أردوغان والأسد ومرحلة “الصراع والتوافق” على الجسد السوري

هناك العديد من المؤشرات التى كشفت مؤخرا عن ان “الحلحلة” فى الموقف التركى تجاه النظام السوري تتجه الى التوافق تحت مظلة البراجماتية التى تمارسها حكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان التي قد تصل الى القبول بوجود الرئيس السوري بشار الأسد في مرحلة انتقالية على رأس السلطة فى دمشق حتى ولو لفترة قصيرة.

ومما يؤكد على ذلك ما يلى :
1- السياسة الخارجية التركية الجديدة التى انتهجتها حكومة بن علي يلدريم وكان أخرها التطبيع الكامل مع إسرائيل
2- طي صفحة الخلافات مع روسيا
3- التحرك التدريجي لتحسين العلاقات مع مصر
و كشفت مصادر في وزارة الخارجية التركية عن توجه تركي للقبول ببقاء بشار الأسد لفترة انتقالية قصيرة لأن المصالح التركية تضررت بسبب التشدد في قضية وجوب رحيل الأسد، وأن استمرار بقاء الأخير في السلطة “قد يكون ضماناً” بمنع بقيام دولة كردية قرب الحدود التركية.
وشددت فى الوقت نفسه على أن أنقرة لن تغير موقفها من رأس النظام في سوريا إذا تمسكت برحيله، لكنها قد تقبل ببقائه لمرحلة انتقالية قصيرة قد لا تتجاوز الستة أشهر، من خلال توافق مع القوى الدولية، وفي مقدمتها روسيا والولايات المتحدة وان تركيا قبل أزمة إسقاط الطائرة الروسية على حدودها مع سوريا في عام 2015، كانت قد اقترحت على روسيا ومجموعة الدول التسع الإعلان عن مرحلة انتقالية في إدارة البلاد لمدة ستة أشهر يبقى فيها الأسد رئيساً بصلاحيات رمزية دون صلاحيات إدارية أو سياسية أو عسكرية، ليغادر منصبه في نهايتها وتجرى انتخابات جديدة في البلاد و أن روسيا نفسها لن تتمسك ببقاء الأسد إلى ما لا نهاية، لكنها تسعى لضمان مصالحها في سوريا، والتي يمكنها التوافق بشأنها مع القوى الدولية الفاعلة هناك.
وبررت المصادر عودة تركيا لتقييم سياساتها تجاه سوريا، يرجع في المقام الأول إلى التهديدات الكردية، بالإضافة إلى تضرر مصالح تركيا خلال السنوات الخمس الماضية بسبب التشدد في التعامل مع قضية وجود الأسد وان وزارة الخارجية التركية منزعجة من استمرار الدعم الأميركي والروسي لحزب “الاتحاد الديمقراطي” الكردي، وذراعه العسكري، تنظيم “وحدات حماية الشعب” و أن استمرار الأسد لفترة “قد يكون ضماناً” لعدم تهديد الدولة التركية بقيام دولة كردية على حدودها مع سوريا لها امتداد داخل تركيا تتمثل في منظمة حزب العمال الكردستاني التي تسعى للانفصال بجنوب شرق تركيا، في إطار السعي لإقامة دولة كردستان الكبرى على أراٍض في العراق وسوريا وتركيا وإيران.
وهو الامر الذى اكد عليه عثمان بهادر دينجير الخبير بالشؤون السورية في المنظمة الدولية للأبحاث الاستراتيجية في أنقرة، بقوله إنه على الرغم من أن الرئيس رجب طيب إردوغان يتمتع بسلطة مطلقة في تركيا، بما في ذلك سيطرته على ملفات السياسة الخارجية، ومع أنه من أشد منتقدي الأسد، إلا أن تغير الظروف على الأرض يمكن أن يضطره إلى التخفيف من تصريحاته، أو التواري وترك التصريحات لرئيس الوزراء بن على يلدريم ومسؤولين آخرين في الدولة و أن تبني موقف أقل حدة من الأسد، يمكن أن يساهم في تحسين العلاقات مع روسيا، بعد الخطوات التي اتخذت مؤخرا لطي صفحة التوتر، بسبب حادث إسقاط المقاتلة الروسية العام الماضي و أن المهمة الملحة التي تواجه إردوغان هي تقليل التكاليف الناجمة عن النزاع السوري، لأن تركيا استهانت منذ البداية بحجم المشكلة السورية، وحاولت القيام بدور فوق طاقتها، وبسبب الاستقطاب السياسي في الداخل فإن وقًتا طويلاً سيمر قبل أن نسمع من السياسيين أنهم ارتكبوا خطأ أو أخطأوا في الحساب.

ورأت “مروة شبنام أوروتش” الكاتبة بصحيفة “صباح” الموالية للحكومة التركية أن أنقرة تسعى إلى إصلاح سياستها الخارجية التي زادت من عزلتها، ومن المحتمل أن يؤدي عزمها على منع قيام منطقة للأكراد ذات حكم ذاتي شمال سوريا إلى الحد من مطالبتها برحيل بشار الأسد وأن تقدم تركيا على تحقيق مصالحة مع الأسد، بعد أن تحققت المصالحة مع إسرائيل وروسيا، وإذا تحققت مصالحة محتملة مع مصر، فوقتها يمكن أيضاً أن تتحقق مع الأسد، تبعا لمنطق أنه ليس هناك أعداء دائمون وإنما هناك مصالح دائمة.
من جهته، يرى محمد يجين، محلل شؤون الشرق الأوسط في مركز الأبحاث الاستراتيجية الدولية USAK في أنقرة، أن هناك ضرورة لإعادة إحياء مفاوضات السلام مع منظمة حزب العمال الكردستاني، والتي تستبعدها الحكومة التركية حتى الآن، أو الاعتماد وبشكل غير مباشر على بشار الأسد كعازل يحميها من الخطر الكردي وأن الأمر الوحيد الذي يمكن أن يتغير هو أن باستطاعة تركيا التوقف عن الإصرار على رحيل الأسد.
وقال محمد زاهد جول الباحث التركى أن تزايد الهوة بين الرؤيتين الأمريكية والروسية في حل الأزمة السورية، وكذلك تزايد الهوة بين الرؤيتين الأمريكية والتركية أيضاً، فأمريكا تركز ثقلها السياسي والعسكري على تقوية نفوذ مليشيات الأحزاب الكردية شمال سوريا لدرجة تؤثر على الأمن القومي التركي، وفي نفس الوقت تخرج أصوات خمسين مسؤولاً بوزارة الخارجية الأمريكية تطالب الرئيس الأمريكي بشن ضربات جوية لإسقاط حكم بشار الأسد، وهو الأمر الذي عارضته موسكو بشدة، معتبرة أن إسقاط الأسد بالقوة سوف يدخل سوريا والمنطقة بالفوضى الكاملة، وعندما ادعى الرئيس الروسي بوتين بموافقته على أن تشارك جهات من المعارضة السورية في حكومة يرأسها الأسد، سارعت أمريكا بنفي هذا الادعاء الروسي الصادر عن الرئيس الروسي شخصياً، ونفت أن تكون اتفقت مع روسيا على ذلك.

محمد زاهد جول الباحث التركى
وتابع هذه الإشكاليات في التحالفات القائمة في سوريا تظهر مدى الأزمة التي وصلت إليها الأطراف المشاركة في الصراع السوري، فكل الدول التي تدخلت في سوريا عسكرياً وقعت في أخطاء كثيرة وكبيرة، وبالأخص الدول التي أرسلت جيوشها أو حرسها الثوري أو مليشياتها المسلحة أو متطوعيها الطائفيين إلى سوريا، فهذه الدول تفاجئت بكذب القراءة التي قدمها بشار الأسد لهم، بأنه يواجه عصابات إرهابية أو مخربين تكفيريين، فوجدوا أنفسهم في مواجهة شعب لا يستسلم أمام المحتلين المعتدين الأجانب، ما ورطهم في حروب ومعارك واشتباكات خاطئة ومدمرة لهم وللشعب السوري معاً، فقد أخطؤوا في رؤيتهم لاحتمالات المعارك التي خاضوها، سواء كانت إيران أو حزب الله اللبناني أو روسيا نفسها، وكذلك أظهرت النهايات المأساوية للثورة السورية خطأ تقديرات المعارضة السورية بأن ثورتهم ستكون شعبية وداخلية ضد استبداد وظلم أسرة الأسد فقط، وظنهم أن ثورتهم يمكن أن تترك على حالها دون تدخل خارجي مدمر، ولكنهم تفاجؤوا بأن كل الأشرار الطائفيين والأيديولوجيين جاؤوا لتخريب سوريا وقتل شعبها.

