بمناسبة الانطلاقة وحوار الاستبداد مع محمد دحلان!

أعلم أن هذا المقال لن يلقى قبولا من مختلف الأطراف، لأن منطق التشويه والاتهام هو المسار الأسهل ليُشهر كسيف في وجه صاحب الرأي الحر الذي لا يماليء السلطان أو الشيطان أو ما بينهما، وان كان النقيضان لا يريان توسطا أبدا، وقد يرتبط مع عملية الاتهام هذه ضرر جسيم و تهديد أو استبعاد، هو من مكونات فكر الفرعون من الذين لا يرون الا أنفسهم بعد الله عز وجل (وربما قبله أحيانا)، أو يديرون الظهر للآخر عندما يختلفون فلا يستطيعون أن يرسموا المحددات ويضعوا الخطوط الحمر ويفصلوها عن مناطق الالتقاء، ولكن محركي الرئيس هو نشدان الحرية وبناء العقلانية والجدل، ومنطق الحوار وممارسة الديمقراطية مع الآخر المختلف أي كان هذا الآخر، فليزعل من يشاء وليرضى من يشاء فنحن لا نركب الا مركب فلسطين بإذن الله تعالى.
استمعت لخطاب محمد دحلان بالعام الجديد أو بذكرى الانطلاقة المجيدة للثورة الفلسطينية المعاصرة، الذي يطيب لنا كفتحويين وصفه بالمفصول أو المطرود، وان وصفناه كذلك أي بالمفصول، فليس في ذلك خروج عن الحقيقة، وانما اعادة تذكير بها قد لا يعني تكرارها شيئا وانما اغلاق الطريق بمكعبات اسمنتية تمنع الحديث والنقاش كما تمنع الاستماع للآخر، وما كانت حركة فتح التي آمنت بالتنوع لترفض الاستماع حتى للخارجين عليها أكانوا منشقين او مفصولين او أصحاب حفيظة وموقف مختلف.

خطاب مثير، ومسلمات
لذا فإن خطاب محمد دحلان كان في الحقيقة مثيرا من حيث الاخراج الفني وطريقة السبك، وتضمن عددا من المفاهيم التي انطوت على كثير من المسلمات الوطنية والفتحوية التي لا يختلف عليها اليوم اثنان في الشعب الفلسطيني مثل (الحاجة الى كل الأوراق) وخوض (الدبلوماسية الوعرة) وماذا ترى الرئيس أبومازن يفعل إن لم يكن ما يخوضه هو الدبلوماسية الوعرة يا اخ محمد؟ وكنت أنت في مرحلة ما في ركاب هذه الدبلوماسية! وأن (العمل السياسي وحده لا يكفي) وأننا (ضد اليأس والاحباط ومع الشباب) وأننا مع (رفض التعايش مع الاحتلال) (والاستسلام للامر الواقع)، وهي كلها كما أشرت مفاهيم رائعة وطنيا ولا نختلف الا في آليات تطبيقها أو وقته أوعلى مقدار طرح الأولويات، وزاوية النظر، أو في الشخوص المفوضين بالأمر.
في عشرين دقيقة تمرحل محمد دحلان في العرض بشكل ابتعد فيه هذه المرة عن أسلوب الطعن المباشر ما كان سمة غير محمودة في كثير من خطابات المختلفين الفلسطينيين وهو منهم، وهنا لربما نلمح ملمحا تصالحيا رغم كثير من النقد المرير الذي قد يتفق معه البعض أويختلف-ونختلف معه نحن- كما اتفق عدد من أبناء فتح مع المنشقين (عام 1983) ورفضوا أساليبهم وتبعيتهم المدمرة، ولست بمجال المقارنة الا في حدود الفكرة المطروحة التي قد يّعاد تلوينها كما تفرض على الرسام الفرشاة.
أسهب محمد دحلان في الإشادة بالثورة الفلسطينية وفي حركة فتح فهي (قوة التغيير المطلوب) وهي (قلب وعقل القضية) ومشيرا أننا (قبلنا تحدي السلام دون اسقاط الخيارات الاخرى) وموضحا أننا (فاوضنا بانفتاح وقاتلنا بشراسة) وموضحا أننا (لم نخطيء باختيار أبومازن فنحن توافقنا عليه ولكن ضمن العمل المؤسسي والشراكة) ثم يعرض منطقة الاختلاف مع السلطة الفلسطينية منذ ما قبل المؤتمر السادس والانقلاب على غزة فيحمل مصطلحات مستعارة من الآخرين مثل (المفاوضات العبثية) وكان محمد دحلان نفسه جزء من هذه المفاوضات التي يرفضهااليوم-ورغم توقفها بل واختلاف المنطلقات القوية التي تطرحها القيادة الفلسطينية اليوم لأي عودة لها- ومثل التنسيق الأمني وهو وكل الاجهزة الأمنية وحتى فصيل حماس بشكل أو بآخر يتعاملون مع هذا التنسيق ولكل رأيه الخاص به!

