قراءة أولية في قرار مجلس الأمن الدولي ٢٣٣٤ الذي يدين الاستيطان الاسرائيلي ويطالب بوقفه

بقلم: محمد أبو لبدة

في البداية لا بد من الاشارة الى ان مقدمة القرار او ديباجته هي اعادة التأكيد على قرارات الشرعية ذات الصلة بما فيها القرارات ٢٤٢، ٣٣٨، ٤٤٦، ٤٥٢، ٤٦٥، ٤٧٦، ٤٧٨، ١٣٩٧، ١٥١٥ و١٨٥٠ وكذلك الالتزام بمواثيق واتفاقات جنيف.
وأدانت المقدمة جميع التدابير الرامية الى تغيير التكوين الديمغرافي وطابع ووضع الارض الفلسطينية المحتلة منذ عام ١٩٦٧م، بما فيها القدس الشرقية، وأعرب في نفس الوقت عن بالغ قلقه من استمرار الانشطة الاستيطانية الاسرائيلية، وادان جميع انواع العنف ضد المدنيين وأكد ان الطريق الوحيد للسلام في المنطقة هو تحقيق حل الدولتين اسرائيل وفلسطين تعيشان جنباً الى جنب في سلام ضمن حدود آمنة ومعترف بها.
كما اشار الى بيان اللجنة الرباعية في تموز من العام الجاري، وكذلك تقارير الامين العام للأمم المتحدة ذات العلاقة ومرجعيات مدريد بما في ذلك الارض مقابل السلام ومبادرة السلام العربية.. الخ.
اما بخصوص بنود القرار فقد جاءت كما يلي:
البند الأول يؤكد من جديد على ان المستوطنات الاسرائيلية المقامة على الاراضي الفلسطينية المحتلة عام ٦٧، بما فيها القدس الشرقية غير شرعية بموجب القانون الدولي وتشكل عقبة رئيسية امام تحقيق حل الدولتين وإرساء سلام عادل ودائم وشامل.
ومن خلال هذا البند نلاحظ ان المجلس جدد الاعتراف بأن الارض المحتلة عام ٦٧ هي اراض فلسطينية، بما فيها القدس الشرقية وهذا يعني ان ضم اسرائيل للقدس هو ضم باطل وغير معترف به دولياً، وان المدينة محتلة، كما يبين القرار بأن الاستيطان غير شرعي وانه باطل من اساسة ويشكل عقبة، أمام تحقيق حل الدولتين والسلام العادل والدائم والشامل، وهنا يحمل اسرائيل المسؤولية عن عدم تحقيق حل الدولتين وكذلك السلام في المنطقة.
اما البند الثاني فهو يكرر من جديد مطالبته لاسرائيل السلطة القائمة بالاحتلال بأن توقف على الفور وبشكل كامل جميع الانشطة الاستيطانية في الاراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية، وان تحترم بشكل تام جميع التزاماتها القانونية في هذا المجال.
وهذا البند يحمل ايضاً اسرائيل مسؤولية تدهور الأوضاع في الاراضي الفلسطينية المحتلة نتيجة سياستها الاستيطانية وعدم التزامها بالقوانين والاعراف الدولية ويطالبها باحترام جميع التزاماتها القانونية فيما يتعلق بوقف الاستيطان وتغيير معالم الأرض الفلسطينية المحتلة من الناحية الديمغرافية وغيرها.
وبخصوص البند الثالث الذي يؤكد على ان المجلس لن يعترف بأي تغييرات على حدود ما قبل عام ٦٧، بما يتعلق بالقدس، باستثناء ما يتفق عليه الطرفان، فإن ذلك يعني رفض سياسة التوسع والضم الاسرائيلية ومصادرة الاراضي واقامة جدار الفصل العنصري، كما يعني رفض اجراءات تهويد القدس وضمها واسرلتها، وبأن المدينة هي جزء لا يتجزأ من الاراضي الفلسطينية المحتلة وان جميع ما تقوم به اسرائيل بشأنها وبشأن بقية الأراضي الفلسطينية المحتلة باطلة وغير معترف بها من قبل مجلس الأمن.
اما البند الرابع الذي يؤكد على ان وقف جميع الانشطة الاستيطانية الاسرائيلية هو أمر ضروري لانقاذ حل الدولتين، ودعوته الى اتخاذ خطوات مثبتة لعكس الاتجاهات السلبية على الارض التي تعرض حل الدولتين للخطر، فإن المجلس يؤكد من خلاله على ان اسرائيل السلطة القائمة بالاحتلال هي التي تعمل على وأد حل الدولتين، ويطالبها بوقف جميع انشطتها الاستيطانية في الاراضي الفلسطينية والتي هي السبب الرئيسي في عدم تحقيق حل الدولتين حتى الآن، اي ان اسرائيل هي المسؤولة عن محاولات افشال القرارات والرغبة الدولية في انهاء الصراع في المنطقة من خلال انتهاكاتها وممارساتها غير المسؤولة والمتعارضة مع القوانين والاعراف الدولية.
وحول البند الخامس الذي يؤكد بأن على جميع الدول عدم تقديم مساعدة لاسرائيل تستخدم خصيصاً في النشاطات الاستيطانية، فإن هذا البند هو الذي يقلق اسرائيل بالدرجة الأولى، لأن ذلك يعني تشديد المقاطعة على منتجات المستوطنات، وكذلك عدم تقديم اي دعم لاسرائيل يخدم المستوطنات وتوسعها على حساب شعبنا وأرضه.
ومن شأن هذا البند ان يوسع من دائرة الدول التي تحظر دخول منتجات المستوطنات اليها، خاصة دول الاتحاد الأوروبي التي اتخذت هي والعديد من الدول الأخرى قرارات بوسم منتجات المستوطنات، وربما يساعد هذا البند لاحقاً في منع دخول هذه المنتجات لهذه الدول وهو الذي يقلق اسرائيل.
اما البند السادس والذي يدعو الى منع جميع انواع العنف ضد المدنيين بما فيها اعمال الارهاب وايضاً كل اعمال الاستفزاز، التحريض والتدمير ويدعو الى محاسبة جميع المسؤولين عن ارتكاب كل هذه الممارسات غير القانونية، فإن هذا البند حمال اوجه وكان من الاجدر ان يحمل اسرائيل الدولة القائمة بالاحتلال بصورة واضحة وجلية مسؤولية اعمال العنف والارهاب والاستفزاز والتحريض، والتدمير، لأنها هي التي تمارس بحق شعبنا وأرضه وممتلكاته كل انواع العنف والارهاب، وحسب القانون الدولي والانساني فإن من حق شعبنا مقاومة الاحتلال وأن مقاومته حق مشروع، لا يمكن وصفه بالعنف او الارهاب، وان دولة الاحتلال هي التي تمارس هذه الممارسات وليس شعبنا.
وفيما يتعلق بالبند السابع الذي يدعو كلا الطرفين للعمل على اساس القانون الدولي، بما في ذلك القانون الدولي الانساني، واتفاقاتهما والتزاماتهما السابقة والى التزام الهدوء وضبط النفس والامتناع عن الاعمال الاستفزازية والتحريض والخطابة الملهبة للمشاعر يهدف ضمن جملة امور الى تهدئة الوضع على الارض واعادة بناء الثقة، والاظهار من خلال السياسات والاجراءات الاتلزام الصادق بحل الدولتين وتهيئة الظروف اللازمة لتعزيز السلام، فقد كان من الاجدر توجيه هذا البند بشكل واضح وصريح لاسرائيل دولة الاحتلال، لأنها هي التي تخرق القانون الدولي وترى بنفسها بأنها فوق القانون، فهي التي تقوم بالتحريض والممارسات الاستفزازية، وليس شعبنا وان ما يقوم به ابناء شعبنا هو ردات فعل على الانتهاكات الاسرائيلية، فالحواجز العسكرية المنتشرة في الارض الفلسطينية المحتلة والاهانات التي يوجهها جنود الاحتلال لابناء شعبنا على هذه الحواجز والمس بكرامتهم والاعدامات الميدانية لابناء شعبنا أمام مرأى ومسمع العالم هي التي تخلق وتوجد ردات الفعل لدى ابناء شعبنا وان منع ذلك لا يمكن ان يتم الا من خلال رحيل الاحتلال عن الاراضي الفلسطينية والاعتراف بكامل حقوق شعبنا الوطنية بما في ذلك حق العودة واقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
وبخصوص البند الثامن الذي يدعو جميع الاطراف في سبيل مصلحة تعزيز السلام والأمن بذل جهود جماعية لاطلاق مفاوضات ذات مصداقية حول جميع قضايا الوضع النهائي في عملية السلام في الشرق الاوسط وفقا للمرجعيات المتفق عليها وفي الاطار الزمني المحدد من قبل اللجنة الرباعية في بيانها الصادر في ٢١ ايلول عام ٢٠١٠. وهذا البند كان من الاجدر توجيهه لاسرائيل الدولة القائمة بالاحتلال لان القاصي والداني يعرف حق المعرفة ان اسرائيل هي التي افشلت مفاوضات السلام وهي غير معنية بتحقيق السلام في المنطقة وقد اعلن ذلك اكثر من مسؤول اسرائيلي في حكومة نتنياهو الاكثر يمينية وتطرفا وعنصرية في تاريخ الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة وقد اعترف بذلك ضمنا جون كيري وزير الخارجية الاميركي حليفة اسرائيل الاستراتيجية في اكثر من تصريح بأن اسرائيل هي التي تعرقل والتي افشلت محادثات السلام مع الجانب الفلسطيني من خلال اشتراطاتها وممارسات وانتهاكاتها على الارض.
وقد قدم الجانب الفلسطيني كل ما يستطيع تقديمه من اجل تحقيق السلام، الا ان اسرائيل كانت تقابل ذلك بالتسويف والمماطلة واجراءات وانتهاكات على الارض.
اما البند التاسع الذي يحث في هذا الصدد على تكثيف وتسريع الجهود الدبلوماسية الدولية والاقليمية الرامية الى تحقيق – دون تأخير – نهاية الاحتلال الاسرائيلي الذي بدأ في عام ٦٧ وسلام عادل ودائم وشامل في الشرق الاوسط على اساس قرارات الامم المتحدة ذات العلاقة وهي مرجعيات مدريد، بما فيها مبدأ الارض مقابل السلام، مبادرة السلام العربية وخارطة الطريق، ويشير في هذا الصدد الى اهمية الجهود الجارية لدفع مبادرة السلام العربية ومبادرة فرنسا لعقد مؤتمر دولي للسلام والجهود الاخيرة للجنة الرباعية وايضا جهود روسيا الفدرالية ومصر.
ان ما ورد في هذا البند هو من صلاحيات مجلس الامن الدولي الذي من المفترض ان ينفذ قراراته وقرارات المجتمع الدولي بانهاء الاحتلال للاراضي الفلسطينية وبإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، فاسرائيل دولة الاحتلال التي تعتبر نفسها فوق القانون الدولي، من واجب مجلس الامن فرض عقوبات عليها من اجل تنفيذ قراراته المتعلقة بالقضية الفلسطينية مثلما فعل ويفعل في العديد من مناطق الصراع في العالم.
ان التساهل الدولي مع الاحتلال الاسرائيلي هو الذي اعطاها الفرصة لكي تواصل احتلالها وتقوم بهجماتها الاستيطانية واعتداءاتها وانتهاكاتها للقانون الدولي.
ان مجلس الامن تقع على عاتقه مسؤولية تنفيذ هذا البند وغيره من البنود الاخرى الواردة في هذا القرار وغيرها من القرارات الاخرى. فالذي يتحمل مسؤولية تدهور الاوضاع في المنطقة هو المجتمع الدولي وتحديدا الولايات المتحدة الاميركية التي تمنع مجلس الامن من اتخاذ اجراءات رادعة وفرض عقوبات على اسرائيل لكي تستجيب للقرارات والقوانين والاعراف الدولية.
وبالنسبة للبند العاشر الذي «يؤكد تصميم المجلس على دعم الطرفين خلال المفاوضات وفي تنفيذ الاتفاق» فان ذلك الامر كان من الاجدر بالمجلس اتخاذه قبل سنوات فالمفاوضات التي استمرت منذ عام ١٩٩٣، لم تسفر عن شيء بل وصلت الى تقرير مسدود جراء التعنت والاشتراطات الاسرائيلية ورفضها للسلام.
ان من واجب مجلس الامن في المرحلة الحالية وبعد وصول المفاوضات الى طريق مسدود وفشلها رغم انها كانت تحت الرعاية الاميركية حليفة اسرائيل الاستراتيجية، من واجب مجلس الامن الضغط على اسرائيل من اجل تنفيذ حل الدولتين ان بقي هناك مجال لتنفيذ ذلك وفرض عقوبات عليها جراء عدم امتثالها للقرارات والقوانين والاعراف الدولية، اما اجراء مفاوضات في هذه المرحلة، فان ذلك يعني كمن يدق الماء في الهاون فإنه لا ينتج سوى الماء. وبالنسبة للمفاوضات في ضوء حكومة اليمين الاسرائيلي الاشد تطرفا فان ذلك لن يؤدي الى شيء سوى اعطاء هذه الحكومة المزيد من الوقت لتنفيذ سياساتها في الاستيطان والتوسع والضم والاسرلة ومواصة انتهاكاتها بحق ابناء شعبنا ومقدساته.
اما البند الحادي عشر الذي «يعيد التأكيد على تصميمه – اي مجلس الامن – في بحث الطرق والوسائل العملية لضمان التطبيق الكامل لجميع قراراته ذات العلاقة». فإننا نأمل ان يقوم مجلس الامن بتطبيق هذه القرارات خاصة وانه مضى على احتلال اسرائيل للاراضي الفلسطينية حوالي ٥٠ عاما، دون ان يعمد المجلس الى تنفيذها.
وحول البند الثاني عشر الذي يطلب من الامين العام للامم المتحدة ان يرفع تقريرا الى مجلس الامن كل ٣ اشهر حول تطبيق بنود القرار الحالي فمما لا شك فيه ان هذا البند يؤرق ايضا اسرائيل دولة الاحتلال لان من شأن تطبيق هذا البند ان يطلع مجلس الامن على اي بناء استيطاني تقوم اسرائيل ببنائه في الاراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية.
وربما يدفع هذا البند مجلس الامن الدولي الى اتخاذ اجراءات ضد دولة الاحتلال لانها تؤكد بأنها ستواصل الاستيطان ولن ترضخ لقرار مجلس الامن وتصر على تحديها له.
اما البند الثالث عشر والاخير والذي ينص على :«يقرر ان يبقي المسألة قيد النظر» فإننا نأمل بأن يواصل مجلس الامن النظر ليس فقط في موضوع الاستيطان بل ايضا في مجمل الانتهاكات الاسرائيلية التي ترتقي في معظمها ان لم نقل جميعها الى مستوى جرائم الحرب خاصة الاستيطان والاعدامات الميدانية وتهويد القدس والمس بالمقدسات وعلى رأسها المسجد الاقصى المبارك.
بقي ان نقول ان هذا القرار سيبقى حبرا على ورق ان لم يقم مجلس الامن بالضغط على اسرائيل لتنفيذه وتنفيذ كافة القرارات السابقة ذات العلاقة وان تطلب الامر فرض عقوبات عليها خاصة وانها تتحدى القرار وهاجمته واعلنت امس عن نيتها بناء ٥٦٠٠ وحدة استيطانية جديدة في القدس المحتلة كرد على هذا القرار.
ورغم اهمية هذا القرار بالنسبة للقضية الفلسطينية الا انه سيبقى في ادراج المنظمة الدولية ما لم تبن عليه السلطة الفلسطينية في كافة المجالات القانونية والسياسية والاخلاقية.. الخ.
ونقصد هنا بأن تعمل على استغلاله في محكمة الجنايات الدولية التي تستعد لبحث مسألة الاستيطان حيث سيساهم ذلك في تجريم الاحتلال الاسرائيلي وربما فرض عقوبات عليه.
وهذا يتطلب ايضا العمل الجدي لانهاء الانقسام الاسود ووضع استراتيجية عمل موحدة وكذلك برنامج عمل وطني شامل لمواجهة الاحتلال واستثمار التأييد الدولي الجامع لصالح قضية شعبنا وحقوقه الوطنية.
ومن الضروري ادراك ان عدم تصويت الولايات المتحدة ضد القرار والسماح بتمريره ليس حبا بنا وبقضية شعبنا وانما هو نابع من حرصها على اسرائيل وخوفها من ان تصبح دولة ثنائية القومية وهو ما لا ترغب به بل انها تؤكد ليل نهار بأنها مع اقامة دولتين اسرائيل وفلسطين.

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا