أحد الناجين من “صبرا وشاتيلا”: قتلوا عائلتي أمامي.. ورأيت الفرحة في أعين “شارون”

روى ماهر مرعى أحد الناجين من مجزرة “صبرا وشاتيلا”، وهو يصف ما حدث ليلة السادس عشر من سبتمبر 1982، قائلًا: “رأيت الجثث، أمام الملجأ مربوطة بالحبال لكنى لم أفهم، عدت إلى البيت لأخبر عائلتى، لم يخطر فى بالنا أنها مجزرة، فنحن لم نسمع إطلاق رصاص، أذكر أنى رأيت كواتم صوت مرمية قرب الجثث هنا وهناك، ولكنى لم أدرك سبب وجودها إلا بعد انتهاء المجزرة.
كواتم الصوت “تتفندق” بعد وقت قصير من استخدامها، ولذا يرمونها وبقينا فى البيت ولم نهرب حتى بعد أن أحسسنا أن شيئًا مريبًا يحدث فى المخيم.
وأضاف مرعى فى شهادته عن مجزرة صبرا وشاتيلا، أن والداه رفض المغادرة بسبب جارة أتت للمبيت عندنا، وكانت أول مرة تدخل بيتنا، زوجها خرج من المقاتلين على متن إحدى البواخر ولم يكن لديها أحد، فقال أبى لا يجوز أن نتركها ونرحل، كان اسمها ليلى، كانت الجثث التى رأيتها أمام الملجأ لرجال فقط، ظننا أنا ووالدى أن الملجأ كان مكتظًا فخرج الرجال ليفسحوا المجال للنساء والأطفال بالمبيت وأخذ راحتهم، فماتوا بالقصف.
وأوضح مرعى: “كنت ذاهبًا يومها لإحضار صديقة لنا، كانت تعمل مع والدى تبيت فى الملجأ، كانت تدعى ميسر، لم يكن لها أحد هى الأخرى، كان أهلها فى صور أراد أبى أن يحضرها لتبيت عندنا، قتلت فى المجزرة مع النساء والأطفال، رأيت جثتها فى ما بعد فى كاراج أبوجمال الذى كان الكتائبيون يضعون فيه عشرات الجثث، بل المئات. كان المشهد لا يوصف !!! عندما دخل “الإسرائيليون” إلى بيروت الغربية كنا نعتقد أن أقصى ما قد يفعلونه بنا هو الاعتقال وتدمير بيوتنا، كما فعلوا فى صور وصيدا وباقى الأراضى التى احتلوها.
وتابع مرعى فى شهادته عام 2011: “أذكر أننى ذهبت صباح يوم المجزرة – وكان يوم الخميس فى 16 سبتمبر – مع مجموعة كبيرة من النساء والأطفال لإحضار الخبز من منطقة الأوزاعى سيرا على الأقدام (كان عمرى 14 عامًا)، كنا “مقطوعين” من الخبز وليس لدينا ما نأكله، رفض أصحاب الأفران يومها أن يبيعونا، كان الخبز متوفرًا ويبيعونه إلى اللبنانيين فقط مع أنه كان متوفرًا بكثرة”.
وأكمل مرعى: “عدنا إلى المخيم فلم نستطع الدخول، إذ كانت الطرقات المؤدية إلى المخيم جميعها مقطوعة، وكان “الإسرائيليون” يقنصون من السفارة الكويتية باتجاه مدخل المخيم الجنوبى، عند تقاطع هذا المدخل وبئر حسن، كان هناك قسطل مياه مكسور، وكان أهالى المخيم يعبئون منه الماء رغم القنص، رأيت عند قسطل المياه “إسرائيليًا” من أصل يمنى يقتل فتاتين فلسطينيتين، لأنهما وبختا فلسطينيًا أرشد “الإسرائيلي” إلى الطريق التى هرب منه أحد الذين يطاردونهم، هكذا قالت أم الفتاتين التى كانت معهما وهربت عند بدء إطلاق الرصاص. حاول أهل المخيم سحب الفتاتين فقتل رجلان وهما يحملان جثتيهما قنصهما “الإسرائيليون” من السفارة ثم ما لبث أهل المخيم أن سحبوهما بالحبال.
