة والقطاع حتى عام 1999 ، وبات مجموع ما بقي من الشعب الفلسطيني على كامل أرض وطنه ما يقارب من ستة ملايين عربي فلسطيني ، على أرضهم في منطقتي الاحتلال الأولى عام 1948 ، والثانية عام 1967 ، وهم يمثلون نصف عدد الشعب الفلسطيني والنصف أخر مهجر ومشتت خارج فلسطين ، يشكل وجودهم داخل فلسطين ، ليس فقط فشلاً مادياً مباشراً لأهداف المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي وبرنامجه في طرد الفلسطينيين خارج وطنهم ، ولكنهم يشكلون المأزق الحقيقي الملموس لفشل كامل مشروعهم الإستعماري التوسعي الإسرائيلي في جعل كامل فلسطين وطناً للإسرائيليين وحدهم .

ولهذا ليس المأزق الذي يواجه الشعب العربي الفلسطيني ، وحركته السياسية ، ومشروعه الوطني ، مقتصراً عليهم وحدهم ، في عملية الصراع المستديمة القديمة المتجددة ، بين الفلسطينيين والإسرائيليين ، ليس هذا المأزق مقتصرة أثاره ومتاعبه وتداعياته ، على الفلسطينيين وحدهم ، بل هو مأزق مشترك يواجه الإسرائيليين كما يواجه الفلسطينيين حيث أن كليهما فشل كل من ناحيته في إنهاء الاخر ، وفي إجتثاثه وتصفيته ، ومن هنا فالحل والرؤية يجب أن تشمل طرفي الصراع ، على قاعدة العمل المشترك ، ضد الإحتلال والإستعمار والعنصرية ، والنضال المشترك من الأمن الواحد والحياة المشتركة ، والتعاون من أجل التوصل إلى حل يضمن لطرفي الصراع الاستقرار والطمأنينة بعيداً عن الاستئصال والنفي ونكران الوجود ، وإلغاء الاخر .

h.faraneh@yahoo.com

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

فتح ميديا أوروبا