ترامب كصديق لفلسطين وبعض العتاب لـ «حماس»

بقلم: حسين حجازي

كان هذا إذن، لقاء مريحاً جيداً وبنّاء له ما بعده، ولعله بهذا المعنى كان حاسماً في دلالته وفي الرسائل التي يبعث بها وفي الإشارة إلى قادم الأيام، من لدن الرئيس الأميركي الغامض والمخيف الذي كان واضحاً ودوداً لطيفاً بل ومتعاطفاً مع الرجل الذي جاء يحمل معه مظلومية شعبه. وكان الرئيس محمود عباس ممثلاً حقيقياً لشعبه في هذه المقابلة، وأوضح ما جاء يطلبه وما ينتظره شعبه ويرجوه من هذا السيد الجديد.
ولعله وجد ما يريده او ما رجاه وظنه وقد صدقه ترامب هذا التفاؤل والظن، حين اكد على حماسه وإرادته وتصميمه على إنجاز هذا الحل، الذي يفك أخيرا عقدة هذا الصراع الذي طال أمده، وكان ينتظر في هذا البيت الذي يملك القرار العالمي رجلا آخر مختلفاً عن أسلافه، رجلاً ربما لا يزال يبدو في نظر الكثير غريب الأطوار من خارج السرب غير تقليدي ومبتكر يفكر من خارج الصندوق، وفوق كل ذلك يمتلك الحزم والهيبة ولا يمكن المزاح او المراوغة واللعب معه.
هل اجتزنا مساء يوم الأربعاء الخطوة الأكثر أهمية لنجاح هذا المسار الجديد الذي بدأ فعلياً الآن؟ وهل اتضحت لنا الصورة كفاية عما عناه وقصده الرجل في إعلانه الجديد هذا عن إطلاق عما قريب مساره؟ والجواب هو نعم. لقد فك اللغز ويبدو واضحاً وكأننا نجتاز او نغادر المرحلة الضبابية، اذا كانت كلمة السر الحاسمة هي ان القرار في واشنطن قد اتخذ بإنهاء هذا الصراع، والتنفيذ عاجل وفوري غير مؤجل قرب نهاية هذا الشهر.
لقد بدت أميركا بكل عظمتها وكأنها تحتفي بالرئيس الفلسطيني إعلامياً وسياسياً، وكأنما أميركا نفسها تعيد اكتشاف ذاتها ووجهها الحقيقي، باعتبارها معقد الرجاء الأخير لليائسين والمظلومين، منذ زمن المؤرخ العظيم توكفيل. ويبدو ان كل ذلك هو المؤشر على ان التغير الأخير الذي حدث في الانتخابات الرئاسية، لم يكن تغييرا فوقياً ومجرداً، وإنما تحولاً أبعد مدى يلامس المزاج السياسي العام في هذه الإمبراطورية الأعظم في التاريخ.
ولعل هذا التحول هو الذي يجد صداه بصوت بدأ يصيح عاليا بالتعاطف إزاء المظلومية الفلسطينية، وعودة أميركا الى توازنها وبطولتها القديمة، وهو ما يعني انقلابها فعلا او قلبها ظهر المجن الى أصنامها الفكرية، زمن أميركا الأخير الذي بدأ مع الحرب الباردة.
هو عالم اذن، يتغير كما مياه النهر التي تحدث عنها الفيلسوف الاغريقي القديم، حتى وان بدت هذه العودة من جديد مثلما الاستدارة نحو الذات الأولى، الإرث الأصيل. لكن دولة وطرفا واحدا منذ سبعين عاما او خمسين عاماً لا يبرح البقاء جامداً لا يتغير، لا يراجع نفسه او يغير اساليبه القديمة الصدئة الصغيرة نفسها، ظاناً ان العالم القديم هو نفسه. وهاكم هذه الوسائل الردود نفسها، فبعد ان صدمه مشهد الحفاوة التي استقبل بها ترامب عباس، وبدؤوا يشعرون بخوف حقيقي، ما العمل إذن؟ أغمضوا أعينهم ودفنوا رؤوسهم في التراب، وأخذوا يتحدثون عن الدعم المالي الذي تقدمه السلطة للأسرى، وطرحوا السؤال وكأنهم اكتشفوا البارود من جديد. اهو دعم مقدم من خزينة المنظمة ام السلطة؟ في محاولة بائسة لتشويه صورة الرئيس الفلسطيني، محاولة قتل الرسول هذه المرة للتخلص من الرسالة.
والواقع ان أبو مازن اكثر من عرفات هو من استطاع ان يعزلهم ويحاصرهم سياسياً ويحشرهم في الزاوية، أبو مازن السلمي الذي لا يحمل مسدساً. وبدلاً من ان يفكروا ان كان أحد في العالم على استعداد ان يصغي الى هذه الترهات الفارغة، بينما الأسرى أنفسهم ضحايا الاحتلال يكتسبون عطف العالم، باعتبارهم اليوم هم التجسيد الرمزي الأخير في العالم لبطولة أولئك المحاربين عبر عصور التاريخ، الأبطال من اجل الحرية. وهم برومثيوس الذي يذكر العالم بأنه لا يزال في الأغلال، برومثيوس رمز الحرية والحياة. وكم أحداً في العالم سوف يهز كتفيه من حماقة وسخف هذه التراهات الفارغة. فماذا دهاكم أيها الحمقى؟ وهل ظننتم أن تطلبوا من الفلسطينيين سلطة او منظمة ان يكونوا صهيونيين؟ بينما هؤلاء الأسرى هم اليوم وغداً فخر روايتهم عن انفسهم وسيرتهم وقصتهم. وعنوان مجدهم في قهرهم الاحتلال والعقب الحديدية.
