تقاطع المصالح لا يعني التخلي عن الأهداف الإستراتيجية

في خطاب ألقاه في افتتاح دورة الكنيست الشتوية تحدث رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول عملية السلام وتداخلاتها والعوامل والمتغيرات التي تؤثر وتتأثر بها، وابتعد نتنياهو كثيرا عن الحقيقة التي تخفي وراءها مواقف إسرائيل الرافضة للاعتراف بالحقوق الوطنية الفلسطينية حيث راحت اسرائيل تضرب بعرض الحائط المبادئ وقرارات الشرعية الدولية التي قامت عليها مفاوضات التسوية التي مضى على إطلاقها ما يزيد على الربع قرن برعاية دولية ورفضت اسرائيل تنفيذ الاستحقاقات المرتبة عبر عدم التزامها تنفيذ الاتفاقيات الموقعة مع منظمة التحرير الفلسطينية وفرض سياسة الامر الواقع من خلال الاستيطان وتهويد القدس.

نتنياهو حاول من خلال حديثه الإيحاء بقرب نهاية الصراع العربي الإسرائيلي وان الدول العربية جاهزة للسلام مع إسرائيل مستذكرا بان هناك مصالح تربطهما مع الدولة العبرية تتمثل في تقاطع مصالحهما في الحرب على داعش والوقوف ضد الخطر الإيراني. واسترسل نتنياهو في حديثه بان السلام العربي الإسرائيلي سيأتي بالفلسطينيين الى السلام وكان من المفترض ان يكون الفلسطينيون بوابة السلام مع الأمة العربية من وجهة نظر نتنياهو.

يأتي نتنياهو اليوم من خلال تحركاته السياسية هذه لتعزيز منصبه كرئيس الوزراء الاطول في خدمة اسرائيل وابتعاده عن ذكر الحقيقة كثيرا وإلقاء اللوم على الفلسطينيين وتحميلهم المسئولية الكاملة في الجمود الحاصل في عملية السلام لتبرير موقف بلاده التي تتحمل بالدرجة الأولى توقف عملية السلام بإصراره على الاستمرار في سياسة الاستيطان حيث زادت اسرائيل من خرقها المتواصل للاتفاقيات الموقعة مع الفلسطينيين والقفز عما تم الاتفاق عليه مما افقد عملية السلام مصداقيتها وبات العالم اجمع يعترف بأنها كانت السبب الرئيس لوصول عملية السلام الى ما هي عليه الآن.

استدراج الأمة العربية للوصول إلى سلام مع إسرائيل تحكمه ظروف محلية وإقليمية ودولية وهي لم تنضج بعد، وان حالة الحرب لا زالت قائمة بين إسرائيل والأمة العربية حسب المفاهيم الدولية وتنتهي هذه الحرب بتحقيق الأهداف الإستراتيجية العربية بانسحاب إسرائيل الكامل من الأراضي العربية المحتلة بما فيها الجولان المحتل الشطر الآخر من الوطن العربي، وان تقاطع المصالح لا يعني التخلي عن الأهداف الإستراتيجية التي تزول بزوال الاحتلال الإسرائيلي.

هذا الاستدراج الذي تحاول إسرائيل إخراجه إعلاميا بإمكانية التوصل الى سلام مع الدول العربية كانت إسرائيل رفضته برفضها لمبادرة العربية للسلام المنبثقة عن مؤتمر القمة العربية في بيروت عام 2002 والذي نصت صراحة على جاهزية السلام العربي الإسرائيلي في حال انسحاب إسرائيل الكامل من الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة أي أن السلام العربي مع إسرائيل جاء مشروطا بالانسحاب الإسرائيلي وان السلام يجب ان يبدأ أولا من فلسطين ثم يمتد الى باقي الأقطار العربية الأخرى وليس كما جاء في مخيلة نتنياهو ومعاكسا للاستراتيجية العربية.

ادعاءات نتنياهو أيضا دحضتها حالة السلام القائمة ما بين مصر وإسرائيل والتي مضى عليها ما يقارب أربعة عقود من الزمن، مدة كانت كافية لذوبان الجليد في العلاقات العربية الاسرائيلية لو كانت بصيرة نتنياهو في محلها وتنبؤاته صائبة الا ان ذلك لم يحدث ولم يحدث تطبيعا في العلاقات بينهما ولم تتخلى مصر عن واجباتها القومية تجاه فلسطين وبقيت تشترط الانسحاب الإسرائيلي الكامل من الأراضي العربية للتوصل إلى سلام شامل.

نتنياهو تحدث عن المعيقات التي تقف في وجه التوصل إلى سلام من منظور الجانب العربي لكنه استغفل الحقيقة الكاملة وراء مواقف اليمين الإسرائيلي ونزعته العنصرية التي تسيطر على القرار السياسي الإسرائيلي وترفض مجرد الحديث عن أبجديات السلام، واعتبر قوة اسرائيل بانها تشكل رافعة حقيقية لجلب السلام عندما قال ” بأن مفتاح ضمان مستقبلنا وأمننا وازدهارنا ليس إلا شيئاً واحداً أي قوتنا وان القوة تمثل الأمل، حيث ينبع الأمل من القوة” وأضاف : “بان سياسة واحدة كفيلة بضمان المستقبل والسلام والأمل، الا وهي تكون اسرائيل قوية”.

وعلى ما يبدو ان نتنياهو يعيش حالة من الوهم، فالقوة والازدهار الاقتصادي والتحالفات الدولية لم تمنح اسرائيل الامن والامان رغم توصلها لاتفاقيات سلام مع بعض الاقطار العربية ومع الفلسطينيين ،الا ان ذلك لم يمنحها الامن ولم يعطيها الامان الذي تبحث عنه وبقيت تعيش حالة حرب مع الفلسطينيين بسبب محاولاتها فرض تسوية تسمح لها بالسيطرة العسكرية المباشرة على الارض وضم المستوطنات ومنع قيام دولة فلسطينية متواصلة ومتصلة وقابلة للحياة.

الأسس التي قامت عليها عملية السلام في منظور المجتمع الدولي هو الانسحاب الإسرائيلي الكامل من الأراضي العربية المحتلة على أساس حل الدولتين والاعتراف الكامل بالحقوق الوطنية الفلسطينية بإقامة دولة فلسطينية مستقلة. ان تظاهر نتنياهو بالرغبة في التوصل الى سلام مع الفلسطينيين لا يعدو كونه سيناريو جديد يهدف الى استرضاء المجتمع الدولي وبعض الاوساط السياسية الاسرائيلية ومحاولة التقرب من المحيط العربي لكنه على الأرض لا يرغب بالدخول في محادثات مباشرة جادة مع الفلسطينيين لأنه لا يرغب بحل يؤدي إلى قيام دولة فلسطينية. وربما يعتقد نتنياهو ان السلام هو منحة اسرائيلية يعطيها للفلسطينيين بل ان اسرائيل هي التي باتت بحاجة ماسة للسلام ولولا حاجتها له لما استجابت للانخراط في عملية التسوية،فمخاطر ضياع فرص السلام لن تنعكس على الفلسطينيين وحدهم بل ستترك تداعياتها على اسرائيل.

بقلم: سمير عباهرة

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

فتح ميديا أوروبا