قَتْلٌ إلى متى؟

بقلم: د. عبدالعزيز المقالح

قَتْلٌ في سوريا، قتل في العراق، قتل في ليبيا، وقتل في سيناء، وقتل في اليمن واقتتال في أكثر من مكان في الوطن العربي الجريح. والفاجع والمثير للحزن والفزع أن القاتل عربي والمقتول عربي، وأن القوى الكبرى، الكبرى في قوتها المادية لا في إنسانيتها ومواقفها الشجاعة النبيلة، هذه القوى تسهم في هذا القتل وتتباهى بأنها تشارك في سفك الدم العربي بدلاً من أن تسعى إلى فك الاشتباك الدموي بين المتقاتلين وتبحث مع غيرها عن حلول ناجعة وعاجلة تضع حداً للمشكلات التي أدت وتؤدي إلى الاحتراب والاقتتال.

وقبل الاسترسال في الحديث عن حال القتل الذي طال واستشرت آثامه، أود أن أشير إلى أن عنوان هذا المقال مستعار مع شيء من التصرف من عنوان ديوان شعر صدر في منتصف خمسينات القرن الماضي للشاعر لطفي جعفر أمان، والعنوان هو: «ليل إلى متى؟» وكان يقصد به ليل الاستعمار والاستبداد بعد أن طال وأرهق شعوب المنطقة وألقى بها في قاع من التخلف والاختلاف، ونحن الآن نواجه ليلاً آخر، ليلاً من القتل والحروب التي خرج بعضها عن نطاقه المحلي وصارت شأناً دولياً وتجارة رابحة على حساب الملايين من الأبرياء أطفالاً ونساءً وشيوخاً وعلى حساب بعض المدن العربية التي تتعرض يومياً للتدمير ولافتقاد ما كانت قد حققته في العقود الماضية من تطور نسبي في الإعمار وتحسين البنى التحتية، ولا يعلم إلاّ الله وحده كيف سيكون حالها بعد أن تتوقف الحروب إذا كان قد آن لها أن تتوقف ولليلها البشع أن ينجلي.

قَتْلٌ إلى متى؟ هو السؤال الراهن، سؤال اللحظة الذي يطرحه العرب على أنفسهم ويطرحه غير العرب أيضاً من الذين مازالت مشاعرهم تنبض وقلوبهم تتوجع تجاه ما يجري من قتل ويتواصل في وتيرة دموية لا تعرف التوقف، وممن يحزنهم مرأى مواكب النازحين الناجين من جحيم المعارك وهي – أي هذه المواكب – تمضي تائهة إلى حيث لا تدري، وإلى حيث لا مأوى ولا طعام ولا علاج ولا أمان. والغريب والباعث للسخرية أنه وسط هذا الهول المهول لا يكف المبعوثون الدوليون لما يسمى منظمة الأمم المتحدة عن مواصلة رحلاتهم المكوكية بين عواصم المتقاتلين.

ومن يصغي إلى أحاديث الوجدان الشعبي يكاد يلتقط من بين تعليقاتها أن هؤلاء المبعوثين لا يحملون في رؤوسهم شيئاً سوى تقديم التحايا لأطراف الاقتتال، ومباركة ما يحدث، وكأن من ينغمسون في نيران الحروب بحاجة إلى من يشجعهم على المضي في هذا الطريق الذي لا يؤدي سوى إلى مكان واحد هو الهاوية.

قَتْلٌ إلى متى؟ هو لسان حال من تبقى له عقل في هذه الأمة التي لا تستحق كل هذا القدر من المعاناة، والتي كانت في خمسينات القرن المنصرم قد بدأت تكتشف طريقها للنهوض، وهو طريق واحد لا ثاني له، طريق الوحدة أو الاتحاد، طريق الوقوف صفاً في وجه كل المؤامرات والخيانات والتدخلات، وأشك أنه بعد التجارب المهينة، وبعد كل الحروب والانتكاسات قد تبقى في دنيا العرب إنسان يرتضي أن يستمر حال التمزق والشتات، ولعل أشد دعاة العزلة وأكثرهم خصومة لأفكار الوحدة والاتحاد قد بدأوا يدركون عواقب ما حدث ويحدث حتى على كل شيء يمتّ إلى انتماءاتهم الانعزالية إذا ما انفرط عقد التآلف والتحالف، وبدأ كل قطر عربي ينطوي على نفسه وما يتركه هذا الانطواء أو الانكفاء من تشظيات داخلية وانقسامات كان الحلم الوحدوي يحول بينها وبين الظهور أو بالأصح يدمجها في المجموع العام فلا تعود تجتر أحلامها الصغيرة المدمرة.

عن “الخليج”

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

فتح ميديا أوروبا