إبراهيم جوهر: الكتابة بالنسبة لي متنفس ومواجهة القبح بالجمال

ضيف وفا (10)
يامن نوباني
ينغمس إبراهيم جوهر المولود في جبل المكبر بمدينة القدس عام 1957، في كل تفاصيل الواقع الفلسطيني، يكاد لا يترك واقعة إلا ويكون له بها رأي، فهو التربوي والمحاضر والمثقف والكاتب، تعنيه القدس بكل ما فيها من جمال وبؤس وبراءة وقهر، فيوثق يومياتها في “يوميات مقدسية”.

يقول: “ليت لي أكثر من نسخة وأكثر من روح وجسد لأتواجد في أكثر من مكان واحد وألبّي دعوة كل داع لاحتفال أو مناسبة”.

يكتب في مقالاته المشهد الثقافي، قديما وحديثا، يقارن ويتمنى ويناجي، ويصرخ إن تطلب الأمر، يشير إلى ما صار عليه الحال والمكان والزمان والأدب، إلى ما صارت عليه قرى ومناطق جغرافية كثيرة، وعن الاستيطان الذي يغير سريعا في الواقع، عن الهم الوطني والبلاد الآخذة في الضيق، يكتب تلاقي الانسان بذاته، وعن الفزع الذي يحيطنا، عن رحيل الأعزاء للأبد، وغياب آخرين في دورة الحياة، وحين يقبض على الفرح فإنه يتشبث به ويطيرا سوية عاليًا.

يسأل أسئلة تقوده إلى الغايات والطمأنينة، بحثا عن الرضى الذاتي، قائلًا: السائل إنسان يهمّه الاستقرار ولا استقرار بلا أسئلة.

الكاتب المقدسي جميل السلحوتقال في جوهر: ليس بحاجة الى تحريضه على الكتابة، فهو يخوض غمار الكتابة الابداعية منذ كان طالبا في المرحلة الثانوية، ونشرت له بعض الصحف المحلية في حينه، لكنه بحاجة الى الوقت ليفرغ نتاج مخزونه الثقافي على الورق، فسعيه خلف رغيف “الخبز المرّ” كما غيره من مبدعي الوطن الذبيح يستنزف وقته وجهده.

حول ابراهيم جوهر ومنجزه الأدبي، ودوره في إثراء الذاكرة العربية والفلسطينية والمقدسية، حاورته “وفا”:

ما هو مكانك الحميمي الأول؟

المكان الأقرب إلى القلب والذاكرة هو غرفة بيتنا الوحيدة (غرفة العقد) القديمة ذات الجدران السّميكة التي احتوتنا جميعا إخوة وأخوات ووالديْن، واستخدمت لأغراض المعيشة جميعها من طبخ واستحمام ونوم واستقبال ضيوف. هناك ولدت ودرجت وحللتُ مسائلي الأولى ونسخت درس “راس روس” من كتاب خليل السّكاكيني للصف الأول الابتدائي.

حين يضيق العالم بإبراهيم جوهر أين يذهب؟

العالم يضيق بي ويحاصرني في كل لحظة، وأقسى لحظات الحصار أشعر بها فور ورود الفكرة وهذا الإلحاح للكتابة. وحين يحاصرني الحصار هذا ويضيّق الخناق أواجهه بالكتابة: الكتابة بالنّسبة لي متنفّس وخروج من طوق العزلة، ومواجهة القبح بالجَمال.

يبدو من خلال كتاباتك حزنك العميق على الوضع الثقافي في القدس، كيف تفسر المشهد الآن؟

المشهد الثقافي في القدس يدعو للحزن ويشعرني بالتقصير على المستوى الشخصي والمستوى العام الرسمي والشعبي. القدس تضيع ثقافيا بالتوازي مع الضياع التهويدي وأسرلة المؤسسات وثقافة الناس، من الشباب على وجه الخصوص، ولا يكفي النظر إلى عدد من الأفراد والأنشطة التي لن تسدّ الفراغ ولا تؤسس لثقافة تقي وتؤصّل وتقود.

هل ما زال الأدب الفلسطيني قادرا على أن يكون وسيلة مقاومة، أم أن الظروف تبدلت، هل ترى أملا في التغيير بالفعل الثقافي؟

الأدب بالتأكيد ما زال وسيبقى مقاوما، يقاوم الجهل والتّخلّف والقبح. يقاوم الآخر غير المنسجم معك حتى لو كان هذا (الآخر) آخرنا الكامن فينا… الأدب المقاوم لا ينحصر مفهومه في لون واحد ونغمة وحيدة تسير باتّجاه واحد وتحلّق في سماء واحدة. إنه فعل مقاومة لكل ما هو رديء وسيّئ وظالم وقاسٍ.
نعم، نعم. الفعل الثقافي قادر على التّغيير بل هو أساس التغيير نحو الأكثر جمالا وحياة وفرحا. والفعل الثقافي كما أفهمه لا يقتصر على الأدب وحده، بل يشمل الموسيقى والمسرح والتربية والقيم والفن التشكيلي والتصوير الفوتوغرافي للطبيعة والناس والفولكلور.

أنت واحد من مؤسسي ندوة اليوم السابع، المستمرة في عطائها الثقافي منذ العام 1991، ماذا أعطتك التجربة؟

تجربة “ندوة اليوم السّابع” في القدس وفّرت لي على المستوى الشخصي التواصل مع المهتمين وأشعرتني بأهمية العمل وصدق التوجّه وأطلعتني على المزيد من الإنتاج الأدبي المحلي. كما قادتني لتنمية المفهوم النقدي وأسعدتني بنقل الخبرة والتجربة للآخرين معي في الندوة وفي المدن الأخرى التي نشطت للبناء الثقافي على غرار ندوتنا، في الخليل وطولكرم ورام الله وبيت لحم.

الكاتبة المقدسية نزهة أبو غوش: في يوميات مقدسية يكتب جوهر القدس والإنسان، تكاثفت اليوميّاتُ بروح القدسِ ونفَسِها وعبيرِها، إِذ يكاد القارئ عن بعدٍ أن يشتمّ رائحة القدس، يشعر بألمها وحصارها، وتقليصها، وتهويدها، وتهميشها وفصلها بجدار عنصريّ عن المدن الفلسطينيّة، وبناء الحواجز وغلق البّوّابات.

تبدو عصبيا وحادا في بعض الأحيان، ما الذي يجعل جوهر مستاء إلى هذه الدرجة؟ ما الذي يقلقك “ثقافيا”؟

يبدو أن بعض أصدقائي في الندوة سرّب لك هذا السؤال!

عصبيتي لا تكون إلا بعد موقف ما أو عدم فهم المقصود، أو بعد التمترس وراء الخطأ في الفهم… قد أكون مخطئا في حدّيتي وعصبيتي هذه لكنها – ربما– تعبّر عن غيرة على المشهد بشكل عام.

يقلقني هذا الموات والركون والخمول. يقلقني رؤية الذّات وهي منفوخة ومتورّمة ومن يظن الورم سمنة… يقلقني العمل غير الخالص لوجه الله والقدس والصدق.

قارنت في “أهل الجبل” بين الخليل ورام الله، البنية الجغرافية والتاريخ والمكان والشخوص، علاقتنا بالمدن وانتماءاتنا إليها، وشهدت الرواية أحداث كثيرة من صلب الواقع الفلسطيني المعاش، حرب غزة، حاجز الكونتينر، ودير ياسين المستمرة.. ما الذي يريده ابراهيم جوهر من أهل الجبل؟ هل قسى على رام الله وانحاز للخليل، أم أنه الواقع؟

“أهل الجبل” هي رواية الفكرة. والفكرة تأخذ من الجبل إيحاءاته وصداه وروحه. الجبل العالي الذي نحلم به.

والجبل في “أهل الجبل” يشمل جبل الخليل التي هي جبال عالية وذات مروءة وصدق وعناد وكَرَم وكُروم ، وهي – بمعنى أكثر برودا- ليست واقعيا على هذه الدرجة المصوّرة في الناس والأحداث، لكنها الفكرة.

و”رام الله” على النقيض تماما رغم ما فيها من جمال وأصالة وثقافة ومقاومة.

فقط هي فكرة المقارنة بين حدّين لتوضيح الصورة وتعميقها، ففي رام الله روح أهل الجبل، وفي أهل الجبل تصرفات وتطلعات رام الله، أحيانا كثيرة.

الشاعر رفعت زيتون: ينشر جوهر فكرة اليوميات على طلابه أينما حلّ، حاثّا إياهم على خوض التجربة لبناء صداقة من نوع آخرَ بين الطالب ودفتره إذا عزّ الصديق يومًا.

هل تمتلك عزلة خاصة أثناء القراءة والكتابة؟

القراءة حياة لا تقبل الزّحام فتنفر منه باحثة عن أفقها الخاص. وكذا الكتابة التي تتقافز فيها الأفكار فلا تقبل اللعب في ساحة يشاطرها غيرك فيها.

من خلال تجربتك ومتابعاتك للأقلام الشابة، وأنت من الداعمين لها، هل تشعر أن الوضع مطمئن، أم يقلقك المستقبل؟

أرى أن الجيل الجديد يكتب حياته ورؤيته بلونه الخاص المتمرّد الباحث عن هويته، وفي هذا المسعى أنا أشجّع وأتمنى أن ينجح في ما فشلنا فيه نحن.

المشكلة التي تستوقف المتابع لكتابات الجيل في عمومها هي البحث عن الذّات والتمركز حول القضايا الخاصة بعيدا عن الواقع الاجتماعي الذي يحضر بهدف نقضه وانتقاده.

هناك أقلام مبهرة في وعيها ولغتها وأفكارها وأسلوبها، وهناك ما هو أقلّ حظا من النجاح، وهناك ما يحتاج للمزيد من المطالعة والعناية باللغة.

اللغة والتعامل معها فنيّا هي المشكلة الأكثر بروزا في كتابات الجيل.

صدر لإبراهيم جوهر: الديك المغرور: “قصة للأطفال” 1986، الأرض في القصة القصيرة الفلسطينية: “دراسة” 1987، تذكرة سفر: “مجموعة قصص قصيرة”، 1988، الثقافة والانتفاضة: “دراسة مشتركة” 1990، سر الغولة: “مجموعة قصص للأطفال” 1998، قمر سعاد: “قصة للأطفال” 2004، صفاء تسأل ايضا “قصة للأطفال” 2005، يوميات مقدسية 2013، رواية أهل الجبل 2015.

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا