الغارة الإسرائيلية على سورية ورسائلها

بقلم: صادق الشافعي

الغارة الإسرائيلية على جنوب سورية تثير من التساؤلات عن الأهداف من ورائها أكثر مما تثيره من الأسئلة حول حقيقة سقوط طائرة/ طائرتين إسرائيليتين. الغارة جاءت، حسب الادعاء الإسرائيلي، ردا على قذيفة مدفعية سقطت عليها من الأراضي السورية دون اي تأكد من حقيقة سقوطها ولا مكانه ولا من هي الجهة التي أطلقتها، ودون الحديث عن أية أضرار أوقعتها. إذاً لماذا كانت الغارة؟ ولماذا جاءت بهذا التوقيت؟ يلفت النظر لجهة التوقيت: إنها حصلت بعد سكون على الجبهة السورية الإسرائيلية استمر لما يقرب من عام. بما بدا وكأنه جاء نتيجة اتفاق ضمني بين إسرائيل والاتحاد الروسي بعد بدء التدخل العسكري الروسي في سورية بطلب من الحكومة السورية والاتفاق معها، وبعد ان اصبح للطيران الروسي حركة نشطة في منطقة الحدود. وانها جاءت في اليوم الأول لسريان مفعول الاتفاق الأميركي الروسي على وقف لإطلاق النار في سورية في أول أيام عيد الأضحى وبعد ان كانت الحكومة السورية أعلنت موافقتها عليه، وكذلك قوى المعارضة الأساسية شبه الرسمية- ما يطلق عليه المعارضة غير الإرهابية. هذا ما يفسح المجال للاجتهاد ان الهدف الإسرائيلي الأساسي من الغارة كان توجيه رسائل الى اكثر من طرف. لكن رسالة سورية على درجة خاصة من النوعية والأهمية قابلت الرسائل الإسرائيلية واعترضت مسارها، وشوشت على بعض أهدافها. الرسالة الإسرائيلية الأولى، إعلان موقف غير مرحب باتفاق وقف القتال في سورية الذي توصلت إليه روسيا وأميركا، لجهة الطريقة والإخراج، ثم لجهة المحتوى. فلجهة الطريقة والإخراج تم تجاهل إسرائيل تماما واستبعاد اي وجود او دور لها ودون ان تتم حتى استشارتها او التواصل معها او إعلامها، في تناقض مقلق لها مع حقيقة وواقع انها طرف فاعل ومعني بكل ما يجري في سورية من اعتداءات وتخريب، وكل ما يخطط لها من تقسيم. واما لجهة المحتوى، فان الاتفاق الذي تم التوصل إليه يحدد فهما وتعريفا جديدين لجبهة النصرة يضعاها في خانة المنظمات الإرهابية، ويقرر نهجاً جديداً في التعامل معها ينسجم مع الفهم والتعريف الجديدين، هو التعامل العسكري، دون الالتفات الى تغييرها لاسمها. وجبهة النصرة هي الأكثر والأقوى تواجدا على المنطقة الحدودية مع إسرائيل وتقيم معها افضل علاقات التفاهم والتجاور، وتقدم إسرائيل لها المساعدات العسكرية واللوجستية وبالذات في المجال الإسعافي والعلاجي لجرحاها. الرسالة الثانية، جاءت موجهة بقوة قصف الطيران الى جبهة النصرة. تعلن تضامن إسرائيل معها ومساندتها لها في رفضها ومواجهتها لترجمات ومفاعيل الاتفاق. الرسالة الثالثة، للولايات المتحدة نفسها حليفتها الاستراتيجية الأولى والاهم في العالم. وهي في جوهرها أولا، رسالة اعتراض واحتجاج بصوت قصف الطائرات، لتجاهلها التام في موضوع الاتفاق وتفاصيله. وثانيا للتأثير، ولو غير المباشر، على مسار المفاوضات حول المعونة العسكرية التي تطلبها اسرائيل من أميركا خلال العشر سنوات القادمة والموقف الأميركي غير المتجاوب تماما مع كامل المطالب الإسرائيلية القصووية. ثم ثالثا، للإعلان بقصف الطيران، بعد الإعلان بالتصريحات الإعلامية، عن رفض إسرائيل للفهم الأميركي لقضية الاستيطان الاحتلالي الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة وطريقة تعاطيها معها. فالخلاف حول هذا الموضوع يأخذ في الفترة الأخيرة شكلاً معلناً تتخوف منه إسرائيل ومن احتمالات تطوره الى مواقف لغير صالحها وبالذات في إطار المنظمات الدولية. وقد وصل الخلاف حول هذا الموضوع الى درجة الانتقادات العلنية المتبادلة. فقد انتقدت واشنطن بشدة في 13 أيلول الحالي تصريحات نتنياهو حول إنشاء دولة فلسطينية. وما أثار تلك الانتقادات الأميركية هو تصريحات نتنياهو التي بثت عبر رسالة مصورة يوم الجمعة الماضي وقال فيها ان المطالبة بإزالة المستوطنات الإسرائيلية ( في الأراضي الفلسطينية المحتلة) يعبر عن «مطلب القيادة الفلسطينية التي تطالب بشكل فعلي بدولة فلسطينية بشرط مسبق واحد وهو عدم وجود يهود، وهناك عبارة واحدة تصف ذلك وهي ( تطهير عرقي)، وهذا الطلب شائن». الرسالة الرابعة، للاتحاد الروسي، تعلن بالقصف الجوي ان اتفاقها الضمني معه له حدود ولا يلغي الاختلاف بين موقفيهما ودوريهما تجاه الحدث السوري بالذات. إسرائيل تعلن بهذه الرسالة رفض تجاهلها وتجاهل مصالحها، كما تعلن رفضها تغيير الأمر الواقع على الأرض السورية، وبالذات في المناطق الحدودية المحاذية لها. وتقدم الرسالة أيضا مؤشراً سلبياً يتعلق بموقفها من الدعوة الروسية الى قمة بين نتنياهو وأبو مازن بمشاركة بوتين نفسه والتي تبدي إسرائيل موقفاً علنياً غير مرحب بالدعوة، ولم تعلن موافقتها على حضورها حتى الآن. أما عن الرسالة السورية المقابلة فقد جاءت على شكل رد فوري من مضادات الجيش العربي السوري. الخلاف بين الإعلان السوري إسقاط المضادات السورية لطائرتين مغيرتين والنفي الإسرائيلي لذلك، لا يغير من حقيقة الرد السوري بما هو تغير نوعي يعبر عن قرار مبدئي بالرد الفوري والتصدي للاعتداءات الإسرائيلية بكل ما يحمله ذلك من أبعاد. يؤكد ذلك ان رئيس أركان الجيش العربي السوري كان في المنطقة في صباح يوم العدوان. ومثل هذا التغيير النوعي لا يحصل الا بناء على قرار سياسي يشمل المواجهة بكل ميادينها ومناطقها، إضافة الى الجاهزية وتوفر الإمكانات، والى الاتفاق والتنسيق المسبقين مع الحلفاء.

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

فتح ميديا أوروبا