مضامين التعبئة الفكرية في “الاخوان المسلمين” و”حماس” (الضحية)

في التفكير السياسي للإخوان المسلمين عامة، (1) والتفكير السياسي لحركة “حماس”منذ أن كتبنا ورقة أولية عام 2000 الى اليوم بعد أعوام طويلة بقي الكثير من (الثوابت القطعية) على حاله كما أكدته الأيام ، وما ظنته “حماس” كما ظنه “الاخوان المسلمين” عامل (بناء) أو (تماسك) للتنظيم ، وإن هو كان كذلك أحيانا، فانه ظهر كعامل (هدم) وعامل (نفور) بعد إمساكهم بالسلطة، ونقصد استيلاء حماس عبر ما أسمته (الحسم العسكري) في غزة عام 2007 على السلطة وتسلم الاخوان المسلمين للسلطة في مصر لمدة عام يتيم في 2012

الجماهير انفضت عن الوهج الذي كان يغلف (مطاطية) الفكر الإخواني الملبس بالدين والذي نشر في العالم امتلاكه لمشروع (جهادي) في فلسطين سرعان ما تهاوى مع أمساك حماس بالسلطة عام 2007 بالقوة ثم مطاردة (المقاومين) من خلال الاتفاقيات مع الاسرائيليين على صيانة حدود غزة خاصة بعد العدوان الصهيوني عام 2012.

انفضت الجماهير عن إخوان مصر في نفس العام الذي حكمت فيه، لأن عباءة الاسلام الفضفاضة التي لبسوها لم تنجح أن تغطي على ترهل الجماعة وضعفها العملي وسلبياتها الكثيرة ، كما لم تستطع (التعبئة) التي دامت لـ 80 عاما أن تفرز تنظيما حديديا لا تلين له قناة ، أو أن تغطي على أوهام ما أسموه “مشروع النهضة” في دعايتهم الانتخابية أو (المشروع الاسلامي) في مصر (كانت الدعاية الانتخابية لحماس في فلسطين عام 2006 تحت قوانين اتفاق “أوسلو” واضحة ومتناقضة مع عنوان قائمتها التي أسميت التغيير والإصلاح) الذي طرحوه ولم يظهر في أي من ممارساتهم التي سرعان ما كشفت تعطشا مذهلا للسلطة، وكأن “التمكين” أو ما أسماه المعارضون في مصر “الأخونة” وفي فلسطين “الأسلمة” الجبرية قد أصبح ممكنا وواجبا ولا مَن يصده كما تهيأ لهم.

إننا في هذه الاضافة للمادة السابقة سنتعرض لـ 10 نقاط فقط هي أساسية نظنها تستخدم عبر الزمن وسائل أو آليات أومضامين وسبل التعبئة (2) والتحريض الداخلي والتربية والخطاب التي اتبعتها جماعة الإخوان وفروعها التي منها “حماس”، إذ أن الخطاب سواء الدعوي أو السياسي لم يكن موحدا لدى الجماعة وحماس، بل ارتبط في حقيقة الأمر بالفئة المستهدفة (أعضاء / مناصرين / جماهير / الاقليم / العالم….) وبالموقف، وإن احتفظ بسمات عامة تمثل حقيقة الفكر الاخواني كمضمون وكآليات ما سنورده أدناه.

أولا : المظلومية والضحية:

اجتهدت “حماس” كما “الاخوان المسلمين” في اظهار حجم الاضطهاد أو القمع الذي أصابهم سواء في فترات حكم الرئيس جمال عبد الناصر في مصر ومن تبعه ، أو في حماس في سجون السلطة الوطنية الفلسطينية (رغم استخدام ياسر عرفات أبوعمار معهم سياسة الباب الدوار كما أسماها الاسرائيليون أي يدخلون من باب ويخرجون من آخر فلا يسجنون فعليا)، أو من خلال تكرار اسطوانة أنهم تحصلوا على السلطة شرعيا في فلسطين عام 2006 ولم يسمح لهم العالم بممارسة السلطة لذلك فان الآخرين هم من انقلبوا عليهم وليس العكس، فهم الضحية دوما.

