مخيم طولكرم.. 23 ألف نسمة يسكنون على مساحة 168 دونما!

مراد ياسين

سلامة: أزمة سكن خانقة تتسبب بعدة أمراض

ارتفاع نسبة البطالة في صفوف شباب المخيم الى 60%

الوضع الاقتصادي كارثي والوكالة تقلص خدماتها الى 30% فقط

شوارع فرعية ضيقة، جدران متلاصقة وعالية آيلة للسقوط، رسمت عليها معاناة الناس المتعبين، روائح كريهة للصرف الصحي، أطفال ضاقت بهم مساكنهم ينتشرون بين جنبات مخيم طولكرم معلنين رفضهم لهذه الحياة التي لا يرضى بها بشر!

المار في شوارع وأزقة مخيم طولكرم يلاحظ عن كثب حجم الاكتظاظ السكاني والتعديات الملحوظة على الطرقات الرئيسية والفرعية، ما ضاعف من معاناة السكان وحرم وصول السيارات المدنية اليها.

ويقول رئيس اللجنة الشعبية لخدمات مخيم طولكرم فيصل سلامة ان الوضع كارثي داخل مخيم طولكرم نتيجة التضخم السكاني الهائل في عدد السكان، فالمخيم الذي انشئ عام 1948 اقيم على مساحة 168 دونما فقط وكان يتسع انذاك لـ (4) آلاف نسمة، ليرتفع عدد سكان المخيم في عام 2016 وعلى نفس البقعة الجغرافية وحسب إحصائيات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين “الاونروا” الى 23000 نسمة.

المسموح طابق ثان فقط

واكد سلامة ان الوكالة تسمح فقط بإضافة بناء طابق ثانٍ عمودي للمساكن في المخيم، ونتيجة الارتفاع المطرد في عدد السكان دفعهم الى البناء والتوسع بشكل عمودي الى أربعة وخمسة طوابق في بعض الأحيان، متجاوزين بذلك شروط الترخيص التي تمنحها وكالة الغوث والتي تسمح فقط ببناء طابقين فقط، نظرا لأن الأساسات لهذه المنازل لا تتحمل بناء اكثر من طابقين فقط، ما يشكل خطورة حقيقية على حياة السكان واللاجئين بشكل عام، مؤكدا ان وكالة الغوث تغض الطرف عن التنظيم البنائي في مخيم طولكرم أو البناء المخالف للنواحي الهندسية او التعديات على الطرق والشوارع الرئيسية كونها عاجزة عن توفير البديل، لافتا الى أن اكثر من عشرة آلاف من سكان المخيم غادروا المخيم وسكنوا في ضواحي مدينة طولكرم.

مخاطر بيئية وصحية

ونبه سلامة إلى خطورة النواحي البيئية والصحية للشقق التي يتم بناؤها بشكل هندسي غير لائق حيث تكون ملاصقة بعضها لبعض وتنعدم التهوية فيها تماما، ولا تصلها الشمس، ما يؤدي الى انتشار أمراض جلدية ونفسية في داخل المخيم بصورة عالية.

وأكد سلامة أن إمكانية التوسع بشكل أفقي في مخيم طولكرم معدومة تماما، ما يتطلب تحرك وكالة غوث وتشغيل اللاجئين للبحث عن أراضٍ جديدة من خلال استئجار أراضٍ او شرائها لبناء مساكن عليها لصالح مخيم طولكرم.

مساحة منازل.. “25” مترا مربعا

من داخل مقر اللجنة الشعبية لخدمات مخيم طولكرم، التقينا المواطن طارق فيات احد سكان المخيم وطلبت منه مساعدتنا في لقاء عائلة من مخيم طولكرم تعيش في بيت ذي مساحة صغيرة للتعرف على معاناتها ومعاناة السكان، عاد ببصره الى جهازه المحمول للبحث عن رقم إحدى العائلات ثم تنفس بهدوء قائلا “هنالك العشرات من العائلات التي تعاني من ضيق السكن وهنالك منازل لا تتجاوز الـ 25 م2 أو 50 م2 أو 80 م2 ويعيشون مع اسر تتجاوز الـ 5 أو 7 انفار في غرفة او غرفتين في ظروف بالغة التعقيد نتيجة انعدام التهوية والفقر المدقع، لافتا الى ان الأسر التي تعاني من الفقر المدقع ترفض التواصل مع وسائل الاعلام أو حتى المؤسسات الإنسانية نتيجة الخجل وعدم رغبتها بفضح معاناتها امام الجمهور”.