يومها رأيت آرئيل شارون فى هليكوبتر أمام السفارة، أحسست أنه قائد “إسرائيلي” كبير وفى عينه فرحة بتزايد بأعداد القتلى، لم أكن أعرف من هو إلا بعد أن رأيته على شاشات التليفزيون بعد انتشار أخبار المجزرة، تمكنا بعد ذلك من العودة إلى المخيم فى المساء كانت القذائف المضيئة تملأ سماء المخيم، هنا، بدأ صوت ماهر يرتجف عندما أخذ يخبرنى ما حصل فى بيتهم تلك الليلة – أى الخميس وهو أول يوم فى المجزرة.
وقال عندما أخبرت والدى عن الجثث، طلب منا أن نلزم الهدوء وإلا نصدر أى صوت، وتتألف عائلتنا من 12 شخصًا، ستة صبيان وأربع بنات وأبى وأمي، كان أخواى محمد وأحمد خارج البيت وهما أكبر منى سنا، والباقون كانوا فى البيت وكانت جارتنا ليلى عندنا قرابة الفجر، صعد أخى إلى السطح مع ليلى كى تطمئن على بيتها، كان النعاس قد غلبنا أنا وأبى- إذ بقينا ساهرين ننصت إلى ما يجرى فى الخارج ونسكت أختى الصغيرة التى كانت تبكى من وقت لآخر، لم نشعر بصعود ليلى وأختى إلا عندما نزلا، خائفتين فقد رآهما المسلحون، ما هى إلا لحظات حتى بدأنا نسمع طرقًا عنيفًا على الباب، عندما فتحنا لهم أخذوا يشتموننا وأخرجونا من البيت ووضعونا صفًا أمام الحائط يريدون قتلنا.
أرادوا إبعاد ليلى إذ ظنوا أنها لبنانية لأنها شقراء، وابعدوا أختى الصغيرة معها لأنها شقراء هى الأخرى وظنوا أنها ابنة ليلى، ولكن رفضت ليلى تركنا، أخذت أختى تصرخ وتمد يديها إلى أمى تريد “الذهاب” معها، كان عمرها أقل من سنتين وكانت ما تزال تحبي، فى تلك اللحظة كان جارنا حسن الشايب يحاول الهرب خلسة من منزله، فأصدر صوتًا وضجة أخافتهم، كان هناك شاب من بيت المقداد يطاردهم ويطلق عليهم النار ويختبئ، كان اسمه يوسف، لذا أدخلونا إلى البيت وهم يكيلون لنا الشتائم، طلبوا من والدى بطاقة هويته، وما أن أدار ظهره ليحضرها حتى انهال الرصاص علينا جميعًا كالمطر لم أعرف كيف وصلت إلى المرحاض واختبأت فيه وفى طريقى إلى المرحاض وجدت أخى الأصغر إسماعيل فأخذته معى وأقفلت فمه، رأيت من طرف باب المرحاض كل عائلتى مرمية على الأرض، ما عدا أختى الصغيرة.
بدأت أتفقد عائلتى، والدتى تظاهرت بداية بالموت وكذلك شقيقتاى نهاد وسعاد، ظنا منهما أنى كتائبى، ولكن والدى وباقى إخوتى “الخمسة” وليلى كانوا جميعًا أمواتًا، كانت أمى مصابة بعدة طلقات وكذلك نهاد وسعاد، أمى ونهاد تمكنتا من الهروب معى وإسماعيل، بينما سعاد لم تستطع لأن الطلقات أصابت حوضها وشلت حركتها.
هربت سريعًا وأخذت أنبه الناس لما يجرى، فالكثير كانوا لا يزالون فى بيوتهم، يشربون الشاى ولا يدرون بشيء اختبأنا فى، مخزن طحين ثم ما لبثوا أن اكتشفوا أمرنا فهربنا مجددًا، أطلقوا الرصاص علينا، هربت وعلق إسماعيل ولم يجرؤ على عبور الشارع كان فى الثامنة من عمره، عدت إليه وأمسكت بيده وهربنا معا، ثم ما لبثنا أن وجدنا جمعًا حاشدًا من النساء والأطفال كانوا يجرونهم إلى المدينة الرياضية، حيث يتمركز “الإسرائيليون” فانضممنا إليهم”.

البوابة نيوز

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

فتح ميديا أوروبا