فتح وشجرة العنب

بقلم: سـائـد الكـونـي

منذ الإعلان عن موعد إجراء إنتخابات الهيئات المحلية المزمع عقدها في الثامن من تشرين الأول القادم من هذا العام، والأطر التنظيمية لحركة فتح في حالة إستمزاج لقاعدتها التنظيمية والجماهرية، للخروج بموقف موحد من كوادر الحركة وأنصارها إتجاه هذه الإنتخابات، وهو أمر يُثمن لهذه الأطر ويُحسب لها، وفي إحدى اللقاءات التنظيمية المنعقدة لهذا الغرض خلُص المجتمعون إلى التأكيد على ضرورة الإنضباط والإلتزام الحديدي بما سيصدر عن الحركة رسمياَ في هذا الخصوص، وألمح بعض الحضور إلى ضرورة الإستفادة من التجارب السابقة وممارسة الحق التنظيمي في الفصل والتأديب بحق المنفلشين والمتجنحين وغير الملتزمين، من فوري تذكرت شجرة العنب وتبسمت!
فقبل أيام قليلة وفي فُسحة راحة تجمع مجموعة من الزملاء في مكتب أحدهم، الذي صادف أن أحضر معه باكورة نتاج شجرة عنب لديه، وضيّفنا منه، وأخذنا نتبادل أطراف الحديث حول ثمرة العنب وفوائدها واستخداماتها وطرق زراعة شجرتها والإعتناء بها، وكان مما استفسرت عنه سبب صغر حبة العنب خاصتي لهذا العام مع أنها وبخلاف جميع الأعوام الماضية كان حملها والحمد لله كثير ومنقطع النظير، فأجابني الزميل أن ذاك هو بالضبط سبب صغر حبة العنب لدي، ويعني بذلك الحمل الكثير، وأردف قائلاً أن بعض المزارعين المختصين يقمون في حالات كهذه بتقليل عدد قطوف العنب وتمشيط القطوف المتبقية للتقليل من كثافتها بغرض إفساح المجال لحباتها بالكبر وزيادة حلاوتها، فما كان مني إلا أن ضحكت لدى سماعي ذلك، واستغرب الزملاء من ردة فعلي، ولكني عاجلتهم بتفسير سريع لردة فعلي حيث أخبرتهم أنني كنت أكون في غاية الضيق عندما كانت تهب رياح شديدة في منطقة سكناي مُخلفةً وراءها تساقط الكثير من حُبيبات الحُصرم، حيث كانت تبدو الأرض تحت شجرة العنب وكأنها مفروشة ببساط أخضر، وكنت أفكر جاهداً كيف يمكن أن أقلل من هذا الضرر والخسارة للمنتوج المتوقع، وفهمت الآن بأنه كان الأحرى بي أن أتدخل أيضاً في المساعدة من تقليل الحمل وتهذيبه لأحصل على منتوج ذى حب كبير وحلو المذاق.
عودة لفتح وتاريخ فتح، نشأت كغيري من أبناء جيلي على جدي ووالدي وكبار الحي عندنا يسهرون ليلاً على سماع صوت العاصفة وأخبارها ورسائلها، وخطابات ياسر عرفات أبو عمار، وفي بدايات تفتحنا الذهني كان هنالك خلط في أذهان الكثيرين منا بين فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية، وكأنهما مسميان لشئ واحد، ونشأنا على مقولة أن كل مولود فلسطيني يُولد فتحاوياً بالطبيعة والفطرة، ويجد في نفسه حرجاً في تبرير كونه غير ذلك إن حصل، ففتح كانت وما زالت تعني في أذهاننا الشعب، والشعب يعني فتح، وخلاصة ذلك أن فتح هي الحاضنة لكافة مكونات الشعب الفلسطيني، وبات من الطبيعي والبديهي أن تجد فيها المُؤطر أو المنُظم والكادر، ولكن أيضاً المنُاصر أو ابن الشارع العادي الذي لا تقيده الضوابط التنظيمية، وهنا تكمن مشكلة الإنضباط في فتح، فكيف يمكن لمناصر أو عضو غير مؤطر أن ينضبط أو يُعاقب؟
مشكلة عدم الإنضباط تفاقمت منذ نشوء السلطة الوطنية الفلسطينية، والتي شكلت ولا زالت تشكل فتح عمادها ، وما رافق هذه الفترة الزمنية من تضخم الإنتماء لفتح بغرض الحصول على نصيب من الكعكة أو التركة، ونسينا أوتناسينا نصيحة الشهيد القائد الرمز الياسر أبا عمار لنا بعدم مغادرة الجبل وضرورة حماية الثورة ومكتسباتها وعدم الإنشغال بالثروة وجمعها.
والحال كذلك فإن الهزات التي تعرضت وتتعرض وستتعرض لها فتح لن تسقط برأي ولن تُنهي فتح، بل ستكون سبباً في تساقط الكثيرين من المتشدقين باسمها والمنتفعين منها والمتسلقين عليها وبها، ولن يضر الحركة تساقطهم قيد أنملة، بل على النقيض من ذلك سيدعم ويقوي حبات العنب الراسخة والمؤمنة بالفكرة والقضية، والتي تعطي دون مقابل، ولديها الإستعداد والدافعية للبذل والعطاء والتضحية في النفس والروح والجسد والغالي قبل الرخيص لفكرة آمنت بها وتموت لأجلها، ويحضُرني في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: “لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء، حتى يأتيهم أمر الله. وهم كذلك”، قالوا: يا رسول الله وأين هم؟ قال: “ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس”.
وأنهي بالقول أن لا نجاح يدوم ولا فشل يطول، وأذُكر بأن طيب رجب أردغان رشحه حزب الرفاه في عام 1989 لانتخابات بلدية باي أوغلو، وخسرها، ولكن لم تكن هذه الخسارة سبباً في تخليه عن حزبه أو ثنيه عن تحقيق هدفه في خدمة فكره وقضيته وشعبه، ليأتي ترشيحه مرةً أخرى من قبل حزبه بحلول عام 1994 لمنصب عمدة إسطنبول، ويحقق فوزه الكاسح، وهو اليوم القائد القوي في تركيا.
وما زال في الوادي حجارة…

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

فتح ميديا أوروبا