سعوديون ضد التطبيع

بقلم: أحمد عدنان

بعد إعلان المصالحة بين تركيا وإسرائيل، غرّد أحمد بن راشد بن سعيد “إعادة العلاقات مع الكيان الصهيوني كانت أخلاقية، ومن أجل أهلنا في غزة، ومن ينكر ذلك فهو إما مغرض أو جاهل”. وبعد أن تكشّفت الزيارة “الشخصية” للجنرال السعودي المتقاعد أنور عشقي إلى فلسطين بدعوة من السلطة الفلسطينية، كتب بن سعيد “لست مني إذا احتضنت الأعادي/يا عدوي ويا عدو بلادي/كل من خان قدسه فعليه/لعنة لا تزول حتى المعاد”، والسؤال هنا من هو المغرض أو الجاهل؟
في مقالة سابقة، قلنا إن الاحتلال يجب ألاّ يعيق التواصل مع فلسطين أرضا وشعبا، ومن دون استثناء عرب 48 الذين ألقيناهم مع سبق الإصرار والترصد في الحضن الإسرائيلي، والآن نكمل السياق، عن مشروع السلام والاتصالات السعودية – الإسرائيلية سواء كانت رسمية أو شخصية.
انطلق في تويتر وسم #سعوديون_ضد_التطبيع، ولا شك في صدق أغلب نوايا المشاركين فيه، فمن كانت غايته فلسطين وجب احترامه حتى لو حضر التباين في وجهات النظر، إلا أن فئتين لا تستحقان الاحترام بأيّ حال، الأولى هي التي نشطت مزايدة بعد الهجوم الأخير لأمين عام ما يسمى بحزب الله ضد المملكة، والثانية هي تلك التي تقدم مرجعيتها الحزبية أو الإقليمية ضد وطنها.
لنتفق بداية أن معاداة إسرائيل ليست لمجرد أنها إسرائيل، وليست لمجرد أنها يهودية، إنما من أجل الاحتلال ولجرائمها ضد الشعب الفلسطيني، لا يمكن أن تتهم إسرائيل بالعنصرية وأنت تعادي اليهود، فمشكلتنا مع الصهيونية لا مع الدين اليهودي، والأخطر أنك إذا عاديت دينا أو طائفة ستنتهي نسخة مماثلة من عدوك، وهذه هي الهزيمة الأمضى، ألاّ فرق بينك وبين العدو.
من جهة أخرى، لا يمكن اتخاذ موقف مهادن من أيّ طرف يمارس نفس الأفعال الإسرائيلية، كإيران مثلا، لأن الصراع حول قضايا وأفعال لا مع هويات وأديان وأشخاص وأعراق. وما يؤسف حقا أن ممارسات دولة إسلامية كإيران، أشد ضررا وسوءا من ممارسات إسرائيل نفسها.
اليوم تحتل إسرائيل دولة فلسطين وهضبة الجولان في سوريا، بينما تحتل إيران وتقترف الإرهاب -عبر ميليشياتها أو عبر الحرس الثوري- في الجزر الإماراتية والبحرين واليمن والعراق ولبنان، أي أن ضحايا إيران من العرب في سنوات وجيزة فاق أضعافا مضاعفة شهداء العرب في الصراع العربي – الإسرائيلي.
ونجحت إيران في فلسطين فيما فشل فيه الإسرائيليون عبر عقود. حولت قضية البندقية الفلسطينية من فلسطين إلى السلطة، فانقسم الفلسطينيون واقتتلوا، وبسبب تدخلاتها في بلاد العرب عمّ الخراب ولم يهنأ بالأمن إلا الإسرائيليون.
هذه الحقائق ليست ثناء على إسرائيل، بل مذمّة لإيران ومن والاها. ولا أجد غضاضة في القول إن الخطر الإيراني أشد من الخطر الإسرائيلي، فبسلاح إيران وأموالها ودعايتها أصبح هناك في أرض العرب من يقدّم طاعتها على طاعة وطنه ولو كان ذلك ضد وطنه، ومهما فعلت إسرائيل لن تتمكن من تحقيق ما فعلته إيران، رغم تشابههما الثقافي والعملي، الاستعلاء على العرب واحتلال الأرض وممارسة الإرهاب، مع التأكيد على التفوق الإيراني المؤسف إرهابا واحتلالا.
وما قلناه عن إسرائيل نكرّره مع إيران، مشكلتنا ليست مع الشيعة وليست مع العلويين، بل مع إيران وبشار الأسد، وسنصبح من أنصار السلام مع إيران إذا خفضت مستوى سوئها إلى مستوى السوء الإسرائيلي، وهذا يلفت النظر إلى أهم “منجزات” إيران، تجميل إسرائيل.
شارك في وسم #سعوديون_ضد_التطبيع، من لا يؤمنون بالسلام، وهذا حقهم المحترم، ووجب التوضيح لهم أن دعاة السلام يؤمنون بمواجهة إسرائيل بطريقة مختلفة، فالسلام يفرض على إسرائيل التزامات وأعباء لا توفرها حالة اللاسلام.
وأستخدم مصطلح “اللاسلام” لأن الوضع الراهن هو حالة “اللاحرب”، انطلقت قاطرة مباحثات السلام الفلسطينية – الإسرائيلية عام 1992 تقريبا وتوقفت عام 2002، ولو عقدنا المقارنة بين حال الفلسطينيين في ذلك الوقت وفي الآن الراهن، سنجد أن الماضي أفضل.
وقد يقول قائل إن الإسرائيليين لا يريدون السلام، وهذا يعزز وجهة نظرنا لا وجهة نظرهم. إسرائيل متضررة من السلام أكثر من اللاحرب. ماذا عن حالة الحرب؟ هي حالة غير موجودة لا عند الدول ولا عند المنظمات. أعطني دولة أو منظمة عربية لديها خطة عملية وواضحة لتحرير فلسطين.
سوريا الأسد لم تطلق رصاصة من أجل الجولان منذ عقود. وبشار راسل نتنياهو متعهدا باستقرار جبهة الجولان. وما يسمّى بحزب الله تحول عمليا منذ عشر سنوات إلى كتيبة في حرس الحدود الإسرائيلي. وحين حانت ساعة الجد، فضل بشار الأسد قتل شعبه، وتفرغ الحزب الإلهي لذبح السنة في غير مكان. والمضحك المبكي أنهم يقترفون كل جرائمهم بذريعة فلسطين ومعاداة إسرائيل، ويصدقهم الحمقى، وهم كثر.
ووجب التوضيح كذلك أن مشروع السلام لا يتم بين الأصدقاء، بل بين الخصوم والأعداء، ومشروع السلام في أساسه قائم من أجل مصلحة فلسطين، ولا تناقض بينه وبين الالتزام بخدمة القضية الفلسطينية. ونضرب المثل بالتعامل التركي مع الصراع العربي – الإسرائيلي، الاتصالات والعلاقات قائمة بين تركيا وإسرائيل. ولا يمكن لأحد اتهام تركيا بالانحياز لإسرائيل ضد فلسطين، فلماذا ما هو حلال للأتراك محرّم علينا؟
الأتراك يعملون من أجل مصالحهم ونحن يجب أن نعمل من أجل مصالحنا. ولا يعقل أن نكون فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين، فهم يكافحون من أجل قضيتهم ويعملون من أجل مصالحهم. ولا تناقض بين كل ذلك وبين الاتصال مع إسرائيل.
خيار السلام الذي يوجد من يؤمن به، يستقي شرعيته من المبادرة العربية للسلام وقبلها المعاهدات والقرارات الدولية المعروفة. والسؤال الأهم يتعلق بثقافة العرب في الصراع العربي – الإسرائيلي. ومن ذلك نظرية المقاطعة، التي تم ابتداعها – رغم عوارها التاريخي والمنطقي والديني – من أجل حصار إسرائيل ورفضا للاحتلال.
وبعد عقود من تجربة هذه النظرية انتهينا إلى تهويد القدس ومحاصرة الفلسطينيين، فلماذا الإصرار عليها وهي اعتراف واقعي بالاحتلال وتطبيع عكسي تجاهه؟ ألم يقل المثل “من جرب المجرب عقله مخرب”؟
وهناك نظرية “الوسيط العادل والمحايد”، وهذه خرافة أقرب من كونها نظرية، فهذا المصطلح توصيف دبلوماسي لوساطة أميركية أو أوروبية منحازة لإسرائيل، كما أن التعريف العربي للعدالة والحياد يعني الانحياز لنا. وهذه رعونة.
الوسيط – أيا يكن – سينحاز لمصالحه، التي هي إسرائيلية غالبا، ولن ينحاز لنا. ولتحقيق نتائج أفضل لا بد من الاستغناء عن الوسيط، وإقامة شبكة مصالح مباشرة مع إسرائيل تشكل وسائل ضغط لإنجاز السلام ولنصرة الفلسطينيين.
تنتمي هذه النظريات إلى جيل مضى فشل في خيار الحرب وفشل في خيار السلام. ومع ذلك هناك من يريد تحميل الأجيال الجديدة نظريات الماضي وإخفاقاته المستدامة، فلنجرب طريقة جديدة في الصراع العربي – الإسرائيلي لعلنا نصل إلى نتائج أفضل، خصوصا مع تقلبات الظرف الإقليمي والدولي التي تتموضع ضدنا حصرا.
خيار السلام ليس موجّها ضد فلسطين بل هو من أجلها. وخيار السلام لا يعني بتر أسباب القوة، فكل سبل الكفاح مشروعة وتكمّل بعضها، ومشكلتنا مع أعداء التطبيع، أنهم يتبنون تعريفا مختلا للتطبيع، فالمصطلح المثير للجدل ابن “الطبيعية” وليس ابن “الشرعية”. وشرعية إسرائيل لن تقوم إلا بقيام الدولة الفلسطينية، وما قبل ذلك ليس قطعيا ولا نهائيا. أما الأمر الواقع “الطبيعي” فإنكاره تصرف طفولي يضر ولا ينفع، إذا أردت مسالمة إسرائيل أو محاربتها لا أن تعرفها، ولا معرفة من دون اتصالات وتفاعل.
بالنسبة إليّ، المسألة ليست أنور عشقي وليست إسرائيل، إنما مصلحة المملكة العربية السعودية ومصلحة فلسطين، لكن بالنسبة إلى البعض ينبغي الحصول على موافقة السلطان التركي أو الحرس الثوري الإيراني أو المرشد الإخواني المصري عند كل كبيرة وصغيرة. وهؤلاء لا يستحقون احتراما أو اهتماما.
وبالنسبة إلى البعض آخر لهم احترامهم وتقديرهم، يريدون أن يفرضوا على الجميع ثقافة ثبت فشلها. ولو ألزموا أنفسهم بذلك لما اعترضنا، أما أن يفرضوا رأيهم على الجميع فهناك ألف اعتراض ورفض. ما الفرق بين سلوك هؤلاء وبين سلوك القاعديين والدواعش، إذا اختلفنا مع الإسلامويين كفّرونا دينيا، وإذا اختلفنا مع القومويين كفّرونا سياسيا بالخيانة مع أن ساحة السياسة تسع الجميع ويجب أن تستفيد من الجميع.

عن العرب اللندنية

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

فتح ميديا أوروبا