وشدد على أن هذه الاضطرابات تفرض على السياسة الروسية والتركية التقارب مع بعضهما، فالخيار الإيراني الطائفي كان اختياراً خاطئاً لروسيا وبوتين، ومحاولة استئجار بندقية الأحزاب الارهابية ذات القومية التركية أو الكردية بهدف الإساءة للاستقرار الأمني في تركيا هي محاولة فاشلة خاطئة من المخابرات الروسية؛ لأن أمريكا أكثر مكراً في شراء هذه البندقية، إضافة إلى أن هذه الأحزاب الإرهابية تدرك أن أمريكا أقدر من روسيا في سوريا لتحقيق أطماعها فيها، وهذا ما حصل فعلاً، فهذه الأحزاب الإرهابية سواء حزب العمال الكردستاني أو فرعه السوري حزب الاتحاد الديمقراطي أو مليشياته العسكرية وحدات حماية الشعب، وبالرغم من كونها فصائل يسارية وشيوعية واشتراكية وليبرالية وعلمانية وإرهابية فإنها لا تتبع عقائدها الأيديولوجية التي تتشارك مع العقائد الروسية، وإنما تتبع مصالحها البراغماتية التي تجدها مع أمريكا، ولذلك سوف تنخرط هذه الأحزاب اليسارية الكردية ضد روسيا في حال اصطدمت السياسة الأمريكية مع الروس في سوريا، أي أن روسيا أخطأت في اعتمادها على الرؤية الإيرانية الطائفية للدفاع عن الأسد، وأخطأت في اعتمادها على الأحزاب اليسارية الكردية في الإساءة إلى الأمن والشعب التركي في الأشهر الماضية، دون أن تحقق نجاحاً ملموساً، بل تورطت في سوريا وأساءت لنفسها وشعبها وجيشها أمام الشعب العربي والعالم الإسلامي كله.
واختتم حديثه بقوله إن الأزمات التي أحدثتها الأزمة السورية بين دول المنطقة يمكن أن تعتبر بذاتها مؤشراً على ضرورة تغيير السياسات السابقة، وبالأخص السياسات التي تدعم القتل والإرهاب الذي يباشره بشار الأسد وحلفه الطائفي، وهو ما لا تخفيه الحكومة التركية فقد اعترف كورتولموش:”بأنّ أصل الخلاف التركي الروسي، ليس في مجرد حادثة إسقاط المقاتلة التي انتهكت الأجواء التركية، إنما الخلاف الحقيقي يكمن في اختلاف وجهات النظر حول القضية السورية، التي باتت تشغل الرأي العام العالمي”، ومن أخطاء روسيا أنها جاءت لحسم أزمة دام عمرها خمس سنوات، وهي تظن قدرتها على حلها خلال أسابيع أو أشهر قليلة، فروسيا مطالبة أن تعيد سياستها في سوريا وفي المنطقة بما لا يجعلها ضحية المخططات الإيرانية والأمريكية، وبالأخص المخططات التي تشي بها إيران لروسيا لتوريطها أكثر بدماء الشعب السوري.

مما سبق نستطيع التأكيد على أن هناك العديد من المؤشرات التى كشفت مؤخرا عن ان “الحلحلة” فى الموقف التركى تجاه النظام السوري تتجه الى التوافق تحت مظلة البراجماتية التى تمارسها حكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان التى قد تصل الى القبول بوجود الرئيس السوري بشار الأسد في مرحلة انتقالية على رأس السلطة فى دمشق حتى ولو لفترة قصيرة وان تشددت في عهد حكوماتها السابقة سواء برئاسة رئيس الجمهورية الحالي رجب طيب إردوغان، أو رئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو من بعده بالإصرار على رحيل بشار الأسد باعتبار ذلك هو السبيل الوحيد لتحقيق الاستقرار في سوريا اصبح من الماضى .

بوابة الحركات الاسلامية

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

فتح ميديا أوروبا
Exit mobile version