أقلام واراء عربي – الأحد 10-07-2016

في هــــــذا الملف:
تقرير الرباعية الدولية – يتبنى الرواية الإسرائيلية في لوم الضحية
بقلم: عبد الحميد صيام عن القدس العربي

إسرائيل تتمدّد إلى حوض النيل
بقلم: نبيل السهلي عن العربي الجديد

رحيل فلسطيني كان أكثر لبنانية من اللبنانيين
بقلم: خيرالله خيرالله عن العرب اللندنية

في الحدث : فـي التقارب الإسرائيلي الإفريقي
بقلم: طارق أشقر عن الوطن العمانية

غزوة نتانياهو الإفريقية!
بقلم: ضياء الدين بلال عن الوطن القطرية

تقرير الرباعية الدولية – يتبنى الرواية الإسرائيلية في لوم الضحية

بقلم: عبد الحميد صيام عن القدس العربي
في الأول من شهر يوليو الحالي صدر بعد طول انتظار تقرير اللجنة الرباعية الدولية المعنية بإيجاد تسوية فيما تسميه الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني. وقد جاء التقرير في ثماني صفحات تتحدث بالتفصيل في موضوع المعيقات الثلاثة للعملية السلمية التي عطلت قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة إلى جانب دولة إسرائيل، فيما عرف بحل الدولتين.
ونتيجة لخطورة هذا التقرير الذي تبنى الخطاب الإسرائيلي بشكل شبه كامل، كان لا بد إلا أن نضع القراء العرب أمام حقيقة هذه اللجنة، وما يصدر عنها من تقارير تقترب في كل مرة من الخطاب الإسرائيلي في لوم الضحية وتبرئة الاحتلال وسياسة الفصل العنصري وإشعال الحروب وتدمير البنى التحتية وسجن الشعب الفلسطيني برمته. وسأقدم في هذا المقال مجموعة من الملاحظات حول التقرير.

خلفية ضرورية
بناء على نصيحة من رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، ألقى الرئيس الأمريكي جورج بوش خطابا يوم 24 يونيو 2002 تبنى فيه فكرة إنشاء دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل على أن يتوقف العنف والإرهاب أولا ثم تنسحب إسرائيل من منطقتي (أ) و(ب) يلي ذلك عقد مؤتمر دولي لتفعيل الاقتصاد الفلسطيني، ثم يعقد مؤتمر دولي آخر لحل كافة قضايا الوضع النهائي.
تلك الأفكار وضعت معا على صيغة «خريطة طريق». وكان هدف بلير وبوش هو ضمان تأييد عربي لغزوتهما المقبلة للعراق. وقد قدم رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، إرييل شارون، 14 تحفظا على خريطة الطريق أهمها، ضرورة تدمير حركة حماس أولا والاعتراف بإسرائيل دولة يهودية والقبول علنا بإلغاء حق العودة ـ وعدم الانتقال إلى المرحلة الثانية إلا بعد توقف العنف والإرهاب، و»حل وإصلاح القيادة الفلسطينية الحالية. أما الدولة فستكون مؤقتة وحدودها مؤقتة وتعطى صلاحيات سيادية محدودة، وتحتفظ إسرائيل بحق السيطرة على المعابر والمجال الجوي وموجات الأثير.
تشكلت اللجنة الرباعية من الولايات المتحدة والاتحاد الروسي والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة. وقد قبل الأمين العام السابق كوفي عنان بأن تكون الأمم المتحدة رُبع هذا الإطار بدل أن تظل المرجعية القانونية والقوة الشرعية الدولية التي يحتكم إليها كل الأطراف في حالة ما اختلفوا. أما روسيا فقد كانت في أضعف حلقاتها بعد سنوات بوريس يلتسين الذي ترك روسيا عام 1999 في حالة تفكك وفساد وتراجع اقتصادي بدون وزن أو تأثير دوليين.
إذن الرباعية كانت قرارا أمريكيا بحتا وآلية أمريكية، والثلاثة الباقون لم يكونوا أكثر من شهاد لا يملكون شيئا من القرار النهائي. وقد عُين رئيس البنك الدولي السابق جيمس ولفنسون منسقا للرباعية في الأراضي الفلسطينية المحتلة. لكنه، وهو صاحب ضمير حي، اكتشف أن هناك لعبة أكبر منه ومنع من إقامة اتصالات مع كافة أطياف الشعب الفلسطيني فاستقال في أبريل 2005. وقام بوش بتعيين مجرم الحرب توني بلير في هذا المنصب بتاريخ 27 يونيو 2007 طبعا بدون أن يكون للأمم المتحدة أي دور في هذا التعيين، وظل في منصبه لغاية 27 مايو 2015 بعد أن تأكد أن الخراب الذي أوكل بتنفيذه قد أنجز، وأن الغطاء الذي منحه لإسرائيل لتلتهم ما تشاء من الأرض كان فعالا، وأن ثلاث حروب إسرائيلية على قطاع غزة لكسر ظهر المقاومة قد تحقق.