وخلال جولة سريعة بين أزقة مخيم طولكرم، ترجلا على الأقدام كانت الطريق بين زقاق المخيم ضيقة للغاية والمنازل السكنية ملاصقة لبعضها البعض، ورائحة الرطوبة والمجاري تفوح في الافق، ولحظة وصولنا الى احد المنازل الصغيرة لفت انتباهنا منزل صغير يغطيه الصفيح وبدا المنزل بحالة سيئة للغاية وطوب المنزل متهالكا وآيلا للسقوط نتيجة الرطوبة الشديدة بما يُضعف صمودها أمام عوامل الطقس المتقلبة خاصة في فصل الشتاء.

وبعد لحظات من تأمل المنزل طرقنا الباب وطلبنا الإذن من ربة المنزل بالدخول بعد الاستعانة بأحد أقربائها، كان الوضع صادما حيث يقطن في هذا البيت (7) انفار في منزل مكون من غرفتين صغيرتين ومطبخ صغير وحمام يغطيه الصفيح (الحديد) ومساحة البيت لا تتجاوز الـ 50 م2.

غير قابل للسكن الآدمي

وتقول ربة المنزل انتصار يوسف ابو طاحون (مطلقة) ام لـ 6 انفار ان منزلها غير قابل للسكن الآدمي نتيجة الرطوبة الهائلة التي تخرج من الجدران، مؤكدة انه خلال فصل الشتاء تفيض المياه العادمة في داخل المنزل باستمرار، كون جدران منزلها اصبحت متهالكة، بما يُضعف صمودها أمام عوامل الطقس المتقلبة خاصة في فصل الشتاء، “ما يتسبب في تسرب الأمطار عبر تشققات الجدران مخلفة وراءها بركاً مائية تتوسط ساحة المنزل لأيام قبل أن تزول لعدم وجود التهوية الكافية”.

وأكدت ان وضع أطفالها داخل المنزل مبكٍ للغاية نظرا لصغر المساحة حيث ينام الجميع في غرفة واحدة صغيرة خالية من التهوية ورائحة الرطوبة تفوح منها بشكل كبير.

تغيرت ملامح طاحون وهي تشير الى بعض الحفر والنتوءات في الجدران نتيجة تأكلها من الرطوبة، حيث تعتبر مرتعا للحشرات والصراصير والحلزون والقوارض والجرادين الكبيرة التي تتطفل بالدخول الى المنزل باستمرار دون سابق انذار، مثيرة الذعر في نفوس أطفالها، لافتة الى ان احد الفئران حاول قضم اذن طفلها وهو نائم ولحسن الحظ تمكنت من النيل منه رغم فزعها من الفئران، بالإضافة الى تلف العديد من “اباريز” الكهرباء واشتعال النيران فيها من حين لآخر نتيجة تسرب المياه اليها في داخل الجدران.

وتناشد طاحون وكالة غوث وتشغيل اللاجئين توفير منزل مناسب لها ولأطفالها الـ6 كي يعيشوا بحرية وكرامة على ارضهم ووطنهم، مؤكدة ان منزلها غير قابل للسكن الآدمي، حيث سبق ان أصيب أولادها بعدة أمراض جلدية، وعلى مدار عدة سنوات، وهنالك تقارير طبية تؤكد ذلك، لافتة الى ان الوكالة سبق ان زارت منزلها وقامت بتصويره دون ان تقدم أي شيء يذكر.

واكدت طاحون انها حاولت الوصول الى محافظة طولكرم بعد أن فاضت المياه العادمة في داخل منزلها قبل عدة اشهر الا انهم رفضوا استقبالها بحجة ان الوكالة هي الملزمة بتقديم المساعدات للاجئين وليس المحافظة، متسائلة الى متى ستستمر معاناتها ومعاناة أطفالها.