وتأتي فكرة المظلومية كأسلوب تعبوي مثمر (خاصة داخليا) استطاع الاخوان المسلمين من خلاله أن يلعبوا بإتقان دور الضحية أمام الجلاد، وهذا الجلاد الذي مثّل الحكومات المتعاقبة التي تعقبت قيادات وكوادر الاخوان وزجت بهم بالسجون طوال كافة العهود في مصر، فهم دوما ضحايا مع ما يعنى ذلك من إنكار مستمر لأي دور لهم فيما حصل لهم بمعنى أن عقلية الاعتراف بالخطأ أو المراجعة أو النقد الذاتي لم تكن من آليات العمل في التنظيم الذي لم تظهر فيه المراجعات إلا من عدد من قياداته تلك التي انفصلت عنه أمثال د.عبد المنعم أبو الفتوح وأبو العلا ماضي وكمال الهلباوي ومختار نوح وثروت الخرباوي، وفي كثير من قيادات التنظيمات التي انسلخت عن الاخوان مثل الامام محمد الغزالي والشيخ محمد متولي الشعراوي، أو عاشت في ثوبها ثم غالت (تطرفت)، لكنها عادت لتمارس المراجعات كما حصل مع عبود الزمر والشيخ ناجح ابراهيم والشيخ نبيل نعيم.(3)

فكرة المظلومية شكلت عامل تماسك داخلي في الجماعة أزاحت عن قيادتها تحمل عبء اتهامات التقصير أو الفشل أو السقوط فنزهتها لسبب الربط المحكم بين الفكرة والقيادة والقيم حيث لا يمكن لعابد راكع قائم أن يقصّر أو يكذب أو يفشل لتصبح النظرة للشكل علامة ثقة وليس النظرة للفعل أو نتائج الفعل.

لا جدال أن (مظلومية) الحسين في التاريخ الاسلامي الشيعي خاصة منذ الدولة العباسية كان لها عامل تماسك وبناء من قبل تيارات الشيعة المختلفة، والتي استخدمها الساسة لاحقا ولعبوا عليها في مراحل تاريخية عدة أبرزها عندما تولى الصفويون حكم ايران فشيعوا أهلها بالقوة وفرضوا مظاهرا وطقوسا لا يقرها كل الشيعة، ولكنها على علاتها أدت للحفاظ على المذهب بشكله الصفوي وحفظت الحكم مقابل ذاك النموذج العلوي المغاير كما يقول المفكر الاسلامي الشيعي الكبير علي شريعتي (4)

إن منطق المظلومية في التاريخ استطاع أن يحافظ على التماسك من جهة وأن يشوه صورة الآخر من جهة أخرى بل واستطاع أن يرسم أوهاما وأحلاما وينظر لها على أنها حقائق كما فعل اليهود في (مظلوميتهم) كمثال واحد، لربما استفادت منه التنظيمات السرية ومنها الاخوانية.

إن منطق الابتلاء منطق اسلامي يبتلي فيه رب العزة المؤمنين ويختبرهم ليس ليستظلوا بذلك ضمن فكر التسيير ، وانما ليعودوا لصوابهم وعقلهم ويتفكروا فيما اقترفوا فيعالجون أخطاءهم ويتوبون عن خطاياهم ، وهو ما كان يوما غطاء للفشل أو غطاء للتقصير أو غطاء يتم عبره تجنب النقد والاستغفار والتعلم من التجارب ، لكنه كذلك في فكر وآليات التعبئة في “الاخوان” ـ فالابتلاء من الله وهو حكما مرتبطا بصحة المنهج الاخواني من جهة وما ينبثق عنه من مواقف ، ويرتبط بأن الآخر هو عدو الجماعة أي عدو “المشروع الاسلامي” أي عدو الاسلام ، وعليه فان هناك مؤامرة تقع على الاخوان من مخالفيهم وعلى “حماس” من كافة الاتجاهات كما دأب كثير من قادتها ومتحدثيها على التكرار.
ان التعبئة الخطرة في عملية استخدام (المظلومية) و(الابتلاء) الرباني و (المؤامرة) الكونية تستدعي إما (السُكون) و(المَوات) أو السُبات، وهي الحالة التي صاحبت إخوان فلسطين فترة طويلة امتنعوا فيها عن الثورة والجهاد والمقاومة (من العام 1948-1988)،وقد تستدعي الموت المقدس (الشهادة) في سبيل الاسلام وهو الموت في سبيل الجماعة حال “التمكين”.

الحواشي:

(1) يقول حسن البنا حسب ما هو وارد نصا في موقع الاخوان المسلمين الرسمي حول (فكرة الإخوان المسلمين تضم كل المعاني الإصلاحية) ما يلي: كان من نتيجة هذا الفهم العام الشامل للإسلام عند الإخوان المسلمين أن شملت فكرتهم كل نواحي الإصلاح في الأمة، وتمثلت فيها كل عناصر غيرها من الفكر الإصلاحية، وأصبح كل مصلح مخلص غيور يجد فيها أمنيته، والتقت عندما آمال محبي الإصلاح الذين عرفوها وفهموا مراميها، وتستطيع أن تقول ولا حرج عليك، أن الإخوان المسلمين:

1-دعوة سلفية: لأنهم يدعون إلى العودة بالإسلام إلى معينه الصافي من كتاب الله وسنة رسوله.

2-وطريقة سنية: لأنهم يحملون أنفسهم على العمل بالسنة المطهرة في كل شيء وبخاصة في العقائد والعبادات ما وجدوا إلى ذلك سبيلا.

3-وحقيقة صوفية: لأنهم يعلمون أن أساس الخير طهارة النفس، ونقاء القلب، والمواظبة على العمل، والإعراض عن الخلق، والحب في الله، والارتباط على الخير.

4-وهيئة سياسية: لأنهم يطالبون بإصلاح الحكم في الداخل وتعديل النظر في صلة الأمة الإسلامية بغيرها من الأمم في الخارج، وتربية الشعب على العزة والكرامة والحرص على قوميته إلى أبعد حد.

5-وجماعة رياضية: لأنهم يعنون بجسومهم، ويعلمون أن المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف، وأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن لبدنك عليك حقا) .. وأن تكاليف الإسلام كلها لا يمكن أن تؤدى كاملة صحيحة إلا بالجسم القوي، فالصلاة والصوم والحج والزكاة لا بد لها من جسم يحتمل أعباء الكسب والعمل والكفاح في طلب الرزق، ولأنهم تبعا لذلك يعنون بتشكيلاتهم وفرقهم الرياضية عناية تضارع وربما فاقت كثيرا من الأندية المتخصصة بالرياضة البدنية وحدها.

6-ورابطة علمية ثقافية: لأن الإسلام يجعل طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة، ولأن أندية الإخوان هي في الواقع مدارس للتعليم والتثقيف ومعاهد لتربية الجسم والعقل والروح.

7-وشركة اقتصادية: لأن الإسلام يعنى بتدبير المال وكسبه من وجهه وهو الذي يقول نبيه صلى الله عليه وسلم: (نعم المال الصالح للرجل الصالح) .. ويقول: (من أمسى كالا من عمل يده أمسى مغفورا له) … (إن الله يحب المؤمن المحترف).

8-وفكرة اجتماعية : لأنهم يعنون بأدواء المجتمع الإسلامي ويحاولون الوصول إلى طرق علاجها وشفاء الأمة منها.

وهكذا نرى أنشمول معنى الإسلام قد أكسب فكرتنا شمولا لكل مناحي الإصلاح، ووجه نشاط الإخوان إلى كل هذه النواحي، وهم في الوقت الذي يتجه فيه غيرهم إلى ناحية واحدة دون غيرها يتجهون إليها جميعا ويعلمون أن الإسلام يطالبهم بها جميعا.

ومن هنا كان كثير من مظاهر أعمال الإخوان يبدو أمام الناس متناقضا وما هو بمتناقض.

فقد يرى الناس الأخ المسلم في المحراب خاشعا متبتلا يبكي ويتذلل، وبعد قليل يكون هو بعينه واعظا مدرسا يقرع الأذان بزواجر الوعظ، وبعد قليل تراه نفسه رياضيا أنيقا يرمي بالكرة أو يدرب على العدو أو يمارس السباحة، وبعد فترة يكون هو بعينه في متجره أو معمله يزاول صناعته في أمانة وفي إخلاص. هذه مظاهر قد يراها الناس متنافرة لا يلتئم بعضها ببعض، ولو علموا أنها جميعا يجمعها الإسلام ويأمر بها الإسلام ويحض عليها الإسلام لتحققوا فيها مظاهر الالتئام ومعاني الانسجام، ومع هذا الشمول فقد اجتنب الإخوان كل ما يؤخذ على هذه النواحي من المآخذ ومواطئ النقد والتقصير.

كما اجتنبوا التعصب للألقاب إذ جمعهم الإسلام الجامع حول لقب واحد هو “الإخوان المسلمون”.

(2) التعبئة الداخلية هي عملية تهيئة وإدخال للأفكار المرجعية الممثبة لأعمدة البناء التربوي التثقيفي للجماعة ، في وعي ولا وعي الأعضاء والأنصار.

[3] أعتبر العضو المنشق عن جماعة الإخوان المسلمين إسلام الكتاتني في 15/10/2013 أن الفكر الكاذب لأعضاء الجماعة وقياداتها عن امتلاكهم للحقيقة المطلقة عن صحيح الدين، فضلاً عن عيشهم في فكرة الضحية والمظلومية وتضخيم الأمور والقضايا، وترسيخ فكرة الفصل بين الوطن والدين أهم الأسباب التي أدت إلى سقوطهم. واتهم الكتاتني، في حوار مع برنامج «صباح أون» جماعة الإخوان بالسير خلف المصلحة وليس المبدأ، مستشهداً بقيامهم بنسب ثورة 25 يناير لصالحهم في الوقت التي قامت فيه الجماعة بالتنديد بمظاهرات 30 يونيو التي أطاحت برئيسهم المعزول محمد مرسي.

(4) د.علي شريعتي، التشيع العلوي والتشيع الصفوي، دار الأمير، بيروت، 2007

بقلم: بكر ابو بكر

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

فتح ميديا أوروبا