تقرير الرباعية
قررت الرباعية بتاريخ 12 فبراير 2016 أن تنجز تقريرا حول أسباب تعثر تنفيذ الحل العادل والشامل والدائم القائم على حل الدولتين، الذي كان مشمولا في رؤية خريطة الطريق. استغرق إنجاز التقرير المكون من ثماني صفحات أربعة شهور و18 يوما. وأود أن أؤكد ما يلي:
أولا- أن التقرير كتبه فرانك لوونستاين ممثل الولايات المتحدة في اللجنة الرباعية منفردا. والسيد لوونستاين مساعد مارتن إنديك، سفير الولايات المتحدة السابق في إسرائيل، وأحد قيادات الإيباك السابقين، وأحد غلاة الصهاينة الذي استقال كمستشار لوزير الخارجية جون كيري أثناء مفاوضات الثمانية شهور (أغسطس 2013- أبريل 2014) التي انتهت إلى فشل ذريع، بسبب استمرار الاستيطان وتراجع إسرائيل في اللحظة الأخيرة عن إطلاق الدفعة الرابعة من الأسرى الفلسطينيين.
ثانيا- عرض التقرير على بقية أعضاء اللجنة الرباعية وأبدوا عليه مجموعة من الملاحظات الهامشية. ويجب أن نتذكر أن علاقات الاتحاد الروسي مع إسرائيل في أفضل وأمتن وأعمق حالاتها. أما ممثل الأمين العام فهو السيد نيكولاي ملادينوف وهو، من وجهة نظري، الأخطر من بين الأربعة. إنه أكثر من تبنى الرواية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين. وقد تحفظ على تعيينه بعض المسؤولين الفلسطينيين إلا أن الأمين العام أصر على تعيينه.
ثالثا- عرض التقرير على إسرائيل قبل أن يعرض على مجلس الأمن، وعلى الطرف الفلسطيني. وقد قام نتنياهو بلقاء عاجل مع كيري في روما قبل إطلاق التقرير، بهدف حذف أجزاء منه. وبالفعل أصر الجانب الإسرائيلي على حذف الجزء المتعلق بالمحاججة القانونية ضد بناء المستوطنات، تحت حجة أن الجانب الفلسطيني الذي قدم ملف الاستيطان إلى محكمة الجنايات الدولية كجريمة حرب سيجد في التقرير ما يعزز حجته ويقوي موقفه.

التقرير من حيث اللغة
في الأعراف الدبلوماسية اختيار الكلمات ليس صدفة ولا عباطة، بل أن كل مفردة يتم انتقاؤها بعناية متناهية. ولننظر في الاستخدام المشبوه للمفردات والجمل:
– تحدث التقرير عن معيقات الحل وأولها «العنف والإرهاب الفلسطينيان اللذان بدآ» كما يقول التقرير في أكتوبر 2015. والسؤال قبل هذه التاريخ لم تعثر حل الدولتين. ألم يكن هناك وقت كاف لحل الدولتين منذ أوسلو 1993 لغاية «الاتجاهات الحالية» التي بدأت منذ أكتوبر 2015.
– يختار التقرير أن يركز فقط على نقطة «التهديدات الرئيسية» لتحقيق سلام قائم على التفاوض. وكلمة رئيسية سنكتشف أنها تشير إلى أن ثلثي التهديدات ناتجة عن مسلكية الفلسطينيين. ويذكر التقرير أنه لن يتطرق إلى الأوضاع الإنسانية أو السياسية أو القانونية أو الأمنية. كل هذه المسائل تشير بوضوح إلى مسؤولية إسرائيل، وفي نظر اللجنة أنها ليست رئيسية.
– الحل القائم على الدولتين وتحقيق السلام الدائم يلبي «احتياجات إسرائيل الأمنية والتطلعات الفلسطينية في الدولة والسيادة». فالأمن لإسرائيل حاجة وضرورة بينما الدولة والسيادة للفلسطينيين مجرد طموحات وتطلعات والفرق بين الحاجة والتطلع واضح.
– خلال فترة العنف التي يشير إليها التقرير بأنها بدأت في أكتوبر 2015 «ردت إسرائيل بالتوسع في استخدام الاعتقال الإداري». فقد وضع المبرر لإسرائيل وهو الرد على العنف. وكأنها غير معتدية ولا يشكل الاحتلال عدوانا أصلا، بل هي ترد على العنف.
التقرير من حيث المضمون يشير التقرير إلى ثلاثة اتجاهات/معيقات أدت إلى تعثر الأمل في الحل السياسي.
– استمرار العنف والهجمات الإرهابية ضد المدنيين والتحريض على العنف مما يفاقم انعدام الثقة؛
– استمرار سياسة الاستيطان والتوسع وتخصيص أراض للاستخدام الإسرائيلي فقط، وحرمان الفلسطينيين من التنمية، وهذا يؤدي إلى تآكل إمكانية الحل القائم على الدوليتين؛
– الاستمرار في بناء القدرة التسليحية غير الشرعية والأنشطة العسكرية وغياب الوحدة الوطنية الفلسطينية والوضع الإنساني المتردي في غزة. كلها أدت إلى تفاقم عدم الاستقرار وبالتالي تعطيل الجهود الرامية لتحقيق حل الدولتين.
كما هو واضح فالاتجاه الأول والثالث يتحملهما الفلسطينيون, والثاني والمتعلق بـ»سياسة الاستيطان والتوسع» من مسؤولية إسرائيل. ونلاحظ أن النقطة الثالثة تحتوي على أكثرمن بند ـ تسلح- أنشطة عسكرية- انقسام ويتم قذف جملة لا مكان لها وهي الوضع الإنساني في غزة، علما أن المقدمة أكدت أن التقرير لن يشمل الوضع الإنساني.
وفي تفاصيل نقطة العنف والإرهاب يقول التقرير أن الفلسطينيين منذ أكتوبر 2015 قاموا بـ 250 هجوما أو محاولة هجوم ضد الإسرائيليين أدت إلى مقتل 30 بسبب «الطعن أو إطلاق النار أو الدهس بالسيارات وحالة تفجير واحدة». ثم يضيف «هذه الهجمات الإرهابية التي ينفذها غالبا صغار في السن غير مرتبطين باي تنظيم تساهم في الشعور لدى الإسرائيليين بأنهم يعيشون تحت تهديد مستمر». ويقول التقرير إن 140 فلسطينيا قتلوا أثناء تنفيذ هذه الهجمات بينما قتل 60 فلسطينيا على أيدي قوات الأمن الإسرائيلية أثناء قيام الفلسطينيين بمظاهرات أو مواجهات أو هجومات.
إذن سميت هجمات الفلسطينيين إرهابا، بينما لم توصف عمليات القتل الإسرائيلي التي تعادل سبعة أضعاف العمليات الفلسطينية بأي وصف. وكأنها مبررة وردة فعل على الإرهاب الفلسطيني, عن عنف المستوطنين وتدميرهم للمتلكات يقول التقرير «يبقى مصدر قلق جاد». هكذا يوصف ما يقوم به المستوطنون. ثم يثني على جهود إسرائيل في لجم أو احتواء أنشطة المستوطنين.
وعن التحريض يقول التقرير إن الذين «يرتكبون أعمالا إرهابية يمجدون علنا على أنهم أبطال شهداء» خاصة في وسائل التواصل الاجتماعي. ويشير إلى أن حماس والفصائل الراديكالية مسؤولة عن معظم التحريض. ولكن حتى بعض قيادات فتح تعتبر المنفذين لهذه العمليات «أبطالا وتيجانا على رؤوس الفلسطينيين». وتسمى بأسماء هؤلاء الشوارع والساحات العامة تمجيدا لهم. إذن حسب التقرير مطلوب من الفلسطينيين أن يسموا طفلا «على فرض أنه يحمل سكينا» قاتلا وإرهابيا ومجرما. أما إسرائيل فعندما يقتل جندي أحد الأطفال الفلسطينيين عمدا وينشر الشريط على العالم ويتم احتجازه لساعات فتقوم البلاد كلها لدعم القاتل واعتباره بطلا وتجمع له الأموال ويخرج من الاعتقال الإداري فورا.