ولفتت طاحون الى انها تعمل معلمة وراتبها لا يكفي لاستئجار منزل خارج المخيم آملة من المؤسسات الإنسانية ووكالة الغوث البحث عن مأوى جديد لعائلتها بعيدا عن جحيم هذا البيت الغير صالح للسكن الادمي.

وناشدت طاحون محافظ طولكرم عصام ابو بكر وكافة الجهات ذات الاختصاص العمل على ترميم منزلها كي يكون صالحا للاستخدام الآدمي في حال عجزت الوكالة عن توفير مأوى جديد لها لكي تكون قادرة على توفير متطلبات الحياة الكريمة والمناسبة لها ولأطفالها.

“الصحة”: المخيم من مسؤوليتنا

ويؤكد مدير صحة طولكرم د. عبد الفتاح الدرك على خطورة النواحي الصحية والبيئية الناجمة عن الاكتظاظ السكاني في المخيمات الفلسطينية، مؤكدا ان مشكلة الاكتظاظ السكاني في أي مكان في العالم ينجم عنها أضرار صحية بيئية نتيجة سوء التهوية من جهة وانتشار الأمراض المعدية من جهة اخرى وتحديدا مرض السل كونه يعتبر البيئة الحاضنة المناسبة لتكاثره في المناطق المكتظة بالمواطنين، بالإضافة الى الاضرار البيئية الناجمة عن سوء الصرف الصحي والفقر المدقع والمشاكل الاجتماعية المختلفة.

وأوضح الدرك ان وزارة الصحة تعتبر مخيم طولكرم جزءا من المحافظة الكرمية وهي مسؤولة عن كامل صحة المواطنين في المحافظة بما فيها مخيمات المدينة، رغم الخصوصية التي تتمتع بها تلك المخيمات كون الوكالة تقوم بتقديم الخدمات الصحية للأهالي هناك، مؤكدا ان وزارة الصحة تتكفل بتقديم العلاج الطبي لأي لاجئ في المخيمات الفلسطينية في حال عدم حصولهم على العلاج اللازم غير المتوفر في الوكالة، وتقوم الوزارة بسد احتياجات المخيمات من الخدمات الصحية في حال عجزت الوكالة عن توفير بعض المستلزمات والادوية والطعومات الطبية للاجئين في المخيمات، مؤكدا أن هنالك تنسيقا مستمرا بين وزارة الصحة والوكالة من اجل التكامل في تقديم الخدمات الطبية والصحية لعموم المواطنين في المخيم.

“الاونروا” ترفض الحديث

ورفضت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين في مخيم طولكرم الرد على أسئلة مراسل “حياة وسوق” وقالت ان المسؤولين المحليين في الوكالة غير مخولين بالتحدث الى وسائل الاعلام بتاتا.

وأوضح مدير عام الحكم المحلي في طولكرم م. عدنان ربيع لـ”حياة وسوق” انه لا توجد أي علاقة بين وزارة الحكم المحلي والمخيمات الفلسطينية او اللجان المسؤولة عنها، مؤكدا ان الوكالة هي المسؤولة كليا عن المخططات الهندسية والبنائية في المخيمات الفلسطينية وما يجري في داخل المخيمات الفلسطينية هي من اختصاص الوكالة فقط، لافتا الى ان وزارة الحكم المحلي قامت بمنح مخيمي طولكرم ونور شمس مشاريع تعبيد طرق داخلية في اطار الدعم والمساندة لاخوتنا اللاجئين في المخيمات، رغم أن هذه المشاريع ايضا من مسؤولية واختصاص وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين.

لا مقبرة خاصة

بدوره كرر رئيس اللجنة الشعبية لخدمات مخيم طولكرم سلامة مناشدته لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين لاستئجار المزيد من الأراضي، من اجل معالجة التضخم السكاني في المخيم والمشاكل الاجتماعية الناجمة عنها، وايجاد مساكن جديدة للازواج الشابة، مؤكدا ان المخيم لا تتوفر فيه مقبرة خاصة ويضطر الأهالي الى دفن موتاهم في المقبرة الغربية لمدينة طولكرم ومقبرة ذنابة علما ان هاتين المقبرتين أصبحتا غير قادرتين على استيعاب المزيد من الموتى لسكان المدينة والمخيم، مؤكدا ان اللجنة سبق ان ناشدت المحافظة ووزارة الأوقاف والجهات المسؤولة بتوفير مقابر جديدة للموتى دون جدوى.

