هنية والمرحلة الرمادية

المخاض الذي تعيشه حركة حماس لم ينته بالمصادقة على الوثيقة السياسية ولا بانتخاب اسماعيل هنية رئيسا للحركة، ولا بتولي يحيى السنوار الولاية على إمارة غزة. من الواضح ان التطورات الجارية في المنطقة والعالم تحمل في ثناياها ما لم يكن بحسبان قادة الإخوان المسلمين ومنها حركة حماس. فكلما راهنوا على الزمن، وإمكانية عودة الأمور لزمن حكم مكتب الارشاد ومرسي المعزول، كلما كانت الرياح تأتي بعكس ما تشتهي سفنهم. حتى بات الاستنتاج الأهم لما جرى داخل حركة حماس، ان المرحلة الجديدة، او بالأحرى مرحلة قيادة هنية السنوار، هي المرحلة الرمادية او السنوات العجاف.
ورغم ان خالد مشعل لم يكن في محافظات غزة زمن الانقلاب وما تلاه باستثناء الزيارة السريعة، التي تمت بالتنسيق مع الإسرائيليين من خلال الأشقاء المصريين في الذكرى الـ 25 لتأسيس الحركة، فضلا عن انه كان غير مقبول من قيادة الحركة في غزة بشكل عام ومن قبل الزهار بشكل خاص، مع ذلك كان الانقلاب الحمساوي اواسط 2007 إسنادا لموقعه ودوره في قيادة الحركة، وتعمق هذا الأمر مع تبوء جماعة الإخوان المسلمين مركز القرار في العديد من الدول وخاصة مصر وتونس. أضف إلى ان الإتجاه العام للسياسة الأميركية في ولايتي اوباما 2009/2017 كان في تبني جماعة الإخوان المسلمين كلاعب اساس في المشهد السياسي العربي والإقليمي، وبما يخدم المخطط الأميركي الإسرائيلي.
لكن ما تحمله الأيام لإسماعيل هنية لا يبشر بالخير. رغم إقرار الوثيقة، التي حاول الرئيس السابق للحركة مشعل تسويقها عشية زيارة الرئيس ابو مازن لواشنطن، لقطع الطريق على الزيارة الرسمية الفلسطينية الأولى منذ ثلاث سنوات خلت، ولأن الوثيقة لا تساوي قيمة الحبر، الذي كتبت به، لأن قادة حماس صاغوها للخارج وليس للداخل الفلسطيني، مما اجبرهم على حف اقدامهم على مقاس (من وجهة نظرهم) الغرب، ما افقدهم القدرة على تعويم انفسهم في المشهد الفلسطيني. لأن ما حملته من مواقف متقدمة سياسيا وديمقراطيا، لم تكن تعنيها، بل كانت تحمل ضدها في السلوك اليومي، ومازالت تتخندق الحركة وقياداتها في خنادق الإمارة، ولعل ترسيم اللجنة الإدارية (حكومة الظل) يشكل الانعكاس الحقيقي لتوجهات حركة حماس الفئوية.
من المؤكد أن إسماعيل هنية ومعه يحيى السنوار وكل اركان القيادة في حماس، جميعهم يمرون في مرحلة صعبة ومعقدة، اكثر مما يتصورون، والأمر لا يتعلق بإجراءات الرئيس عباس ضد الانقلاب فقط، انما هناك جملة من المؤشرات والمعطيات الماثلة على الأرض عربيا ودوليا، منها: اولا إدراج الرئيس ترامب لحماس ضمن المنظمات الإرهابية، وهذا الموقف يتعاكس تماما مع مواقف الإدارات الأميركية السابقة، وله استحقاقاته العملية؛ ثانيا تراجع وانكفاء الدور القطري في المشهد العربي والإسلامي؛ ثالثا إصدار قبائل شمال سيناء بيانا سياسيا واضحا حملت فيه حركة حماس مسؤولية إيواء المجموعات الإرهابية، وتسهيل انتقالها من وإلى غزة سيناء للعمل ضد الدولة المصرية عموما وقواتها المسلحة خصوصا. وهو ما يعني إغلاق الأفق امام اي انفراجة نسبية بين القيادة الجديدة وجمهورية مصر العربية، لاسيما وان لدى مصر ومؤسستها الأمنية من الدلائل والبراهين ما يكفي لتورط اجهزة حماس في العمليات الإرهابية، التي تستهدف مصر.
إذا حماس وانقلابها ومشروعها الإخواني يمر في مرحلة حرجة واستثنائية، لن تتمكن إسرائيل من تجاوز السقف السياسي الأميركي، وبالتالي لا تملك تأمين غطاء للانقلاب، الذي هو مصلحة إستراتيجية لها. لأن المعادلات السياسية في الإقليم والعالم لا تتوقف عند حدود التفاصيل. وبالتالي ما كان واقعيا ومقبولا في الساحة والإقليم والعالم قبل وصول ترامب لسدة الحكم، لم يعد مقبولا. ومن هنا على قادة حماس وشخص هنية بالتحديد اتخاذ ما يلزم من قرارات وإجراءات قبل فوات الأوان لتعويم نفسها في المشهد الوطني، والعودة لحاضنة الشرعية، والتوقف عن الانتهاكات، التي تؤبد الإمارة، كما حصل بالأمس بتعيين وكيل لوزارة العدل وغيرها من الانتهاكات.
يعلم المرء علم اليقين، ان هنية لا يملك القرار وحده على اهمية دور الفرد في المؤسسة والدولة والشعب والتاريخ، بالإضافة لكونه شخصية وسطية، وبجانبه شخصيات صقرية سياسية وعسكرية، وبالتالي مطالبته بما هو فوق طاقته يعتبر ضربا من الخيال. لكنه يستطيع إحداث نقلة جدية، إن استند إلى تيار عام داخل حركته معني بحماية الرأس والمصالحة الوطنية. الكرة في مرماه ومعه والي غزة السنوار. فهل يتمكن من تحشيد تيار قوي لدعمه لإعادة الاعتبار لصرح الوحدة الوطنية، والخروج من شرنقة المطاردة والملاحقة الفلسطينية والعربية والدولية؟؟

بقلم: عمر حلمي الغول

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

فتح ميديا أوروبا
Exit mobile version