حول التوصيات
يقدم التقرير عشر توصيات منطلقة من المعطلات الثلاثة التي سببت تعثر العملية السياسية.
يطلب التقرير من الفلسطينيين تعزيز التعاون الأمني ومنع العنف وحماية أرواح المدنيين. كما يطالب السلطة الفلسطينية باتخاذ خطوات حاسمة وبكل قدراتها لوقف التحريض وتعزيز جهودها في محاربة الإرهاب، بما في ذلك إدانة كل الأعمال الإرهابية. وعلى السلطة الفلسطينية أن تستمر في جهود بناء المؤسسات والحكم الرشيد وتطوير اقتصاد مستدام، وضرورة توحيد الضفة الغربية مع غزة تحت قيادة السلطة الشرعية وعلى أساس مبادئ منظمة التحرير.
وهناك عدد من التوصيات موجهة لإسرائيل في موضوع وقف سياسة الاستيطان والتوسع وتخصيصي أراض للاستخدام الإسرائيلي فقط، ونقل السلطة والمسؤوليات للفلسطينيين في المنطقة جيم، ومساندة السلطة في بناء قدراتها الاقتصادية والمؤسساتية.
وحول حصار غزة تشير التوصية الثامنة إلى «رفع التقييدات على الحركة والنفاذ من وإلى غزة بعد الأخذ بعين الاعتبار احتياجات إسرائيل الأمنية لحماية مواطنيها من الهجمات الإرهابية».

خطورة التقرير
لابد هنا من الإشارة إلى أن التقرير يتبنى التعريف الإسرائيلي فقط في موضوع الإرهاب. فكل ما يقوم به الفلسطينيون، سواء ضد قوات الاحتلال أو المستوطنين هو إرهاب. في التقرير تجد أن موضوع الاحتلال غائب وتهويد القدس غائب واقتحامات الأقصى، التي تثير أعصاب الفلسطينيين غائبة، وأضرار الجدار العازل وغير الشرعي، حسب رأي محكمة العدل الدولية، غير مذكورة وسبعة آلاف أسير بمن فيهم أكثر من 440 طفلا لا قيمة لهم ولا ذكر لهم عند الرباعية. والاستخدام المفرط للقوة لا ذكر له والقتل خارج إطار القانون غائب ومعاناة الناس على الحواجز لا ذكر لها. وفي غزة ليس المطلوب رفع الحصار بل تسهيل الوصول بعد التاكد من متطلبات إسرائيل الأمنية. والأخطر من هذا أن ما تقوم به إسرائيل مبرر لأنه رد على هجمات الفلسطينيين وما يقوم به الفلسطينيون مقطوع عن خلفيته وهو الاحتلال.
لقد تناست اللجنة العتيدة التي أنشأها بوش أن الاحتلال هو أعلى أنواع الإرهاب وأن الاحتلال هو أكبر مصدر للتحريض، وأن الاحتلال هو الذي أفرز ظاهرة الاستيطان، التي تعتبر جريمة حرب حسب بنود اتفاقية جنيف الرابعة . ثم يأتي هؤلاء الغرباء ويحملون الضحية المسؤولية لأنها ترفض أن تموت بصمت.

إسرائيل تتمدّد إلى حوض النيل

بقلم: نبيل السهلي عن العربي الجديد
طرحت زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أخيراً، أربع دول إفريقية من حوض النيل (أوغندا، كينيا، إثيوبيا، رواندا) أسئلة بشأن توقيتها وأهدافها، في وقتٍ انكشفت فيه صورة إسرائيل العنصرية، وازدادت وتيرة المقاطعة الغربية بضائع المستوطنات والمؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية، ناهيك عن الأطماع الإسرائيلية الإستراتيجية في مياه نهر النيل.
لهذا، كان من أهداف زيارة نتنياهو هذه الدول الإفريقية البحث عن حلفاء جدد في القارة السمراء، بغية الحد من الإدانات الإفريقية ضد ممارسات الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية. وبات مؤكداً أن زيارة نتنياهو، ومعه رجال أعمال وتقنيون إسرائيليون في مجالي الري والزراعة لم تكن بريئة.
وكانت العلاقات بين إسرائيل وإفريقيا قد تضررت بعد حرب 1967، وقطعت 35 دولة إفريقية علاقاتها الدبلوماسية بإسرائيل بفعل الضغط العربي. واستغلت إسرائيل تطبيع دول عربية معها، بعد إنشاء السلطة الفلسطينية في 1994، لجهة بناء جسور علاقات تجارية وعسكرية مع دول إفريقية عديدة، ومساعداتها الفنية لتلك الدول في التقنيات الإسرائيلية الزراعية المتطورة خصوصاً. وحتى لا تتهم إسرائيل بأنها تقيم علاقات فقط مع الحكام الأفارقة، فإنها وسعت اتصالاتها مع السكان في القارة الإفريقية، واعتنى بذلك قسم التعاون الدولي في وزارة الخارجية، حيث تتولى إسرائيل تدريب ألف طالب إفريقي في قضايا الزراعة والطب وغيرهما، وترسل إلى القارة أطباء ومستشارين في مجالات شتى، ويتم بعض هذه الجهود بالتعاون بين إسرائيل وفرنسا والولايات وإيطاليا وغيرها.
ويمكن الجزم بأن إسرائيل تسعى، من زيارة نتنياهو دول حوض النيل مع خبراء كثيرين، إلى تهيئة الظروف المناسبة لبناء شبكة علاقات دبلوماسية واسعة، لتصبح بعد ذلك إفريقيا برمتها سوقاً تجارياً كبيراً للسلع والأسلحة الإسرائيلية في الوقت نفسه. وفي الاتجاه المائي، ستقوم إسرائيل، كما في السابق، بتحريض دول حوض النيل على التصادم مع مصر والسودان حول توزيع الحصص، من دون النظر للحقوق التاريخية والاتفاقات المبرمة سابقاً، حيث تنفذ دول إفريقية عدة مشاريع لسدود على نهرالنيل، وهذا ما يؤثر على الحصة المخصصة لمصر من مياه النهر، بكمية تصل إلى نحو 16 مليار متر مكعب.
وتبنت إسرائيل إستراتيجية سياسة محددة إزاء حوض النيل، تهدف بشكل عام إلى تطويق مصر والسودان، عن طريق صلاتها مع دول حوض النيل، حيث أكدت تقارير إسرائيلية إرسال تل أبيب خبراء في مجال المياه إلى إثيوبيا، ساعدوها على إنشاء ثلاثة سدود على روافد النيل الكبرى، تدخل على المجرى الرئيسي في أجزاء متقدمة من جنوب إثيوبيا، ثم السودان ثم مصر، وقد أقرَّت إثيوبيا بإنشائها السدود الثلاثة (بنشام- الليبرد- ستيد) بحجة توليد الكهرباء، وأقرَّت بوجود أولئك الخبراء لديها، ناهيك عن قيام إسرائيل بنشاط خطير في جنوب السودان، حيث أوقفت مشروع قناة جونجلي التي كانت ستوفر لمصر كميةً إضافيةً، قدرها خمسة مليارات متر مكعب من المياه؛ ووضعت استراتيجية سياسية، تهدف إلى إعادة تشكيل منطقة البحيرات العظمى، بما يخدم مصالحها في السيطرة على الموارد المائية، وإبقاء المنطقة كلها في صراعاتٍ طائفيةٍ مستمرة، فشهدت منطقة البحيرات، منذ بداية عقد التسعينيات، صراعاتٍ مسلحةً أثمرت مذابح بشعة راح ضحيتها آلاف الأرواح، في رواندا وبورندي.
ويلحظ المتابع لأطماع إسرائيل المائية، بوضوح جلي، أن إسرائيل طرحت قضية مياه النيل مراتٍ، في ندوات ومؤتمرات ودراسات متخصصة، ربطاً مع حاجاتها المائية المتزايدة، وطالبت بحصولها على 10% من مياه نهر النيل، أي نحو ثمانية مليارات متر مكعب سنوياً لحل مشكلة الطلب المتزايد على المياه بسبب زيادة السكان في فلسطين المحتلة، نتيجة الهجرة اليهودية وحاجات القطاع الزراعي. ولهذا، سعت المؤسسات الإسرائيلية المختلفة، منذ الستينيات من القرن المنصرم، إلى التغلغل بشكل كبير في دول حوض النيل، وخصوصاً أوغندا وتنزانيا وكينيا وإثيوبيا، من خلال إرسال عشرات الخبراء في مجالاتٍ عديدة، مثل الزراعة والري والخبراء العسكريين وغيرهم لتلك الدول.
ويبقى القول إن أهداف زيارة نتنياهو القارة السمراء، أخيراً، متشعبة، فثمّة ما هو أمني واقتصادي، لكن الهدف المباشر هو التدخل الإسرائيلي في شؤون حوض النيل، بغية تطويق مصر والسودان مائياً، والتسبب في نزاعاتٍ قد تتطوّر إلى خوض حروبٍ واسعة النطاق على المياه بين دول المنبع والمصب في حوض النيل، فالمصلحة الإسرائيلية العليا تتلخص بالتمدّد مائياً باتجاه حوض النيل، والسيطرة على كمية مياه كبيرة على حساب الحصة المصرية المحدّدة في المقام الأول.

رحيل فلسطيني كان أكثر لبنانية من اللبنانيين

بقلم: خيرالله خيرالله عن العرب اللندنية
ينتمي رواد مسبح “سبورتنغ كلوب” في بيروت الذي يمتلك حدودا مشتركة مع صخرة الروشة إلى طبقة لبنانية معيّنة رفضت دائما أيّ نوع من الطائفية والمذهبية والتعصب. كان اسم “سبورتنغ” ملازما للبناني، فلسطيني الأصل، هو جورج أبو نصّار انطفأ قبل بضعة أيام وهو في منتصف الثمانينات من العمر بعدما أقام ما يشبه جزيرة آمنة في بيروت. صمدت هذه الجزيرة في وجه كلّ العواصف التي ضربت المدينة منذ ذلك اليوم المشؤوم، يوم الثالث عشر من نيسان ـ أبريل 1975 الذي كان نهاية السلم الأهلي في لبنان.
مع رحيل جورج أبو نصّار سقطت قطعة من بيروت. كان فلسطينيا حافظ على لبنان أكثر بكثير من اللبنانيين. كان أكثر لبنانية من كثير من اللبنانيين. كان مسبحه رمزا للعيش المشترك وروح التجدّد والانتصار على التخلف. سيبقى كذلك بفضل أرملته بيتي وولديه وليد ومروان سيبقى استثناء لبنانيا.
في عز الحرب الأهلية وحروب الآخرين على أرض لبنان، شكّل الـ”سبورتنغ” واحة سلام وأمان بفضل جورج أو نصّار أوّلا وأخيرا. كانت عيون كثيرة على الـ”سبورتنغ” في أيام سطوة المسلحين الفلسطينيين على بيروت ثم في أيّام سيطرة الميليشيات المذهبية من كلّ نوع على المدينة، بما في ذلك المرحلة التي حاول فيها “حزب الله” منع الكحول في بيروت الغربية وإقفال المسابح، كما راح يطلق التهديدات يمينا ويسارا بعد خروج الجيش اللبناني من بيروت الغربية في شباط ـ فبراير 1984.
أكثر من ذلك، استطاع جورج أبو نصّار بقدرة قادر إبقاء المسبح خارج الوصاية عندما عادت القوات السورية إلى بيروت الغربية في العام 1987 وبعدما أصبح لبنان كلّه تحت الاحتلال السوري ابتداء من تشرين الأوّل ـ أكتوبر 1990 بفضل بطولات ميشال عون الذي كان يحتل قصر بعبدا بصفة كونه رئيسا لحكومة مؤقتة مهمتها محصورة بتنظيم انتخابات رئاسة الجمهورية.
خدم جورج أبو نصار لبنان أكثر من لبنانيين آخرين. لم يكن سوى عامل توفيق بين الناس. لعل أهم ما فيه أنه عرف كيف يحافظ على مستوى مسبحه الذي بقي مكانا يلتقي فيه لبنانيون من كل الطوائف والمذاهب والمناطق يتعاطون في ما بينهم باحترام شديد في جو هادئ بعيد كل البعد عما يدور في أنحاء أخرى من المدينة
ظلّ جورج أبو نصّار صامدا في كلّ وقت. صمد في وجه العواصف البحرية التي كانت تضرب الـ”سبورتنغ” في الشتاء فتهدّم أجزاء منه. كان يشرف بنفسه على إصلاح الأضرار. ولمّا لم يكن يجد عمّالا يقومون بالمهمّة، كان يتولى الأمر بنفسه وذلك كي يكون الـ”سبورتنغ” جاهزا في افتتاح موسم السباحة في نيسان ـ أبريل من كلّ سنة.
الحقيقة، أنّه قلّما كان الـ”سبورتنغ” يقفل أبوابه في الصيف أو في الشتاء، في الربيع أو الخريف. كان جورج أبو نصّار دائما هناك يشرف بنفسه على المطعم وعلى تحضير الأطباق وعلى جودة المواد المستخدمة. لم يكن يفوته شيء. كان يتدخل في كلّ صغيرة وكبيرة، بما في ذلك اختيار الأسماك التي تدخل مطعم الـ”سبورتنغ”.
ما سرّ جورج أبو نصّار؟ كيف استطاع تجاوز كلّ الحروب اللبنانية وتسليم المسبح بعدما تقدّم به العمر إلى ولديه وإلى ابن شقيقته؟ لا جواب على ذلك باستثناء أنّ لا شيء ينجح مثل النجاح. النجاح هنا، يعني المثابرة ويعني أيضا معرفة البلد بكلّ تفاصيله وكل أناسه وكلّ زعمائه. لم يكن يمرّ يوم إلّا وهناك زعيم سياسي في الـ”سبورتنغ”. كان جورج أبو نصّار صديقا للجميع. كان هناك نواب ووزراء وكان هناك أيضا الرئيس عادل عسيران، رحمه الله، الذي غالبا ما كان يجلس مع جورج أبو نصار في أحد أركان المطعم التابع للمسبح جلسة صديق مع صديق له.
دافع جورج أبو نصّار عن الـ”سبورتنغ” ومجتمعه المتنوع كما لم يدافع أحد عنه. حافظ على الوجود المسيحي فيه في أحلك الظروف. لم يحصل يوم مشكل من أيّ نوع في المسبح. على العكس من ذلك، كان الـ”سبورتنغ” مكانا يلتقي فيه الجميع. كان هناك مسيحيون يصرّون على المجيء إليه على الرغم من إقفال المعابر بين بيروت الشرقية وبيروت الغربية، أي بين بيروت ذات الأكثرية المسيحية وبيروت ذات الأكثرية المسلمة. كيف كان يعبر هؤلاء إلى الـ”سبورتنغ”؟ كان ذلك سؤالا محيرا بالنسبة إلى شخص مثلي كان يراقب تلك الظاهرة التي اسمها “جمهورية السبورتنغ”. ربّما كان ذلك عائدا إلى أن كلّ من يدخل المسبح كان يشعر بالأمان، بغض النظر عمّا كان يدور خارجه، بما في ذلك من ذبح متبادل على الهويّة بين المسلمين والمسيحيين في بيروت.
في عز القصف الإسرائيلي لبيروت صيف العام 1982، بقي الـ”سبورتنغ” مشرع الأبواب أمام قلة من اللبنانيين أصرّت على ارتياد المسبح في تحدّ للإسرائيلي وعدوانه. كان جورج أبو نصّار موجودا في مسبحه رافضا أن يقتلعه أحدهم منه، هو الذي جاء إلى لبنان بعد نكبة العام 1948، رافضا أن يتخلّى يوما عن لهجته الفلسطينية. كان الفارق بينه وبين فلسطينيين آخرين، جاؤوا إلى لبنان، أنّه ساهم في بناء البلد وفي ازدهاره بدل أن يعمل من أجل التخريب والدخول في صراعات داخلية مع طائفة لبنانية ضدّ طائفة أخرى.
خدم جورج أبو نصّار لبنان أكثر من لبنانيين آخرين. لم يكن سوى عامل توفيق بين الناس. لعلّ أهمّ ما فيه أنّه عرف كيف يحافظ على مستوى مسبحه الذي بقي مكانا يلتقي فيه لبنانيون من كلّ الطوائف والمذاهب والمناطق يتعاطون في ما بينهم باحترام شديد في جوّ هادئ بعيد كلّ البعد عمّا يدور في أنحاء أخرى من المدينة.
مع رحيل جورج أبو نصّار، يظلّ العزاء الوحيد أنّ الرجل عرف كيف يحافظ على أعزّ ما عنده، أي أن يبقي الـ”سبورتنغ” حيّا يرزق. لا يزال المكان جميلا وبسيطا. لا يزال يتطور نحو الأفضل من دون أن يتخلّى عن مزايا الماضي التي جعلته مختلفا. لا يزال يواجه العواصف.
كلّ ما يمكن قوله إن المسبح ما كان ليبقى حيّا من دون فلسطيني أحبّ بيروت ولم يدر لها ظهره يوما. هذا الفلسطيني الذي تعرفت إليه للمرّة الأولى مطلع سبعينات القرن الماضي كان شخصا من نوع آخر. كان على الرغم من وجهه، العابس أحيانا، في غاية الوفاء لأصدقائه. لم يتخلّ عن صديق يوما. لكنّ وفاءه الأوّل كان للبنان الذي استضافه ووفرّ له فرص النجاح، تماما مثل وفائه لـلمسبح الفريد من نوعه، خصوصا لجهة موقعه والذي عرف كيف يحافظ عليه ويتركه وديعة لدى أفراد عائلته.
كان جورج أبو نصّار باختصار فلسطينيا عرف أن يكون لبنانيا أكثر من اللبنانيين وأن يكون فوق التعصّب الطائفي والمذهبي.. أن يكون من ذلك النوع من الأشخاص الذين لا يولد مثلهم كثيرون في بلد يحتاج في مثل هذه الأيّام، أكثر من أيّ وقت، إلى مثل هذه الطينة من الرجال.

