قراءة في قرار “اليونسكو” حول المسجد الأقصى المبارك

بقلم: الدكتور/ جمال عبد الناصر محمد أبو نحل

مما لا شك فيه أن العرب والمسلمين في كل بقاع الأرض تلقي خبر منظمة الثقافة والفنون من خلال القرار الصادر عن المجلس التنفيذي “لليونسكو” في دورته الحالية بباريس؛ حيثُ صادقت لجنة الشؤون الخارجية لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “اليونسكو”، أمس الخميس، على مشروع قرار ينفي وجود أي علاقة تاريخية بين اليهود والمسجد الأقصى، وهذا يؤكد أن المسجد الأقصى المبارك وحائط البراق هي مِلْكّ الفلسطينيين والعرب والمسلمين، وليس لليهود أي حق أو مستحق فيه؛ كما ويظهر القرار الأسماء العربية الإسلامية للمسجد الأقصى المبارك والحرم الشريف وساحة البراق، والتي سعت عصابة الاحتلال التي سمت نفسها دولة:(إسرائيل)، بشكل مستمر لتزوير هويته الإسلامية بإطلاق مسمى (حائط المبكى) عليه!!. ولقد تلقي الشعب الفلسطيني الصابر هذا القرار بارتياح، وبترحيب رسمي وشعبي كبير؛ وجاء هذا القرار بناء علي طلب رسمي تقدمت به المجموعة العربية في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثـقافة “يونسكو” والذي يؤكد أن المسجد الأقصى المبارك (الحرم القدسي الشريف) هو من المقدسات الإسلامية الخالصة، ولا علاقة لليهود به؛ ويعتبر هذا القرار انتصار للحق الفلسطيني وتأييداً للحق الفلسطيني غير القابلة للتصرف، وبعد هذا القرار جُن جنون قادة الكيان الصهيوني المسخ وعصابته الاجرامية التي قررت اليوم الجمعة، تعليق كل نشاط مهني مع منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم “اليونسكو” بعد تصويت إحدى لجانها على مشروعي قرارين حول القدس، وسيصوت مجلس إدارة “اليونسكو” المؤلف من 58 عضوا، مرة أخرى على القرار، الذي جرى قبوله في لجنة الشؤون الخارجية للمنظمة، يوم الاثنين المقبل، ليكتسب صفة نهائية؛ ومشروع القرار المنشور على الموقع الإلكتروني لمنظمة “اليونسكو”، تم تقديمه من قبل الجزائر، ومصر، ولبنان، والمغرب، وعمان، والسودان. ويعتبر قرار اليونسكو “تأكيد على حق الشعب الفلسطيني المسلم في أرضه ومقدساته وكشف لزيف رواية الكيان الإسرائيلي التي ضلل بها الرأي العام العالمي والمجتمع الدولي لعقود طويلة من الزمن”، هذا تأكيد على أن الحقوق لا تسقط بالتقادم وأن تكاثف الجهود من كافة الأطراف العربية والإسلامية وقوفها إلى جانب الشعب الفلسطيني وقضاياه العادلة سيحدث مزيدا من الحراك الدولي لصالح فلسطين وفيه احقاق العدالة، وإدانة للاحتلال؛ وبهذا القرار فإن منظمة اليونسكو بما تمثله من ضمير عالمي في حماية التراث الثقافي الإنساني، وبما تحمله من رسالة إنسانية وثقافية وسياسية تضيف اليوم قرارا هامًا ومرحباً به من أجل السلم والعدل العالمي، إلى قراراتها الرافضة للاحتلال، والتي تؤكد على الاعتراف بالوضع التاريخي والديني والثقافي الحقيقي والطبيعي في مدينة القدس العربية عاصمة دولة فلسطين، إضافة إلى رفض وادانة المنظمة الأممية الانتهاكات التي تقوم بها ((اسرائيل)) القوة القائمة بالاحتلال للمواقع الاثرية والدينية؛ ولقد قامت منظمة“ اليونسكو” قبل فترة وأعلنت بوضوح رفضها لمحاولات الاحتلال المستمرة للمساس بالمناهج التعليمية في القدس المحتلة وهدم المدارس، والمؤسسات التربوية؛ ويجب علي المجتمع الدولي أن يتحمل مسؤولياته والتحرك الجاد والفاعل ضد الاحتلال من أجل وقف كافة الانتهاكات ضد المقدسات المسيحية والإسلامية والمواقع الأثرية والتاريخية في مدينة القدس المحتلة وسائر أنحاء فلسطين.
ولكن للأسف دراع عصابة اليهود الغاصبين المجرمين طويلة؛ فبعد ساعات من الضغوط الإسرائيلية على منظمة العلوم والفنون والثقافة “اليونسكو”، لإقرارها مشروع قانون يعتبر المسجد الأقصى مكانًا مقدسًا خاص بالمسلمين، فقد نشرت إيرينا بوكوفا المديرة العامة لـ ”اليونسكو”، بيانًا خاصًا، يوم الجمعة، تراجعت فيه وأعربت فيه عن رفضها لهذا القرار، مشددة على أن “مسجد الأقصى أو الحرم الشريف هو أيضًا جبل الهيكل، وفيه حائط المبكى أقدس مكان لليهود” وقد ذكرت صحيفة “يديعوت احرونوت ((الإسرائيلية، أن إسرائيل)) تواصلت عبر سفيرها في ” اليونسكو” مع المدير العام للمنظمة، مطالبة بإلغاء القرار، وجاء في بيان بوكوفا “ أن القدس مقدسة للديانات السماوية الثلاث- اليهودية، المسيحية والإسلام، قائلاً “الإرث المميز للقدس لا يمكن تقسيمه، فكل ديانة تملك الحق بالاعتراف بتاريخها وعلاقتها في المدينة، أي إخفاء أو طمس أو نفى التقاليد اليهودية، المسيحية والإسلامية المرتبطة بالمدينة، من شأنه تدمير وحدتها؛؛ ويوم الاثنين أو الثلاثاء القادم سيكون التصويت النهائي لاعتماد القرار أو نقضهُ، فلو تم تغيرهُ لا سمح الله كان هذا الخبر صحيحًا وتم تأكيده تكون منظمة اليونيسكو قد رضخت وخنعت من عصابة الاحتلال وقطعان الغاصبين من حكومة اليمين المتصهينة، وهذا إن دل يدل على وهن وضعف الأمة العربية وانشغالها بهمومها ومشاكلها، وتفككها وتشرذمها جعلها لقمة سائغة الهضم في أفواه الجميع، وهذا يتطلب من العرب والمسلمين وقفة جادة وتوحيد ورص الصفوف لأن المخاطر المحذقة بالأمة العربية كبيرة جداً وخطيرة وهناك مخطط تقسيمي تدميري لكل دولة عربية! خدمة لبقاء الاحتلال قوياً وعصا غريبة وغربية غليظة مزروعة في قلب المنطقة العربية ككيان وورم سرطاني خبيث؛ يجب علينا أن نعمل على استئصاله لكي ينعم الفلسطينيين والعالم كله بالأمن والسلام، لأن هذا الكيان لا يعرف لغةً إلا لغة القوة والقوة فقط؛؛ ويطلع علينا اليوم المرشح للرئاسة الأمريكية المتصهين ترامب بتصريح ينمُ عن أمُيتهِ وجهله بالسياسة الدولية وخاصة القضية الفلسطينية حينما قال: (إن القدس من حق اليهود منذ قبل 3000 ألاف سنة) ويدين بشدة قرار اليونيسكو؛ وقد نسي أو لا يعلم هذا الأهوج أن أول من استوطن فلسطين منذ أكثر من خمسة آلاف سنة هم العموريون، وإن فلسطين ظهرت فيها أول مدينة في تاريخ البشرية أسست سنة 8000 ق. م. وهذه المدينة هي مدينة الشورى وهى معروفة الآن بأريحا وهى أقدم مدينة في البشرية جميعاً؛ وفي حوالي 4000 قبل الميلاد جاء الكنعانيون، وهم قبيلة عربية كانت قد نزحت الى فلسطين من شبه جزيرة العرب أيضا، وقد عرفت فلسطين في ذلك العهد بأرض كنعان؛ واشتهر العرب الكنعانيون بانهم بناة الحضارة في فلسطين أثر بنائهم عدة مدن معروفة مثل القدس ونابلس وأريحا وبيسان وعكا ويافا، وفي سنة 2000 قبل الميلاد هاجر من العراق التي كانت تسمى “أور” العبرانيون بقيادة النبي ابراهيم عليه السلام وأقاموا في فلسطين، وبسبب حدوث مجاعة فيها هاجروا الى مصر وهناك استعبدهم الفراعنة. وفي حوالي عام 1300 قبل الميلاد نزحت الى فلسطين قبيلة أخرى تدعى “باليست” قادمة من جزر بحر ايجه التي تشكل جزيرة كريت في البحر الأبيض المتوسط جزء منها. ولم يمض وقت طويل حتى ذاب هؤلاء في الحضارة الكنعانية وتحدثوا العربية التي صارت فيما بعد لغتهم الأصلية. وبسبب هؤلاء النازحين الجدد، أصبحت أرض كنعان تعرف بفلسطين، وستبقي فلسطين التاريخية للفلسطينيين من بحرها لنهرها، وهذا ليس بنص قرارات الأمم المتحدة أو منظمة اليونسكو بل بنص القرآن الخالد العظيم الذي كان في وسطه سورة الإسراء لتقول للعرب والمسلمين في كل أماكن تواجدهم أن فلسطين الأرض المقدسة المباركة والمسجد الأقصى المبارك قلبها النابض هو من صميم عقيدتكم ويجب عليكم تحريرها من براثن الاحتلال البغيض؛ وستتحرر مهما طال الزمن.

الكاتب الصحفي والمفكر العربي والإسلامي
بريد الكاتب: dr.jamalnahel@gmail.com

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

فتح ميديا أوروبا