أنت متهم أيضا
ثم يعرض دحلان للإنفاق الحكومي الذي تمتص غالبه الأجهزة الامنية! ومعددا الخروقات السلطوية والقانونية وهو في كل ذلك في حقيقة الأمر يتحمل من المسؤولية الشيء الكثير كما تتحمله السلطة قطعا، وتتحمله “حماس” وكافة الفصائل حيث كان للافتراق والانقسام الذي وصل لدرجة طرح (الامارة المنفصلة) أو (الفدرالية) أن تاخذ حيزا في العقل العربي والفلسطيني وبشكل مريب.
إن كل ما ذكره الاخ محمد دحلان في خطابه، إن حمّله لغيره فهو فيه غير دقيق ويجانب الصواب قطعا، وكان من الأولى له ولنا أن نعترف بالخطأ والفشل والمظالم والمفاسد، ونحدد أين اخطأنا وأين أصبنا، فنتوازن ونصوب، ولا نجعل الآخر عُرضة لاتهاماتنا لمجرد خلاف لا علاقة له برأيي بالوضع السياسي ولا بالفكرة الفتحاوية ولا في الإطار الوطني وانما بسياق واحد فقط سأبيّنه!
المثير الأساس في خطاب دحلان هو تركيزه على عقل التفرد أو ما أسماه حسب مصطلحاته (النهج المهيمن) والعمل السلطوي (خارج القانون) و(الفوقية) و(الفردية) وممارسات (التعيينات الانتقائية) وما أسماه (فساد السلطة) و(التغول) و(رغبات الفرد) و(التفرد الحزبي والفردي) لنصل للب الموضوع في كل الخطاب، وفي طبيعة الصراع القائم، وهو الصراع في السلطة وعلى السلطة، وليس في كيفية مواجهة الاحتلال أو وضع برنامج وطني شامل، وما يعنيه ذلك من ترتيب الأوراق لفترة ما بعد الاخ الرئيس أبومازن؟

الشوائب في حركة فتح
خرج محمد دحلان من حركة فتح بقرار فصل نظامي، وخرج آخرون بذات السياق وإن كان لنا على بعض الخروجات (أو الاخراجات) اللاحقة من وجهة نظر نظامية محددة سبق وطرحانها ومازلنا فإن الخروج أو الإخراج من الحركة قد وقع، وعلينا التعامل معه فقط وفق القانون الحركي، كما كان من أمر عدد من الاخوان الذين رفضوا ذلك ومازالوا مصرين على المتابعة الحركية الداخلية غير مستغلين امكانياتهم الاقليمية أوالمالية أو الاعلامية أبدا للاستقواء و(الهيمنة) و(التغول) و(التفرد) على الأخر وعلى الحركة.
في السياق السياسي لم أجد من الخطاب الا اقترابا لا مثيل له مع الخط الرسمي للسلطة الفلسطينية وللاخ الرئيس أبومازن، إن أزلنا من خطاب دحلان بعض العبارات الكبيرة وإن أزلنا منطق الشخصنة، وما يتعلق ببعض الاجراءات السلطوية الأخيرة المثيرة للجدل الفقهي، وربما أقول إن أزلنا شوائب الاحساس بالمرارة لسبب الخروج من النظام (السلطة والحركة) بشكل كامل، فالمهام التي طرحها دحلان في نقاط سبعة ليس فيها من الجديد إلا ما ارتبط بصفة صانع السياسة، أو الجهة المخاطبة بمعنى: أنني أقبل أن أكون جزءا من المعادلة فتسير الأمور على ما يرام، والا فإن كل ما تفعلونه -حتى لو وافقت على معظمه- خطأ وفساد ومرفوض.

