قراءة سياسية لما بعد الإنتصار الفلسطيني

بقلم: حمادة فراعنة *

لطمتان وُجهتا لرئيس حكومة المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي ، أخّلت بمكانته ، وأربكته أمام قاعدته الحزبية والإئتلافية اليمينية المتطرفة دفعتهم لأن يتطاولوا عليه ويتهموه بالضعف والدونية في إدارة معركة القدس والحرم ، بعد أن صوتوا ضده في إجتماع الحكومة الأمنية السياسية المصغرة ، وليس مستبعداً أن تكون معركة القدس المسمار الأول في نعش رحيله السياسي ، هزيمة لمخططاته ، إذا أجاد الفلسطينيون مواصلة المشوار والعمل بحكمة ووحدة وتماسك سلمي مدني ، وأن يكون ذلك بداية إنحسار قوة اليمين الإسرائيلي ونفوذه ، وهزيمة لبرنامجه التوسعي المتطرف ، فاليمين ليس لديه برنامجاً للتسوية ، مهما بلغ تدني إستجابتها للحقوق الفلسطينية ، فالحل بالنسبة لهم خارج السيادة الإسرائيلية على كامل أرض فلسطين ، وشعار حل الدولتين غير مقبول لهم ولا يرغبون ولا يؤمنون بالتعامل معه سياسياً وعقائدياً وعملياً على الأرض .

لطمتان تلقاهما نتنياهو ، بعد أن حاول التخلص من واحدة عبر إستيعاب الثانية وإمتصاص وجعها ، فقد تصادف الإرتباط الزمني بين : 1- إستمرارية معركة القدس وهي في أوجها منذ 14 تموز حتى 27 تموز ، و 2- جريمة حارس السفارة الإسرائيلية في الرابية الأردنية يوم 23 تموز ، ولأنه كان يعرف أنه مقدم على قرار سحب البوابات الإلكترونية من محيط الحرم القدسي الشريف ، عمل على توظيف عودة حارس السفارة زئيف بعد إرتكاب جريمته ، والإتصال به غير مرة وإستقباله بإعتباره بطلاً كما سبق وفعل مع الجندي الإسرائيلي المحرر من سجون حماس جلعاد شليط ، وأنه نفذ مهمة قتل لمواطنين أردنيين بشجاعة وإقتدار ، وأنه عمل على تحريره من حصار الأمن الأردني للسفارة الإسرائيلية ، وأعاده من أسر الإجراءات الأردنية ، فيما لو لم تقبل عمان الإلتزام بإتفاقية فينا وبالقوانين الدولية المرعية ، فتعامل مع الإلتزام الأردني ، والأخلاق الأردنية ، والفروسية الأردنية ، بخفة وإستهتار وبلا مسؤولية مترتبة عليه .

تلك هي ملامح المشهد المزدوج التي رغب نتنياهو إبرازه ، بالشكل الذي يُظهر دهائه السياسي وإمتلاكه لإدارة محنكة ، ولكن الرياح لم تصل إلى ما تشتهي إدارات السفن ، فبدلاً من اللطمة ، وجهت له لطمتان فلسطينية وأردنية معاً .

اللطمة الأولى إستقبلها من صمود أهل القدس وقيادتهم ومرجعيتهم ، وقواهم الحية ، وشبابهم الذين حموا القدس من أخر محاولات المس بها وإستكمال تهويدها وأسرلتها ، فحافظوا على قدسية الحرم ، ومنعوا تغيير الوضع القانوني والتاريخي المستديم ، وأداروا معركتهم بحنكة وصلابة وثقة وإيمان بالتعاون مع الشق الثاني من مكونات شعبهم من إخوتهم وشركائهم والمكملين لهم أبناء الجليل والمثلث والنقب وسكان مدن الساحل المختلطة من مناطق 48 ، وقيادتهم الإئتلافية الموحدة : 1- محمد بركة رئيس لجنة المتابعة العليا للوسط العربي الفلسطيني ، 2- النائب أيمن عودة رئيس الكتلة البرلمانية المشتركة ونوابها من التيارات السياسية الثلاثة اليسارية والقومية والإسلامية ، 3- مازن غنايم رئيس اللجنة القطرية للمجالس المحلية العربية – البلديات .

التناغم والتفاهم وتقسيم الأدوار ورفد المرابطين والمرابطات ، الشباب منهم والشابات ، وبين رجال الدين والسياسة والدور الكفاحي المشترك بينهما وفر الأساس الذاتي والأداء المناسب لأدارة المعركة بإقتدار قيادي وصلابة ميدانية وثبات على الموقف ، مع حاضنة شعبية من العائلات ورجال الأعمال قدموا للمعتصمين أدواتهم المعيشية لمواصلة العمل بلا إنقطاع ، جعلت العوامل العربية والإسلامية والمسيحية والدولية المساندة كي تتحرك بعضها دعماً لفلسطين وبعضها الأخر إنقاذاً لحكومة نتنياهو من حفرة التطرف التي وقعت فيها بسبب شر أعمالها وتطرف أهدافها وسوء سلوكها ، فتكاملت عوامل النجاح للفلسطينيين وعوامل الإنقاذ للإسرائيليين :

1 – عدالة وصلابة وواقعية المطالب الفلسطينية .

2 – تحرك عربي دولي .

3 – إنقسام الجبهة الداخلية الإسرائيلية بين قرار الجيش والمخابرات الرافض للبوابات الإلكترونية وبين ممثلي المستوطنين والمتطرفين ودعاة إستكمال التهويد والأسرلة .

حصيلة ذلك هزيمة نتنياهو ومخططه وبرنامجه في إستكمال الأنقضاض على الحرم القدسي الشريف في نطاق خطة وبرنامج تطويق القدس وعزلها ونزع الحضور الفلسطيني العربي الإسلامي المسيحي من واقعها ومعالمها وروحها ، وفشل ، وكانت هذه هي الصفعة الأولى .

أما الصفعة الثانية فقد أتته من توبيخ جلالة الملك عبد الله العلني له على خلفية الإستعراض البهلواني الذي مارسه خلال حثيثات حادثة قتل الحارس الإسرائيلي لمواطنين أردنيين ، وقبول الأردن خروجه من الأردن لما يتمتع به من حصانة ، شريطة تقديمه لمحاكمة جدية حقيقية عادلة تُنصف ضحايا العنف والتطرف وعنجهية الحارس الذي أطلق النار من مسافة قريبة ، على المواطنين الأردنيين الجواودة والحمارنة .

الموقف الأردني كان قوياً بفعل إلتزامه بالقانون الدولي مع مجرم يتمتع بالحصانة الدبلوماسية ،وزادت قوته أنه حافظ على إلتزامه ، بينما لم يحفظ نتنياهو لا الكرامة ولم يتصرف بمسؤولية ، ولم يراع حساسية الموقف الرسمي الأردني ، فتصرف بصلف وعنجهية مع قاتل جنائي وكأنه بطلاً ، فكان التوبيخ الأردني من جلالة الملك ، بزيارته لأسر الضحايا وتقديم واجبات العزاء ، وإعلان التمسك بحقوق الضحايا ، والمطالبة بمحاكمة جدية علنية للحارس مرتكب جريمي القتل ، بدون ما يثبت أنه تعرض للأذى أو سيتعرض للخطر فيما لو لم يُقدم على جريمته المكشوفة .

تراجع نتنياهو

في تراجعه عن برنامج الهيمنة والسيطرة على الحرم القدسي الشريف بعد أن حاول معاقبة الفلسطينيين وتوظيف عملية يوم 14 / تموز ، لفرض إجراءات جديدة تحول دون إستمرار إدارة الأوقاف الإسلامية للحرم ، فوضع خطة الإستيلاء التي فشلت فوضع أربعة أدراج من الإجراءات لعل واحدة منها تبقى في يده ، نفذها نتنياهو ، لعلها تعطيه القدرة على التحكم بالداخلين إلى الحرم ، فقد أزال البوابات الإلكترونية وأبقى الكاميرات الذكية ، وأزال الكاميرات أمام الرفض الفلسطيني ، وأبقى على الجسور الحديدية ، وأزال الجسور ، ليبقى الفحص اليدوي ، وخلال يومي الخميس والجمعة ، كان صراعاً بين الفلسطينيين والإسرائيليين ، وكانت النتيجة في صلاة عصر الجمعة 28 تموز إزالة كافة القيود والإجراءات الإسرائيلية وإنتصار واضح نظيف للفلسطينيين بعد أن صمدوا وقدموا الشهداء والجرحى والإعتقالات .