في الحدث : فـي التقارب الإسرائيلي الإفريقي

بقلم: طارق أشقر عن الوطن العمانية
أثارت زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو منتصف الأسبوع الماضي إلى أربع دول إفريقية، اهتمام الكثير من السياسيين والمراقبين لمسار الصراع العربي الإسرائيلي وتداعياته على العلاقات الدولية بالمنطقتين العربية والإفريقية. فيما حصر البعض نفسه في إطار التفكير بأن زيارة رمز الدولة العبرية إلى إفريقيا هدفها الأول والأخير عودة إسرائيل إلى مخطط استراتيجي قديم يعرف باسم (حلف الأطراف) يهدف إلى احتواء الطوق الإفريقي للدول العربية عله يؤثر على الصراع العريي ـ الإسرائيلي الذي (كان) عسكريا وسياسيا في حقبة السبعينيات وبداية ثمانينيات القرن الماضي.
ومع انحسار ذلك الصراع وتقوقعه في إطار إعلامي يحسبه البعض بأنه ربما يكون الأكثر فاعلية في الوقت الحالي؛ كونه أصبح من ضمن موجهات الدبلوماسية العربية التي ما زالت نشطة في ساحة المنظمات الدولية كمنظمات الأمم المتحدة بمختلف مسمياتها والمنظمات الأخرى الآسيوية والإفريقية التي للعرب فيها بعض التأثير، فقد بدأ بعض البراجماتيين من المراقبين قراءات مختلفة لزيارة نتنياهو الإفريقية التي شملت كلا من أوغندا وكينيا ورواندا وأثيوبيا، وذلك على الرغم من أن كافة هذه الدول تقع جغرافيا ضمن دول حوض النيل، حيث تحتضن منابع كل من النيل الأبيض والأزرق المكونين الرئيسين لنهر النيل المغذي الرئيسي للحياة في السودان ومصر اللتين تعتبران ضمن أبرز الأعداء التقليديين لإسرائيل.
ورغم أن العامل الجيوسياسي الذي يحكمه الموقع الجغرافي لهذه الدول الإفريقية الأربع التي استهدفتها إسرائيل بالتنشيط الدبلوماسي، يعتبر العامل الأكثر إغراء للمحللين للأخذ بنظرية (المؤامرة السياسية) ليتعمقوا ويبحروا في التحليل بأن محاصرة مصر والسودان من الجنوب والشرق هي المبتغى الإسرائيلي الأكبر، غير أن الحداثيين البراجماتيين في التحليل السياسي يرون غير ذلك، بل يدعون إلى الانفكاك من الجمود في قراءة الأحداث السياسية، خصوصا وأن الإضرار بمصر والسودان عبر البوابة الإفريقية قد لا يكون الأكثر تأثيرا في المرحلة الحالية، وأن يد العدو الإسرائيلي أطول وأقدر للوصول إلى أهدافها أن أرادت خصوصا في هذا الزمن الرديء.
وعليه يرى (الحداثيون) في التحليل السياسي إن صح التعبير والمصطلح، بأن الزيارة الإسرائيلية إلى إفريقيا هدفها ومنطلقها فلسطينيا في إطاره الضيق وليس عربيا في نطاقه الأوسع، وقد يجرؤ البعض ليقولوا بأن منطلقها محليا داخليا، وذلك إذا اقتنعنا بأن الصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني بدأ تأثيره في الداخل الإسرائيلي يأخذ حيزا أكبر مما كان عليه الصراع موصوفا بالصراع العربي ـ الإسرائيلي .. ولكن كيف؟
إن الإجابة على كيف هنا يمكن استخلاصها من خلال ما حصلت عليه دولة فلسطين من اعتراف دولي واسع امتدت جغرافيته حتى دول أميركا الجنوبية اللاتينية وأوروبا وآسيا، بالإضافة إلى التأييد التاريخي التقليدي القديم في المنطقة العربية، بل تم تتويج ذلك برفع العلم الفلسطيني في مقر منظمة الأمم المتحدة في نيويورك جنبا إلى جنب العلم الإسرائيلي، فضلا عن أن الموافقة الأممية بشأن عضوية (دولة) فلسطين، وبغض النظر عن ما إن كانت عضوية كاملة أو ناقصة، أكسبت الفلسطينيين قدرة أكبر على التحرك الدبلوماسي على مستوى المنظمات الدولية لمواجهة دولة إسرائيل دبلوماسيا في تلك الساحة.
لقد دفع هذا الوضع الفلسطيني الجديد بإسرائيل أن تولي اهتماما أكبر بالساحة الدبلوماسية والسياسية في المنظمات الدولية، فسعت إلى (تكبير كومها) من الدول الإفريقية لتواجه به التكتل العربي الفلسطيني المدعوم بالإعلام العربي وبعض الإعلام الغربي المناصر للحق الفلسطيني في الحياة، مستفيدة في ذلك من التجاهل العربي للقضايا الاقتصادية الإفريقية الملحة، وذلك في وقت تأتي فيه العلاقات الإفريقية ـ العربية في ذيل اهتمامات الدبلوماسية العربية.
وما يدعم هذا التحليل البراجماتي أو ما نسميه الحداثي في قراءة الزيارة الإسرائيلية إلى دول حوض النيل الأربع في إفريقيا منتصف الأسبوع الماضي، هو فوز إسرائيل في يونيو الماضي برئاسة اللجنة القانونية في الأمم المتحدة وذلك بعد جهد جهيد خلال عمليات التصويت، حيث وجدت إسرائيل بأنها رغم بعض التغيير الذي طرأ على تركيبة الكتلة العربية، إلا أنها ما زالت في حاجة إلى مناصرين لها في المنظمات الدولية التي أصبحت الساحة الأكبر للصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني بعد المكاسب الفلسطينية الجديدة التي تأتت بعد توسع دائرة الاعتراف الدولي بدولة فلسطين، ما أشعر إسرائيل بالخوف أكثر من الفلسطينيين، خصوصا وأنها أي إسرائيل كانت حتى وقت قريب تعول على تلك المنظمات لما كانت تجده فيها من مساندة أميركية وأوروبية أساسها الفيتو الأميركي.
فضلا عن كل ذلك فقد تناقلت الأنباء تصريحا لنتنياهو خلال زيارته الأخيرة إلى كينيا بأنه يأمل في انضمام إسرائيل إلى الاتحاد الإفريقي كعضو مراقب، فهو عشم لا يخلو من فوائد سياسية دبلوماسية لصالح إسرائيل أن تحقق مرادها، خصوصا وأن دول الاتحاد الإفريقي يعرف عنها مساندتها السياسية لبعضها في الساحات الدبلوماسية، وعلى الأقل في إطار قمم الاتحاد نفسه.
وعليه فإن الهدف الأرجح في التقارب الإسرائيلي ـ الإفريقي هو دبلوماسي سياسي بالنسبة لإسرائيل لتتقوى به في مواجهة الفلسطينيين في المنظمات الدولية خصوصا بعد المكانة الجديدة التي اكتسبها الفلسطينيون دوليا وأمميا. واقتصادي بالدرجة الأولى بالنسبة للدول الإفريقية الأربع التي هي بالضرورة في أمس الحاجة إلى الدعم الفني والتكنولوجي والاستثماري الذي تحلم بأن تقدمه لها إسرائيل بعد أن تجاهلها العرب طيلة العقود الماضية.

غزوة نتانياهو الإفريقية!

بقلم: ضياء الدين بلال عن الوطن القطرية
قبل أشهر من الآن، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي (فيديو كليب)، لمطربة إسرائيلية تُدعى (رحيلا) تُردِّدُ أغنيةً تراثيةً سودانية تحمل اسم (القمر بضوي).
(رحيلا) أجادت في أداء الأغنية بصورة جمالية باهرة. المعلومات التي برزت بعد ذلك، أن المطربة الإسرائيلية ذات صلة وعلاقة بالمنطقة العربية والإفريقية.
قيل إنها ذهبت إلى مصر وعمرها (18) عاماً، وتعلّمت اللغة العربية، وقامت بترديد أغانٍ عربية لكُلٍّ من أم كلثوم ومحمد عبده وراشد الماجد، وعندما كثر الجدل حول أنها إسرائيلية أَمْ أميركية، استضافتها قناة (روتانا)، وحرص المذيع على التأكيد أن ضيفته راحيلا أميركية، ولم يكتفِ بذلك؛ فبعد تقديمها وصلة غنائية باللهجة الخليجية، قام بوضع جواز السفر الخاص براحيلا أمام الكاميرات، ليؤكد للناس أن الفنانة أميركية!
أغنية جديدة برزت هذه الأيام، يُؤدِّيها مطربٌ سياسيٌّ قبيح الصوت، هو الرئيس الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، على مسرح أربع عواصم إفريقية، وفي معيته (كورس) من ثمانين من رجال الأعمال الإسرائيليين، وبعض الدبلوماسيين الذين ينتمون لإثنية الفلاشا، التي تم ترحيلها في مُستهلِّ الثمانينيات من إثيوبيا إلى تل أبيب، عبر السودان في عملية سرية أُطلق عليها (عملية موسى)!
وتأتي زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي للدول الأربع، قبل أيام قليلة من انعقاد القمة الإفريقية في العاصمة الرواندية كيغالي، وسط تصاعد الحديث عن سعي تل أبيب للحصول على عضوية مراقب في الاتحاد الإفريقي.
إسرائيل تقوم بعملية اختراق سياسي ودبلوماسي واقتصادي للمجال الإفريقي، وصفها نتانياهو بالاختراق الاستراتيجي الكبير، مُقدِّماً الخطوة على طبق الوعود البراقة، حيث قال: (جميع البلدان الإفريقية يمكنها الاستفادة من تعزيز التعاون مع إسرائيل).
نتانياهو وأعضاء وفده أجروا مباحثات مع نظرائهم تطرقت إلى المياه والزراعة وا?تصا?ت والسياحة. ووقع الجانبان اتفاقات في مجا?ت العلوم والتكنولوجيا والسياحة.
نتانياهو يستغلُّ مساحة الفراغ الذي خلَّفه الغياب العربي من إفريقيا، خاصة الغياب المصري؛ لذا رجَّح البعض أن يكون الرجل أراد من الزيارة إرسال رسالة على بريد القاهرة، لعناية الرئيس عبدالفتاح السيسي، بضرورة الانصياع للمطالب القديمة الخاصة بالحصول على مياه النيل، مقابل التوسط لدى أديس أبابا، بخصوص شروط وسنوات ملء خزان السد وخلافه.
من أهم أهداف زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى أربع دول إفريقية، تجديد الطلب الذي سبق أن رفضته إفريقيا منذ أكثر من أربعة عقود، بخصوص الحصول على صفة المراقب في منظمة الوحدة الإفريقية آنذاك.
الزيارة مكَّنت نتانياهو من نيل الكثير مما يريد في هذا الجانب، حين أعلن رئيس الوزراء ا?ثيوبي، هايلي ميريام ديسالين، أن ب?ده تدعم انضمام إسرائيل إلى ا?تحاد ا?فريقي، وذلك بعد يومين من إبداء كينيا موقفاً مماث?ً.
وجاءت تصريحات ديسالين خ?ل مؤتمر صحفي مع نظيره ا?سرائيلي، وأضاف ديسالين: «إسرائيل تعمل بجهد كبير في عدد من البلدان ا?فريقية، وليس هناك أي سبب لحرمانها من وضع المراقب»، وتابع: «نريد أن تصبح إسرائيل جزءاً من نظامنا ا?فريقي. لذا سنأخذ موقفاً مبدئياً بجعل إسرائيل جزءاً من اتحادنا».
نتانياهو يدرك أهمية الكتلة التصويتية الإفريقية في المحافل الدولية، والتي تضم «54 دولة»، وبالتالي تستطيع حسم الكثير من الأمور التصويتية في الأمم المتحدة وفروعها.
بصوت المغنية رحيلا، وزيارات رئيس الوزراء الإسرائيلي لإفريقيا، تكون إسرائيل قد انتقلت من مربع الدفاع عن الوجود غير الشرعي والتبرير للعنف لمربع الهجوم وإحراز الأهداف في المرمى العربي الكبير.

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

فتح ميديا أوروبا