ولفت سلامة الى ارتفاع نسبة البطالة في صفوف شبان وشابات مخيم طولكرم تراوحت ما بين 50-60% (حسب إحصائيات دائرة الإحصاء المركزية)، مؤكدا ان هنالك المئات من شبان المخيم الذين حصلوا على شهادات جامعية عاطلين عن العمل والمئات من العمال المحرومين من العمل داخل إسرائيل لأسباب أمنية، مشيرا الى ان الوكالة والسلطة الوطنية لا يمكنها استيعاب الشباب العاطلين عن العمل في المخيم.

واشتكى سلامة من عدم توفر ساحات مخصصة للعب اطفال المخيم حيث يضطرون للعاب في ازقة وشوارع المخيم رغم الأخطار الحقيقية على حياتهم من قبل السيارات المسرعة، مؤكدا ان المخيم بحاجة الى ملاعب وحدائق ترفيهية خاصة للأطفال ولسكان المخيم على حد سواء.

تقليص مستمر للخدمات

وتطرق سلامة الى التقليص المستمر للخدمات التي تقدمها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين لجمهور اللاجئين في مخيم طولكرم في مجالات الصحية والتعليم والخدمات والتي انخفضت بنسبة 70% لغاية يومنا هذا، مؤكدا ان الوكالة قلصت المساعدات الى 30% فقط، علما ان الوكالة كانت تقدم شهريا مساعدات غذائية لسكان المخيم من مأكل ومشرب وملبس، وتوقفت هذه المساعدات في عام 1980، واقتصرت اليوم على 300 حالة شؤون اجتماعية في المخيم للأرامل والمطلقات وتوزع كل 3 شهور مرة واحدة فقط، لا تتجاوز قيمة الطرد الغذائي 50 دينارا أردنيا وبعض المواد التموينية البسيطة، اما العلاج فبعد ان كان مجانيا في السابق أصبح يقتصر في الوقت الحالي على تقديم 50% فقط من قيمة العلاج في المستشفيات الخاصة، و70% للعلاج البسيط، وبالنسبة للتعليم كان مجانيا في السابق اما اليوم اصبح طالب المدرسة في المخيم يدفع رسوما مدرسية قيمتها 5 شواقل للوكالة وللحكومة 25 شيقلا، علما أن الوكالة توقفت عن تقديم وجبات افطار وقرطاسية كاملة لطلبة المدارس بشكل تام، كما قامت وكالة الغوث بدمج الكثير من الصفوف ليصل عدد الطلبة في الصف الواحد الى (50) طالبا، تجنبا لتوظيف المزيد من المعلمين للوكالة، وهذا يندرج من باب تقليص خدمات الوكالة لخدماتها في المخيم.

وقال سلامة إن الوضع الاقتصادي في المخيم من سيئ لأسوأ نتيجة الارتفاع المطرد في نسبة البطالة التي تسببت بأزمات اجتماعية واقتصادية داخل المخيم، مثل انتشار آفة المخدرات، والسرقات، والكحول، والشجارات الاجتماعية التي تستخدم فيها الأسلحة البيضاء، والناجمة كلها عن ازمة السكان والاكتظاظ داخل المخيم.

ولفت سلامة الى ان اللجنة شاركت الأسبوع الماضي في اعتصام امام مقر وكالة غوث وتشغيل اللاجئين للمطالبة بوقف سياسة التقليص المستمر لخدمات الوكالة ومحاولتها المستمرة لتسليمها للسلطة الوطنية الفلسطينية بغرض التهرب من هذه الخدمات وتصفية قضية اللاجئين.

واكد سلامة ان اللجنة الشعبية تعقد سلسلة الندوات التثقيفية لطلبة المخيم بغرض تعزيز ثقافة حق العودة للاجئين الى ديارهم، مؤكدا ان كل إجراءات الاحتلال على الارض لا تثني شعبنا عن مواصلة دربه في نيل الحرية والاستقلال وتحقيق حلم العودة الى أراضيهم عام 1948.

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا