الوظيفة العامة في العالم النامي.. بين متطلبات القانون والسخط الشعبي

بقلم: المحامي د. إيهاب عمرو

لا شك أن سيئات العمل في وظيفة عامة في معظم الدول النامية أكثر من حسناته، سواء تعلق بوظيفة إدارية أو قضائية، حيث إن العمل الحكومي في معظم تلك الدول يجعل من صاحبه عرضة للنقد والسخط في آن من قبل الآخرين. وكم أودى العمل الحكومي بمستقبل أشخاص من أصحاب العقول كان من الممكن أن يبدعوا في حقول تخصصاتهم. ناهيك عن حالة الغضب الشعبي المسبق ممن يعمل في وظيفة حكومية، خصوصاً أصحاب المناصب العليا.

ولا شك أن هناك مخاطر جمة تلاحق من يعملون في وظيفة عامة عند إتخاذ القرارات، خصوصاً أصحاب المناصب العليا كما أسلفنا، الذين يكونون عرضة للانتقاد اللاذع أحياناً، سواء علناً في حالة وجود هامش معين من حرية التعبير في الدولة، أو سراً في حالة عدم كفالة حرية التعبير لمواطني الدولة، عند اتخاذهم أية قرارات ذات علاقة بمسائل معينة قد تكون ذات أهمية لعموم المجتمع، أو تمس بعض جزئياته ومكوناته.

في فلسطين، يلاحظ تزايد حدة ردود الفعل من جهات شعبية وأهلية وحقوقية ضد قرارات أصدرتها، أو تصرفات قانونية قامت بها، بعض الجهات الإدارية، وكذلك القضائية، خلال الفترة القليلة الماضية ما يستدعي وضع النقاط على الحروف بخصوص تلك الموضوعة من جانب قانوني ومن جانب عملي.

من جانب قانوني، تنص المادة (26) من القانون الأساسي المعدل لعام 2003 على ما يلي: “للفلسطينيين حق المشاركة في الحياة السياسية أفراداً وجماعات ولهم على وجه الخصوص الحقوق الآتية: (4) حق تقلد الوظائف والمناصب العامة على قاعدة تكافؤ الفرص”. ويلاحظ أن أحد أسباب عدم الرضى الشعبي في بعض الأحيان مرده وجود إحساس بعدم تقلد الوظائف العامة على أساس قاعدة تكافؤ الفرص حسب نص القانون الأساسي ما يفتح المجال واسعاً أمام تأجيج المشاعر وإثارة العواطف وأحياناً النعرات القبلية، مع التأكيد على أن حرية الرأي مكفولة وفق القانون حيث تنص المادة (19) من القانون الأساسي على ما يلي: “لا مساس بحرية الرأي، ولكل إنسان الحق في التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو غير ذلك من وسائل التعبير أو الفن مع مراعاة أحكام القانون”.

في الواقع العملي، لا بد من إعادة التأكيد على أن حرية التعبير مكفولة، ويجب أن تكون كذلك كحق قانوني وليس كمنة، لكن بشرط عدم مخالفة أحكام القانون، ما يعني بالضرورة دون تهجم أو تهكم أو تصفية حسابات ضد شخص بعينه أو جهة بعينها كون ذلك يفتح الباب واسعاً أمام إثارة النعرات في المجتمع ما قد يؤدي إلى تطور الأمور وأخذ القانون باليد ما يشكل مساساً بالسلم الأهلي والإستقرار المجتمعي المنشود، آخذين بعين الاعتبار خصوصية الوضع في فلسطين المكلومة، خصوصاً أن شعب فلسطين يحشد طاقاته من أجل الوصول إلى أهدافه المتمثلة في الحرية وإقامة الدولة المستقلة بعاصمتها القدس على ترابه الوطني، ما يستدعي ألا تنحرف البوصلة عن مسارها الطبيعي وسياقها الصحيح. غير أن ذلك لا يمنع، ولا يجب أن يمنع، عموم الناس أو المؤسسات الأهلية أو الحقوقية من أن تعبر عما يجول في خاطرها وأن تنقد، عند الاقتضاء، بعض القرارات الصادرة عن الجهات الإدارية العليا بأسلوب علمي ومهني مبني على احترام الاختلاف في الرؤى والمنطلقات الفكرية والعقائدية، ومبني كذلك على احترام الاجتهادات في مختلف المجالات سواء كانت قانونية، اقتصادية أو سياسية، بحيث يكون النقد معول بناء وليس معول هدم في صرح الدولة الفلسطينية المنشودة. كما يتعين على الجهات الإدارية ذات العلاقة، خصوصاً العليا منها، قبول مثل هذا النقد والابتعاد عن تسييس الأمور في كل الحالات، كون أن بعض تلك المطالب الشعبية أو الحقوقية قد تكون سبباً في إصلاح خلل قائم أو اجتثاثه من الجذور. وفي حالة وجود خلاف حول قرار معين بين جهة الإدارة من جهة، وجهات أهلية أو حقوقية أو شعبية من جهة أخرى، فإن القانون يبقى الفيصل، والقضاء كذلك، وإلا فإن عدم الاحتكام إلى القانون والقضاء سوف يؤدي إلى أن تسود شريعة الغاب في مجتمعنا مع ما ينطوي على ذلك من أضرار سلبية لا تحمد عقباها، وقد لا يمكن توقع نتائجها أو السيطرة على آثارها مستقبلاً.

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

فتح ميديا أوروبا