الخليل مدينة عالمية

بقلم: موفق مطر

ليس بالسلاح وحده تنتصر القضايا العادلة، أما الدبلوماسية فإنها سلاح الوطنيين العقلاء لتحقيق الفوز في جولات مصيرية مع العقل الآخر، تمهيدا لحسم الصراع بانتصار الحق، وهذا ما لا يمكن تحقيقه إلا بإثبات الوجود التاريخي الحضاري، والحاضر البناّء، والمستقبل مع الانسانية.

لو بقينا ألف عام نصرخ (القدس لنا، الخليل لنا، بيت لحم لنا، المقدسات المسيحية والاسلامية لنا) فإن العالم لن يصغي ولن يستجيب الا بقدر بيناتنا القانونية، فاليوم حتى وان ساد منطق القوة المتغطرسة الظالمة الى حين، فإن الانسانية باتت الى قراءة القضايا والصراعات من السجلات القانونية، ونعتقد يقينا ان قرارات الشرعية الدولية، ومنظمات المجتمع الدولي حول القضية الفلسطينية والصراع منذ نشأته تكفي لخط مرجع ( قاموس) للباحثين عن تكريس العدالة الانسانية، ونصب ميزانها.

سيُسَجّل في تاريخ فلسطين، والصراع الفلسطيني الاسرائيلي أن فلسطينيا وطنيا كان في الخلية الأولى التي اطلقت الثورة الفلسطينية المعاصرة، التي بلورت مبادئ واهداف حركة التحرر الوطنية الفلسطينية، وزاوجت بين عقود من الكفاح والنضال الوطني منذ وعد بلفور وحتى اليوم، وباتت رمزا لحركات التحرر الوطنية العالمية، هو نفسه الفلسطيني الوطني العقلاني الحكيم، الذي رأى حتمية انتصار قضية وطنه فلسطين، إن عملنا على ترسيخ عدالتها في وعي شعوب العالم المتحضر، وأحيينا جذور شعب فلسطين التاريخية في تربة القانون الدولي، حيث طغت عشبة الاحتلال والاستيطان الطفيلية، التي باتت اليوم في موضع التهديد الوجودي لكل مقوماتنا الدالة على جدارتنا في الحياة بحرية واستقلال.

انه الفلسطيني الوطني محمود عباس، الرئيس الانسان، رئيس السلام، الثاقبة والصائبة نظرته ورؤيته، هو الفدائي الذي رجح كفة الكفاح المسلح في لحظة تاريخية اقتضت ظروف الصراع ترجيحها، وهو الدبلوماسي الفلسطيني الفدائي الذي اقتحم حقول ألغام لا محدودة، مخفية حول منظمات ومؤسسات وهيئات ألأمم المتحدة التي صدر منها قرار انشاء (اسرائيل).

دخل رئيس الشعب الفلسطيني وقائد حركة تحرره الوطنية حقل الألغام المُهَندَس عبر اعتى العقول اليهودية في العالم، وتلك الاستعمارية المساندة من سلالة الامبراطوريات وعلى رأسها (امبراطورية البريطاني بلفور) ومضى في خطته القائمة على مبدأ طلب الحياة من اجل الوطن، معاكسا نظرية الذين روجوا لطلب الموت من اجل الشهرة بالموت، فانتقل من مرحلة الى ثانية فثالثة ثم الاعتراف بفلسطين كدولة بصفة مراقب، اهلتها لدخول المنظمات الدولية، حيث ساحة الصراع الجوهرية مع المشروع الاحتلالي الاستيطاني العنصري، وميادين المواجهة التي سينتصر فيها مالك الحجة القانونية على مالك الدروع والصواريخ والطائرات، فهذه مجرد معادن قد نستطيع تحويلها الى ما يشبه الخردة، ان استطعنا مواجهة مستخدميها بالقانون، فهذا السلاح المتطور دائما (القانون) مرتبط بفكر وضمائر ونظم ودساتير وثقافة الانسانية، وتفعيله في اللحظة المناسبة، والظروف المكانية والزمانية الصحيحة، يُحَيِّد الاسلحة الفولاذية النارية، أو يقيد استعمالها بما يتيح لأصحاب الحق المتقوين بالقانون استعادة نقاط الارتكاز التي تمكنهم من اثبات وجودهم ومكانتهم على خارطة العالم.

عندما تدرج اليونسكو، وهي منظمة عالمية تابعة للأمم المتحدة مدينة الخليل الفلسطينية بما فيها الحرم الابراهيمي وبلدتها القديمة الى قائمة التراث العالمي، بعد ادراج القدس وأسوارها، وكنيسة المهد وطريق الحجاج في بيت لحم، واعتبار حائط البراق ملكا للفلسطينيين، وكذلك موقع أرض الزيتون والعنب المدرجات الزراعية في قرية بتير جنوب المدينة المقدسة، فهذا يعني ان جذور فلسطين التاريخية والطبيعية عادت للحياة، وبدأت فروع الحياة تنمو على جذعها الذي قاوم مناخ النكبات والانكسارات والنكسات والمجازر والتمييز العنصري، لكن بطبيعة وتكوين جديد لن تقوى فؤوس العالم على قطعها مهما بلغت حدتها وقوة مستخدميها، لأنها ببساطة متشكلة من مادة الوطنية وهي أصلب وأمتن ماعرفه علماء الطبيعة.

اتفاق العالم على حماية أهم مدننا التاريخية، وضمها الى قائمة التراث العالمي نراه اقرارا عالميا بأن الشعب الذي حافظ على معالم التراث الانساني مؤمن فعلا بصنع سلام في هذه المنطقة الحضارية من العالم اذا توفرت العدالة، وأن مدن فلسطين ومقدساتها عالمية بامتياز، وان الحضارات لاتقوم حيث يسيطر الاحتلال ويتمدد اخطبوط الاستيطان السام، وحيث يقهر الناس بالتمييز وتجبرهم سياسة التشريد والتهجير الاسرائيلية على السير في اتجاه معاكس للأمل في الحياة.

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

فتح ميديا أوروبا