يوجد للمستوطنين اصدقاء في الجهاز القانوني

بقلم: عوزي بنزيمان، عن هآرتس

بين سنوات 1996 و2006، خلال فترات تولي بنيامين نتنياهو، ايهود براك وارئيل شارون للحكومات، لم تصادق الحكومات على اقامة ولو مستوطنة واحدة في الضفة الغربية. ومع ذلك فقد نشأت في تلك الفترة، في مناطق الضفة الغربية 107 بؤر تطورت تدريجيا الى مستوطنات، رغم تعريفها كغير قانونية. لقد حدثت هذه الأعجوبة، بفضل شغل المناصب الرئيسية ذات المكانة الهامة سلطويا، من قبل اناس ساعدوا المبادرين الى انشاء البؤر على تطبيق ذلك بشكل عملي.
وجود شبكة شركاء للمخالفة في جهاز الدولة كان معروفا لحفنة من اصحاب الشأن، لكن هويتهم وطرق عملهم كشفت في تقرير البؤر الذي قدمته المحامية طاليا ساسون الى رئيس الحكومة شارون، بناء على طلبه في آذار 2005. وثيقة ساسون المزعزعة (وبقوة اكبر في كتابها “على حافة الهاوية” الذي نشر في 2015)، عرضت اسماء وشخصيات وعناوين من خلقوا هذا الواقع الوحشي في الضفة وابعاده المدمرة.
التقرير الذي نشره حاييم ليفنسون في “هآرتس” (28.6) حول الالتماس الذي قدمه الى المحكمة العليا رئيس مجلس محلي قرية الساوية ضد توطين المستوطنين بشكل غير قانوني في مستوطنة رحاليم، يعزز الاشتباه، بأنه تم زرع مبيضي المخالفات في جهاز الدولة ليس فقط في مجال اقامة المستوطنات غير القانونية، وانما ايضا في مجال تطبيق القانون.
حسب الالتماس وعلى الرغم من امر قاضي المحكمة العليا حنان ملتسر، في اذار 2009، لقادة مستوطنة رحاليم بالامتناع عن مواصلة البناء او توطين البيوت التي اقيمت على اراضي يتبع قسم منها لملكية الفلسطينيين، الا ان البناء تواصل وتم توطين البيوت. وقامت الشرطة بالتحقيق في شكوى تتعلق بخرق الامر الاحترازي الذي اصدرته المحكمة العليا، لكنها قررت في 2013، اغلاق الملف. ويدعي الالتماس، انه تم اتخاذ هذا القرار رغم حقيقة عرض ادلة على الشرطة تثبت تشويش الاجراءات القانونية، وتقديم تصاريح كاذبة وخرق اوامر قضائية من جانب قادة رحاليم والامين العام لجمعية “امناه”، زئيف حبير. كما عملت نيابة الدولة بشكل مشابه، حين قررت التراجع عن لائحة الاتهام التي تم تقديمها ضد المشبوه الوحيد في القضية الذي اوصت الشرطة بمحاكمته.
ومن تلقاء ذاته يطرح السؤال حول هوية افراد الشرطة والمحققين والمدعين العامين الضالعين في هذا الاجراء المتواصل الذي تعامل معه جهاز تطبيق القانون في فحص شكوى سكان قرية الساوية حول سلب اراضيهم وتجاهل رجال “امناه” ورحاليم لأمر المحكمة. هذا السؤال ينقر حين نأخذ في الاعتبار نتائج اجراءات التحقيق والقانون التي اثارتها شكاوى فلسطينيين من الضفة ضد اعمال الظلم التي ارتكبها بحقهم اسرائيليون بين سنوات 2005-2014. 7.4% فقط من مجمل الشكاوى وصلت الى تقديم لوائح اتهام، ومن بين هذه اللوائح تمت ادانة 10.5% فقط من المتهمين.
لقد فعل المستوطنون ما تهواهم انفسهم في الضفة، لأن روح القائد التي هبت من مراكز السلطة المحت لهم، بأنه يمكنهم عمل ذلك. الضباط، والمسؤولين ومستخدمي الدولة تعاونوا مع هذا السلوك، لأنهم تماثلوا معه من ناحية ايديولوجية واقنعوا انفسهم بأنهم يحققون هكذا نوايا القيادة السياسية، لكن رئيس الحكومة شارون توصل في احد الأيام الى الاستنتاج بأنه يمتطي ظهر النمر، وطلب النزول عنه دون التعرض الى الاصابة.
ولهذا الغرض جند شارون المحامية ساسون، رئيسة مكتبه. وشرح لها دوف فايسغلاس، بأن المستوطنين تجاوزوا كل حد: انهم يحددون وقائع على الأرض بدون معرفة الحكومة، ويورطون علاقاتها مع الادارة الامريكية. وطلب من ساسون اجراء مسح لحدود البؤر غير القانونية وتشخيص الجهات التي سمحت بإقامتها.
ليس من الواضح تماما، حتى اليوم، ما اذا كان شارون ينوي استخدام التقرير من اجل صد اقامة مستوطنات غير قانونية، او سعى الى الاستعانة بها فقط من اجل التظاهر بأنه يريد معالجة الظاهرة، خاصة امام الولايات المتحدة.
على كل حال، لم يتم تطبيق القانون. فالبؤر غير القانونية بقيت في اماكنها، ويد زئيف حفير لا تزال ممدودة. اهمية تقرير ساسون (وكتابها) لا تقاس بأبعاده العملية، وانما بوزنه الاخلاقي ومساهمته لوعي الجمهور: بفضل التوثيق المفصل لساسون، يعرف الان كل اسرائيلي (مهتم) من هم الأشرار الذين سمحوا بإقامة مشروع البؤر غير القانونية، وما هي طرق الخداع التي استغلوها، واين تقع مراكز السلطة التي احتلوها. من المعروف في كل الاحوال لكل إسرائيلي (مهتم) من هم مستخدمو الدولة (ومن بينهم ضباط في الجيش والشرطة والنيابة ومسؤولين كبار) المسؤولين عن نشر ثقافة الكذب في المجتمع الاسرائيلي وتلويث قيمه.
هناك اجراء مشابه يحدث في الأجهزة الاسرائيلية المسؤولة عن تطبيق القانون الجنائي في الضفة الغربية. الفجوة الصارخة بين الشكاوى التي يقدمها فلسطينيون ضد اسرائيليين بشأن المس بالأرواح والاملاك وبين عدد المتهمين الذين يقدمون الى المحاكمة (ويدانون) يًعلمنا، ظاهرا، بأن للمستوطنين ايدي داخل اجهزة تطبيق القانون الرئيسية.
من هنا يمتد خط مباشر الى جرائم الكراهية التي ارتكبها رجال “بطاقة الثمن”، وقتل عائلة دوابشة، واجواء العنف التي تلف المجتمع الاسرائيلي كله.

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

فتح ميديا أوروبا