وتشاء الصدف والبعض يقول ليس صدفة ان تعلن “حماس” عن وثيقتها الجديدة، التي تفك من خلالها الارتباط او الاشتباك بين المثالية والواقعية، بين المبادئ والأيديولوجية، وبين السياسة التي تحاكي العملانية. وأنا أقول ان هذا جيد بل جيد جدا وحسن، وان كان متأخراً كثيراً. ولكن كيف يا “حماس” لنا ان نفهم في اليوم التالي هذه الحملة الإعلامية التي تشبه الصراخ والنواح، للقول ان الرجل لا يمثلني؟ بينما هو يستعد لأن يدخل عرين الأسد في البيت الأبيض حيث هو في قلب التجربة، التي يرتجف من هولها زعماء العالم؟ ومن كان سعيدا ويضحك لأجل هذا التشكيك المجاني في شرعية تمثيل وقوف الرجل؟.
حقا يا “حماس” لقد عبرتم عن نضج سياسي في إعلان الوثيقة، ويشهد لكم الصديق والعدو والقريب والبعيد بانكم محاربون شجعان، واستطعتم أخيرا ان تتفوقوا بالحيلة الدفاعية أي بالأنفاق على تفوق العدو الكمي والنوعي بالتكنولوجيا والنيران، ولكنني أعاود القول لكم كما قلته في العام 1995، أنكم لم تفهموا جيداً أو تحللوا شخصية ياسر عرفات وتفوقه القيادي، وأنكم للأسف اليوم لا تفهمون جيدا وتحللون شخصية خليفته وتفوقه القيادي الرئيس محمود عباس. وقد رأيت هنا العام 2006 بلا هوادة في دفاعي عن حقكم في الحكم أن أبو مازن هو حليفكم.
واليوم هل تصدقون انتم أنفسكم ما تقولونه من ان الرجل بالضغوط الأخيرة التي يمارسها عليكم يريد ان يبيعكم؟ وهل يملككم أصلا؟ وهل انتم ورقة في يديه ليساوم عليكم؟ او هل يريد عبر ذلك كما ترددون في إعلامكم تأشيرة دخول الى البيت الأبيض؟ لقد كبرتم على ذلك يا “حماس” وانتم حركة كبيرة، اذا كان كل العالم كما قلنا هنا في الأسابيع الأخيرة يريد من وراء كل ذلك ان يشتري التحالف والوحدة معكم، يريد دعاءهم.
وها هو الرجل أمام دونالد ترامب يقول ما يقوله أمامكم وأمام الفلسطينيين عموما وفي الأمم المتحدة الخطاب هو نفس الخطاب، والثوابت هي الثوابت، ومنها اللاجئون والأسرى. وإذ قال لمضيفه الذي أراد ان يبعث بإشارة رمزية في اختياره الوقوف بروتوكوليا أمام العلم الفلسطيني، وتحدث عن شراكة خاصة جدا مع الفلسطينيين، انه يثق ويؤمن بإرادته ورغبته في إنجاح وتحقيق هذا السلام. وان هذه هي الفرصة الجديدة. وقد شاركه هذا القول خالد مشعل حين أشاد بجرأة ترامب وشجاعته، وتحدث عن هذه الفرصة السانحة. فلماذا كان كل هذا النواح والضجيج للقاء في اليوم السابق؟.
ولقد فشلت محاولات نتنياهو الذي بذل جهدا كبيرا للتشويش على زيارة الرجل، وإذ بدا واضحا ان الساعة آتية لا محالة، وليس في يده اية أوراق ليمنع قدومها. وانه يدرك اليوم ان الأرض تقترب من زلزلة اثقالها وان زلزلة هذه الأرض هذه المرة عظيمة، لم يجد أمامه سوى القول ان محمود عباس ليس جزءا من الحل لأنه جزء من المشكلة. هل سمعتم يا “حماس”؟.
وقال ترامب ان المسار سوف ينطلق من السعودية ثم الى إسرائيل وفلسطين ليصل الى الفاتيكان، قبل ان ينتهي في بروكسل. وخط السير يفصح عن الخريطة. من التحالف مع السعودية الذي هو اقدم من التحالف مع إسرائيل، ومنها الى إسرائيل وفلسطين قلب المشكلة. أما اللقاء مع البابا فلكي تكون هذه الصفقة بمشاركة من لدن الأديان الثلاثة معا، تجمع الإسلام والمسيحية واليهودية. هل طريقته تختلف عن أسلافه؟ اذ اختار أوباما جامعة القاهرة، وكان الفارق مع المثقف الحاصل مسبقا على نوبل انه تكلم كثيرا عن السلام، لكن ما كان يملك الهيبة والقدرة على الردع.

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا