أوسلو.. ما أنجزنا .. وما فشلنا في تحقيقه!!

بقلم: وفيق زنداح

تقييم مرحلة تاريخية واستخلاصات تجربة وطنية، وابداء الرأي والتحليل حول اتفاقية اعلان المبادئ يحتاج الي نظرة شمولية تحليلية نابعة من رؤية وطنية خالصة لا تستند لرؤية حزبية ضيقة، تأخذنا الي مربع هذا الحزب او ذاك، وتبعد بنا عن دائرة الوطن وما تم تحقيقه وما تم الفشل في إنجازه.

أن نذهب بالتحليل الي رفض قاطع لأوسلو وتبعاتها ونتائجها أو نظرة مؤيدة لأوسلو ونتائجها وتوابعها وما نتج عنها حتي الان أرى في الحالتين أن التحليل قاصر وجزئي ولا يحمل رؤية شمولية أو نظرة تحليلية يمكن أن نستفيد منها أو نبني عليها أو نستخلص العبر من نتائجها.

حقيقة ما جرى منذ التوقيع على هذه الاتفاقية في عام 93 وما بعدها من مراحل سياسية كانت بدايتها تأسيس أول سلطة وطنية فلسطينية وعودة الآلاف من قياداتنا وكوادرنا وأهلنا من أبناء ثورتنا الفلسطينية، كما كانت البداية غزة أريحا أولا كمرحلة أولي، وما بعد ذلك من مرحلة ثانية تم فيها اعادة الانتشار بباقي محافظات الشمال وتم العمل على استكمال إعداد وتأسيس مؤسساتنا الوطنية واجهزتنا الامنية من قياداتنا وكوادرنا من أبناء الحركة الاسيرة الذين أمضوا سنوات طويلة داخل السجون والمعتقلات الاسرائيلية كما جري بالمحافظات الجنوبية.

اتفاقية اوسلو بمراحلها الثلاثة المنصوص عليها وآخرها المرحلة الثالثة التي كان يجب تنفيذها في شهر مايو 99 والتي لم ينفذ منها شيء يذكر، على اعتبار أنها كان يجب أن تمثل المرحلة الاخيرة من هذا الاحتلال التي سيتم من خلالها اعلان الدولة الفلسطينية المستقلة بعاصمتها القدس بعد أن يتم الانتهاء من الملفات التفاوضية النهائية التي سيتم انجازها كما كان مقررًا كملف القدس واللاجئين والحدود وغيرها.

من هنا هل سيكون التحليل وفق الموقف الاسرائيلي غير الملتزم بتنفيذ الاتفاقية وما تم ممارسته على ارض الواقع من تجاهل لها من استيطان طال الكثير من المناطق ومن تصريحات اعلامية ومواقف سياسية تؤكد على تجاهل الحقوق الوطنية الفلسطينية من خلال تضليلهم وتأكيدهم على حقهم بالاستيطان وبالقدس كعاصمة أبدية للدولة العبرية وعدم امكانية وجود دولة فلسطينية وعدم القبول بفكرة العودة.. تصريحات ومواقف كثيرة ومتعددة هل سيتم التحليل بناء عليها؟؟.

أم أن التحليل سيأخذنا الي حيث نريد من حقوق وما نؤكده من ثوابت وما نضحي من أجل تحقيقه وما تتحرك قيادتنا الفلسطينية عليه عبر كافة القارات والدول والعواصم لأجل تحقيقه والاستفادة القصوى من كافة المؤتمرات والملتقيات والاجتماعات لإيصال صوت فلسطين ورسالتها الوطنية الثابتة والتي حققت الكثير من المكاسب السياسية والدبلوماسية، بل جعلت من اسرائيل كيانًا محاصرًا ومنبوذًا بفعل مواقفها المتعارضة والمتناقضة مع قرارات الشرعية الدولية، وبفعل جرائمها وارهابها المنظم ضد شعبنا وسلطتنا وقيادتنا.

هناك فرق كبير وشاسع كما أن هناك تناقضًا يمكن أن يكون بحسب منطلقات التحليل والرؤية وشموليتها، فإذا كنا نبني تحليلنا على اسرائيل ومواقفها سندعو على اوسلو بالسقوط، واذا كنا نبني تحليلنا على ما نريد تحقيقه وما يجب ان نقوم به وما يجب أن نتوحد من أجله سنجعل من أوسلو التي لا تلتزم بها اسرائيل أرضية انطلاق، وسلطة قوية رغم حصارها لتحقيق وتجسيد دولة فلسطينية بمؤسسات وطنية وبعاصمة معترف بها من الغالبية العظمي من دول وشعوب العالم ومؤسساته.

هذا الفرق في التحليل وتحديد المواقف يجعلنا بصورة دائمة نخلط بأمورنا وقضايانا، الا اذا كان البعض منا يؤكد معارضته بناء على الموقف الاسرائيلي وعدم التزامه ببنود الاتفاقية، وما اتخذته اسرائيل عبر حكوماتها المتعاقبة ضد استمرار تنفيذ هذه الاتفاقية وجعلها عبئًا إضافيًا للقيادة وللشعب الفلسطيني ومادة وأرضية خصبة لاستمرار النقد والتشهير والتجريح لكل من هو مؤيد لهذه الاتفاقية بأهدافها التي نسعي لتحقيقها وليس بأهداف اسرائيل الخبيثة التي تسعي لترسيخها على واقع الارض.

سياسة اسرائيلية واضحة ولا تحتاج الي المزيد من الشرح والتحليل، كما أن عدم التزام دولة الكيان بالاتفاقية والقرارات الدولية وحتي بالمطالب والمبادرات الفلسطينية والعربية والدولية انما يؤكد على عزلة اسرائيل وتناقضها مع القرارات الأممية والمؤسسات الدولية، والذي يدين سياساتها وممارساتها الاحتلالية الاستيطانية والارهابية.

اسرائيل تؤكد على الدوام أنها دولة فوق القانون وتمارس سياساتها على هذا الأساس، وتبني مواقفها حتي السياسية والدبلوماسية وفق منظومتها السياسية الداخلية وائتلافها الحزبي الحكومي وانحياز الولايات المتحدة لها باعتبار أن هذا الانحياز يدعم التطرف ليزيد من قوة البطش والعدوان كما ويزيد من مساحة التعنت وعدم الالتزام بالقرارات الدولية.

هذا هو واقع الحال في معادلة الصراع فمن يستطيع أن يحدث التغيير في هذه المعادلة عليه أن يعلن عن خطواته التي يمكن البناء عليها لإحداث انقلاب في معادلة السياسة الدولية لتأخذ خطواتها الفعلية والعملية لأجل الزام اسرائيل بالتسوية السياسية المنصوص عليها بكافة المبادرات والقرارات العربية والأممية.

القيادة الفلسطينية وللأمانة التاريخية والوطنية استطاعت أن تحقق العديد من النقاط على طريق انجاز مشروعنا الوطني من خلال صلابتها ومثابرتها وتحركها الدائم الذي أحدث التغيير في بعض مفاصل معادلة السياسة الدولية، وما أحدثه من مواقف عالمية وأوروبية وما تم تحقيقه من اعترافات دولية ما زالت مستمرة، وما يجري العمل عليه لعقد مؤتمر دولي بباريس في نهاية العام الحالي وما أكده الرئيس عبد الفتاح السيسي من خلال مبادرته على استعداده للمساعدة الفعالة لإنهاء هذا الصراع، وتحقيق حلم الدولة الفلسطينية وتعزيز الامن والاستقرار بالمنطقة والفرصة التاريخية بحضور الرئيس السيسي للأمم المتحدة بدورتها الجديدة وحتي ترأسه لجلسة مجلس الأمن باعتبار أن مصر عضو غير دائم وتمثل العالم العربي والأفريقي.

القيادة الفلسطينية باعتمادها خيار السلام إنما تؤكد برسالتها الفلسطينية وعبر كافة المنابر والمؤتمرات والعلاقات الثنائية أن طريق السلام العادل هو الطريق الافضل لتحقيق الامن والاستقرار، وأن استمرار القيادة بالتمسك باتفاقية أوسلو رغم عدم الالتزام الاسرائيلي بها هو رغبة بالسلام وحتي لا تتهدد المنطقة بأكثر مما هي عليه من مخاطر الارهاب والحروب.

الرسالة الفلسطينية لم ولن تكون رسالة استجداء كما أنها لن تكون رسالة تسوية على حساب حقوقنا وأماني شعبنا بل أنها رسالة وطنية فلسطينية جامعة ومجمع عليها وتعبر عن مجمل قرارات مجالسنا الوطنية والمركزية والتي تؤكد على ثوابتنا وحقنا بتقرير المصير واقامة دولتنا الفلسطينية المستقلة بعاصمتها القدس.

لقد انجزنا ما يمكن انجازه وفق معادلة الحالة الداخلية الفلسطينية ووفق معادلة الحالة العربيةووفق معادلة الحالة الدولية وما تم الفشل في تحقيقه تتحمل مسئوليته دولة الكيان ومن قصر في اتخاذ خطوات شجاعة وجدية باتجاه تحقيق التسوية داخل المنطقة.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

فتح ميديا أوروبا
Exit mobile version