مؤسسة نوى الموسيقية

بقلم: عمر حلمي الغول

رغم تسارع الاحداث السياسية في الساحة والوطن العربي والاقليم والعالم، وتداعيات هذه التطورات على المشهد الفلسطيني والعربي وحتى على خارطة العلاقات الدولية. غير انه لا يجوز للسياسة ان تبعدنا عن إبراز دور الثقافة عموما والموسيقى خصوصا، التي تعتبر أحد مجالات وميادين الصراع مع العدو الاسرائيلي وكل القوى المتربصة بالهوية والشخصية الوطنية الفلسطينية. وللربط العميق بين ما جاد وابدع به الفنانون الموسيقيون الفلسطينيون قبل النكبة وبعدها، ولوصل وتأصيل ما تقدم مع الحاضر بازالة غبار السنين عن ميراث موسيقي عظيم أنتجته قامات في عالم الفن الرفيع، غابت اسماءها عن المشهد بفعل جملة عوامل موضوعية وذاتية. بالاضافة إلى إزالة الجانب المظلم عن وجه آخر من الموسيقى التراثية الفلسطينية، لاسيما وان اتجاها عاما ساد في الساحة الفلسطينية قَّصْر الفن الموسيقي على جانب وحيد دون غيره، هي الموسيقى والاغاني الشعبية ودبكاتها المرافقة لها ك”الدلعونة” و”ياظريف الطول” .. وغيرها، والتي تخص الريف الفلسطيني دون المدينة.والكشف عما مثلته مدن فلسطين وخاصة يافا والقدس والناصرة وحيفا لاحقا من مركز استقطاب للابداع الموسيقي والفن التعبيري عموما الفلسطيني والعربي.

المؤسسة الفلسطينية للتنمية والثقافة (نوى) بقيادة وإشراف الفنان الموسيقي المبدع نادر جلال، التي تأسست في العام 1999 من مجموعة موسيقيين محترفين، حملت وحلمت منذ تبلور فكرتها على إزاحة الستار عن الوجه المشرق للموسيقى الشرقية التراثية، وتسليط الضوء عليها، وعلى روادها عبر: اولا جمع الموروث الموسيقي الفلسطيني العربي المنتج في فلسطين، حيث تمكنت المؤسسة، رغم ضيق اليد، ونقص الامكانيات، وبؤس المكان (مقرها) من ان تجمع فيه ارشيفها الموسيقي تحت عنوان “هنا القدس”، وإعادة انتاجها على اقراص مدمجة، وتقيم فيه بروفات فرقتها، التي تعمل على إعادة إحياء الاعمال الموسيقية وتوزيعها لكبار العازفين الفلسطينيين، وانتجت حتى الان إسطوانتين، إحداها للموسيقار الراحل روحي الخماش، والثانية للموسيقار الراحل محمد غازي. اضف إلى انها تمكنت من تقديم العديد من العروض الموسيقية في فلسطين، وتطمح للوقوف امام المسارح العربية والعالمية، لفضح الرواية الصهيونية.

ووفق ما ادلى به الموسيقار نادر جلال في ندوة في اسبوع احتفاء فلسطين بيوم الكتاب وحقوق المؤلف في دار الشروق للنشر والتوزيع ابريل عام 2015/ رام الله، فانه يعتبر المرحلة الاولى للموسيقى المحترفة بدأت عام 1904، وهو ما اكدته الوثائق والقطع الموسيقية، التي جمعت، وبينت انها تستند الى معرفة وثقافة موسيقية رفيعتي المستوى، وخاصة ما يتعلق بالمقام والنوتة والصوتيات وغيرها. وتتجلى اهمية هذا العام كانطلاقة للموسيقى بتلازمه مع تسجيل الاسطونات في العالم العربي. إلآ ان جلال يشير الى ان اقدم إسطوانة عثرت عليها مؤسستة كانت مسجلة في عام 1927، وهي كما يقول ليست الاقدم، لان البحث جاري عن الموروث الموسيقي داخل وخارج فلسطين. وهذا تأكيد على النشاط الموسيقي الرفيع في فلسطين والدول العربية، التي فتحت فضاءاتها للموسيقى الشرقية المنافسة للموسيقى الغربية. خاصة وانها ( فلسطين) كانت مركزا وجسرا للتواصل مع مراكز الموسيقى العربية في القاهرة وحلب والعراق وتونس والمغرب وبيروت لاحقا بعد النكبة.

كما ان فلسطين أمست في العشرينيات والثلاثينيات والاربعينيات من القرن العشرين منبرا ومسرحا ومزارا لكبار الفنانين ونجوم الغناء العرب، واصبحت استوديوهاتها عنوانا للتسجيل فيها، وكانت المطربة منيرة المهدية تزور يافا بشكل دوري، وسامي الشوا، امير الكمان العربي، وام كلثوم، ومحمد عبد الوهاب، وله تسجيلات كثيرة في يافا والقدس. اضف الى تسجيلات لمطربين فلسطينيين منهم: ثريا قدورة، نجاة الفلسطينية، الشيخ محمد الشيخ، الياس عوض من الناصرة، وماري عكاوي، ومحمد عبد الكريم ويوسف رضوان ورجب الاكحل ورياض البندك وحليم الرومي وغيرهم.

ويؤكد مدير مؤسسة نوى نقلا عن احد الباحثين، ان فلسطين في مطلع الثلاثينات كانت تقتني 20 الف “غرامافون” قبل ان ينتشر في الاماكن العامة والمقاهي. وهو ما يعتبر مؤشرا مهما جدا على مستوى اهتمام الشعب الفلسطيني بالاستماع للموسيقى والتواصل مع النهضة الاتية من القاهرة وحلب وغيرها من المراكز العربية. كما لعبت إذاعة “هنا القدس”، التي أنشأت عام 1936، ولاحقا إذاعة “الشرق” عام 1940 في جنين قبل انتقالها ليافا ادوارا مهمة في استقطاب العديد من المطربين والموسيقيين والملحنين والشعراء والمقرئين من المغرب واليمن. لكن هذه النهضة تأثرت بعمق النكبة، التي اصابت الشعب العربي الفلسطيني في العام 1948 مع اقامة الكيان الصهيوني الكولونيالي الاجلائي والاحلالي على انقاض تشريد قرابة المليون فلسطيني.

غير ان عمالقة امثال المنتج والمخرج صبري الشريف، ومحمد غازي لعبا دورا هاما في لبنان، حيث إحتضن الشريف تجربة الرحابنة، وساهم كلاهما في الارتقاء بمكانة المدرسة الرحبانية وخاصة السيدة فيروز، وساندا كل من فيلمون وهبي وزكي ناصيف، وحسب الياس سحاب، فأن المسرح الغنائي بدأ في فلسطين ثم إنتقل إلى بيروت وتعمق مع الرحابنة وفيروز ووديع وصباح ونصري .

مؤسسة نوى المبدعة والمتقدمة في حقل جمع وصيانة واعادة توزيع التراث الموسيقي الشرقي للرواد الفلسطينيين الاوائل تحتاج إلى دعم كل مؤمن بالثقافة والفن والموسيقى، التي كانت ومازالت احد روافد الدفاع عن الهوية والشخصية الوطنية الفلسطينية. وعدم إقتصار الدعم على البعد المعنوي، بل رفدها بالامكانيات المالية، وايضا بذات القدر كل فرقة فنية فلسطينية أكدت حضورها في الميدان، يفترض من جهات الاختصاص رعايتها، وكذلك على الرأسمال الوطني تحمل مسؤولياته لدعم هذه الفرق وخاصة مؤسسة نوى المتميزة.

oalghoul@gmail.com

a.a.alrhman@gmail.com

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

فتح ميديا أوروبا