والصفعة الثالثة

لم تقتصر الصفعات على نتنياهو من طرف الفلسطينيين والأردنيين ، بل جاءت الثالثة من أقرب المقربين إليه ومن حلفائه المتشددين فقد صوت ضده نفتالي بينيت وزير التعليم ، وإيليت شكيد وزيرة القضاء ، وزئيف الكين وزير القدس ، ووقفوا ضده ووبخوه ، وكثيراً من كتاب المقالات كتبوا عن تراجعه المذل ولكن التوبيخ الأقوى جاءه من صحيفته المحسوبة عليه ” يسرائيل هيوم ” التي كتبت عنه ووصفت موقفه على أنه ” ضعيف ، خائف ، لا حول ولا قوة له ” .

ماذا بعد

رضوخ نتنياهو ليس نهاية المعركة ، فالمعركة من أجل الحرم جزءاً من المعركة من أجل القدس ، والقدس جزءاً جوهرياً في سياق المعركة طويلة الأمد من أجل فلسطين .

ولهذا ، كما قال له ألون بن دافيد في معاريف يوم 28/7 حرفياً ” بعد هذا الخضوع المخجل ، فإن الحكومة التي ترى بالفعل أن هناك حاجة لفرض سيطرة إسرائيل على الحرم ، يجب عليها أن تناقش بشكل عميق ، وأن تضع خطة هادئة وخطوات سياسية وأمنية تُعيد تأثيرنا على الحرم ” ، وذهب ناحوم باريناع إلى أبعد من ذلك في يديعوت أحرنوت فكتب يقول ” اليهود الذي حُلم حياتهم هو هدم المسجد وإعادة بناء الهيكل ، على إستعداد لدفع الثمن “.

فالبوابات الإلكترونية والإجراءات المرافقة ليس الهدف منها حماية المصلين والزوار ، فقد سخر نيسو شاحم قائد شرطة القدس السابق لدى سلطة الإحتلال ، ويعتبرونه من الخبراء في التعامل مع الحرم القدسي الشريف ، ” لقد سخر من الدوافع الأمنية بوضع البوابات والكاميرات وغيرها لأنها لا تمنع إدخال السلاح إلى الحرم ، ولا أهمية لها عندما يكون مئات الاف المصلين على الأبواب في نفس الوقت ” فالموضوع هي إجراءات تستهدف تقويض سلطة الأوقاف الإسلامية ، وفرض السيادة الإسرائيلية على كامل الحرم القدسي الشريف ، وصولاً إلى حالة التقاسم الزماني والمكاني لجغرافية الحرم .

النضال الفلسطيني سيتواصل بشكل تدريجي متعدد المراحل ، والإنجاز الخطوة الذي تحقق بالقدس يحتاج لعمل متواصل للحفاظ عليه ، والتكيف معه ، وصيانته بالتماسك والوحدة والبرنامج المشترك ، مدعوماً بالغطاء الأردني والعربي والإسلامي والمسيحي والدولي ، وهو ليس أول خطوات المواجهة ، ولن يكون أخرها ، بل هو خطوة نوعية جوهرية على الطريق ، والسؤال كيف يمكن الإستفادة والحفاظ عليها وتطويرها من أجل إستكمال الإنجاز الفلسطيني بالحل الدائم وزوال الإحتلال ، مما يتطلب العمل الدؤوب من أجل الخطوات الثلاثة الضرورية :

1 – برنامج سياسي مشترك لكل الفعاليات والقوى والفصائل والشخصيات الفلسطينية .

2 – الحفاظ على المؤسسة التمثيلية الموحدة وتطويرها وهي منظمة التحرير حتى تكون بحق الجبهة الوطنية المتحدة لكل فعالياتها ونضال الشعب الفلسطيني ، وأداتها على الأرض وفي الميدان السلطة الوطنية .

3 – أدوات كفاحية متفق عليها تجعل من الإحتلال مكلفاً لا أن تكون عبئاً على الشعب الفلسطيني ، بإمكاناته المتواضعة أمام تفوق العدو ومشروعه الإستعماري التوسعي .

الإنتصار الفلسطيني حصيلة جهد وقرار ووحدة موقف وهذا درس وخلاصة سطرها أهل القدس ، وستتسع لتشمل كل أهل فلسطين ، ولا خيار لهم وأمامهم سوى هذا الطريق ، طريق الحرم والأقصى والقيامة ، طريق فلسطين ، طريق الحرية نحو الإستقلال والعودة .

* كاتب سياسي مختص بالشؤون الفلسطينية والإسرائيلية.

“الدستور” الاردنية

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

فتح ميديا أوروبا