هو المؤتمر السابع
وفي إشارة محمد دحلان فيما يتعلق بالمؤتمر السابع للحركة أقول أنه رغم عدد من السلبيات التي صاحبت المؤتمر الحركي السابع، وقبله السادس الذي نجح فيه دحلان، وما شابه من أخطاء لا تُنكَر برأيي، الا أنه يُسمى مؤتمر حركة فتح السابع بلا شك لا (مؤتمر المقاطعة)، وفي الصراع الداخلي في التنظيمات السياسية تفوز جهة أو اجتهاد ما لا يعني عدم الاعتراف أو نزع الشرعية عن الاجتهاد الآخر، فالمؤتمر الذي نقصه الكثير من النقاش لضغط الوقت أو لأي سبب آخر، قد أفرز قيادة حركية نفتخر ونعتز بها، ولنا أن نختلف معها فحقنا بالخلاف في الإطار وفي سياق الاحترام لا نتنازل عنه فهو مصلحة فلسطين فقط، وهؤلاء المنتخبون هم قادتنا ابتداء بالأخ الرئيس وانتهاء بالأصغر سنا وهو الاخ صبري صيدم، رغم كثير من النقاط السلبية كما أشرت التي قد أكتب عنها مما حصل في المؤتمر لاحقا لغاية التصويب والمراجعة وبمنطق المحبة والعرفان لهذه الحركة العملاقة.
ما أريد أن أوضحه للاخ محمد دحلان أن عدم اعترافه (بمخرجات مؤتمر المقاطعة) كما أسماه وهو غير محق قطعا، بغض النظر عن الملاحظات، يعني اعلانه الخروج الكامل عن الحركة، وتشكيل حزب أو تنظيم جديد وهذا شأنه، فنحن جميعا لا نعترف بمن لا يعترف بنا، فما بالك يا أبوفادي تعلن عدم السماح بالانشقاق في حركة فتح وأنت تعلن علنا أنك تنشق عنها! ورغم ذلك تعود للقول أننا (باقون في حركة فتح الاسترجاع كرامتها والجماعية فيها والديمقراطية)؟ وكيف ستسترجع ما لم يُفقد؟ او كيف ستسترجع أشياء لمن ليس لك فيها مكان؟

ديمقراطية واستبداد
إن النقط الرئيسة في حركة فتح أنها تخوض الصراع الداخلي ولا تلتفت الى الخلف لتأخذ العبر، وقد يحدث هذا من القلّة، ولكن الكثرة تفهم أن الإطار المركزي بالحركة على علاته هو الجامع مادام ملتزما بالفكرة الوطنية وبفلسطين وبفكر الحركة الحضاري العقلاني، وهو ما لم يخرج عنه أحد في ظل التعدد والتنوع الديمقراطي داخل هذه الحركة، حتى في ظل الشوائب والروائح العطنة والانتهازيين التي سنظل ننقدها ونرفضها ونصارعها.
لقد استطعنا جميعا أن نمارس الديمقراطية في الحركة، وكنت أنت من هؤلاء وتعلم أن ممارسة الديمقراطية بالحركة رغم بعض جوانب الاستغلال والاستبداد والتحكم الفردي بالقرار لدى اللجنة المركزية (وكنت انت منها) لا تُنكر –وربما تجد لها مسوغا من التراث والتاريخ العربي والاسلامي-ولكنها استبداد قابل للتعاطي والتناول أحيانا بمعنى أنه لا يرفض الآخر بل يحتمله وإن على مضض، وعموما لستُ أنا من عشاق الاستبداد (التسلط والديكتاتورية وفرض الرأي بعيدا عن النظام) أبدا،أكان على مضض أو غيره، أكان هذا من عضو اللجنة المركزية (س) أو (ص) أو أكان من السلطة أو أي جماعة، فمن تربي وفق منهج عمر بن الخطاب في الحرية، ومن رأى أن في سيف علي بن أبي طالب وحكمته مثالا، ومن التزم بشريعة عبدالرحمان الكواكبي المناهضة للاستعباد والاستبداد يعلم أن أي نمط من الاستبداد هو مرفوض، ولا أشك للحظة أنك يا أخ محمد وكثيرين يحملون جرثومة الاستبداد هذه مربوطة بمنهج التحشيد الداخلي المستتر والعلني، والا كيف استطعت أن تتجاور وتتجاوز وتتخطى كثير من العقبات والمسارات التي ترى الآن عدم قدرتك على تجاوزها؟

استبداد ممكن! أما استقواء فلا؟
إن حركة فتح التي تقبل التعدد، وتقبل الاجتهادات، وقد تظِلم البعض أحيانا نعم، وقد تمتليء في مرحلة من المراحل بالانتهازيين والنباتات المتسلقة هي ذات الحركة التي سرعان ما تنتفض وترفض كل هذه الأشكال، وسرعان ما تضع في الطريق أسسا للتنظيف أوالعودة لمجرى النهر المتدفق.
إن حركة فتح التي تبيح التعددية فيها كحديقة الورود المتعطرة بالروائح الجميلة، وحركة فتح التي هي بلون التراب فتقبل الجميع، قد تتسامح مع المستبد فيها أيضا –ما أرفضه أنا ديمقراطيا-لكنها لا تتسامح مطلقا مع حالة الاستقواء على الحركة أبدا من أي طرف خارجي كان، أو مع اغتصاب قرارها. والرئيسين أبوعمار وابومازن خاضا مع أخوتهم في قيادة الحركة والمنظمة لسنوات طوال معجزة البقاء ضد من ظنوا أنفسهم يملكون مفاتيح الحل دوننا، فناطحوا السحاب كنظام الأسد وليبيا والعراق سابقا، وسارت القيادة في درب الأشواك الصعب ، وخاضوا الحرب ضد تدجين القرار لمصلحة هذا المحور الاقليمي او ذاك محافظين على استقلاليته في المركب العربي، فهل نعود نحن لنسمح لأي كيان أو إطار خارجي أن يلعب بنا فننتكس أو ننتكب من جديد؟

عن حركة فتح التي قامت من اجل فلسطين و(عاشت من اجل فلسطين) كما ختمت أنت كلامك، نعم لم تقل يوما انها بقادرة لوحدها على تحرير فلسطين، لذلك رفعت لواء فلسطين كلواء حرية يلتف حوله من الفلسطينين كل المؤسسات والتنظيمات، ومن أحرار العالم قاطبة، ويجمع العرب عليه، فلا قاطرة فلسطين متحركة أبدا ان لم تتحرك في القطار العربي كما كان يردد الخالد خالد الحسن، ولا مناص من أن يسود في فتح-وكافة الفصائل- التي لا تمل الصراع المفضي للبزوغ والنور منهج التغيير والديمقراطية والحوار والحرية في ظل ان اتجاه البندقية أبدا واحد ضد المحتل الغاصب.

نعم للرموز لا للرموز!
يعتبر الفيلسوف جون ستيوارت ميل، من أوائل من نادوا بحرية التعبير عن أي رأي مهما كان هذا الرأي غير أخلاقي في نظر البعض، حيث قال “إذا كان كل البشر يمتلكون رأيا واحدا وكان هناك شخص واحد فقط يملك رأيا مخالفا فان إسكات هذا الشخص الوحيد لا يختلف عن قيام هذا الشخص الوحيد بإسكات كل بني البشر إذا توفرت له القوة” .
إن مرحلة الرموز الوطنية بعد ياسر عرفات ومحمود عباس لن تكون. هي مرحلة وانتهت. فالرجلان-وزملاؤهما الرواد الاوائل- قدما لفلسطين زهرة عمرهما منذ أطلقا شعلة الثورة فلهما واخوانهما حسن الرفادة والاحترام والمحبة والرمزية والالتزام، أما من قد يلي فلن يُقبل منه أن يفترض في ذاته رمزية، فالتاريخ لا يعيد نفسه أبدا، وسيظل الرمز الوحيد هو فلسطين، وترابها وسماؤها وجبالها وعلمها…، والرمز هو المرأة المكافحة والشبيبة الناهضة، والرمز هو المجاهد والأسير والشهيد، وعليه لن نقبل استبداد (ديكتاتورية) أو فردية أي شخص أو جهة في أي تنظيم سياسي أو في الدولة فنحن شركاء الوطن، وحينها لن نتسامح معه ونخوض صراعنا الداخلي الديمقراطي ضده لتكريس النظام والحق والقانون والحرية فقط، كي لا يكتوي الوعي بنهج (الإمعيّة: لا تكونوا إمعة…) الذي حذر منه خير البرية صلى الله عليه وسلم، ويدجن المستقبل، فالمستقبل فقط للأيدى الضاغطة على الزناد ضد المحتل، و باليد الممسكة بقلم الحق وريشة الحرية ومنجل الحصاد، والله ناصرنا وانها لثورة حتى النصر.

بقلم: بكر أبوبكر

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

فتح ميديا أوروبا