حال الفلسطينيين والمنطقة دون «الأونروا»

بقلم: علي هويدي

الدافع لكتابة هذه المقالة هو حجم الاستهداف غير المسبوق لوكالة «الأونروا»، والذي بدأ مطلع العام 2017، مع وصول الرئيس ترامب إلى سدة الحكم في أميركا، وطلب الكيان الإسرائيلي من الإدارة الأميركية الجديدة قطع المساهمة المالية لـ»الأونروا»، ومروراً بطلب نتنياهو من سفيرة أميركا في الأمم المتحدة نيكي هيلي يوم 11/7/2017 بتفكيك «الأونروا» وأخيراً وليس آخراً شطب نائب رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة الصهيوني دانون للبند المتعلق بزيادة ميزانية «الأونروا» من جدول أعمال الجمعية في 4/8/2017، ما يعطي مؤشر إلى أن هناك محاولات جادة وغير مسبوقة لمحاصرة الوكالة تمهيداً لإنهاء خدماتها، لا سيما ونحن على أعتاب انعقاد الدورة 72 للجمعية العامة للأمم المتحدة والتي ستبدأ أعمالها الثلاثاء 12/9/2017، وهي صاحبة الصلاحية الوحيدة في إلغاء أي من القرارات الدولية، لكن كيف سيكون حال الفلسطينيين دون «الأونروا» على المستوى الإنساني والسياسي والأمني.
في البداية لا بد من الإشارة إلى أن وكالة «الأونروا» أُنشئت خصيصاً للاجئين الفلسطينيين بسبب نكبة فلسطين ولجوء حوالى 935 ألف فلسطيني، وبالتالي هناك ارتباط عضوي بين الوكالة واللاجئين، المسألة الثانية هي أن ديباجة قرار إنشاء الوكالة رقم 302 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 8/12/1949 بالإضافة إلى الفقرة الخامسة وكذلك الفقرة العشرين من القرار تشير إلى ارتباط إنشاء الوكالة بتنفيذ القرار 194 الصادر هو الآخر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 11/12/1948 والذي أكد حق العودة والتعويض واستعادة الممتلكات، ما يعني أن ارتباط الوكالة باللاجئين الفلسطينيين ليس فقط من جانب إغاثي إنساني يتعلق باللجوء، بل كذلك هو سياسي من خلال تطبيق قرار حق العودة، وبهذا المعنى فإن هذه الثلاثية («الأونروا» واللاجئين والعودة) لا يمكن فصلها عن بعضها البعض.
إنهاء خدمات الوكالة أو حتى تقليصها المتدرّج سينعكس سلباً ليس فقط على اللاجئين الفلسطينيين بل كذلك على منطقتنا العربية والإسلامية وعلى منظومة المجتمع الدولي. الانتكاسة الأولى تتعلق بالمستوى الإنساني إذ إن «الأونروا» تقدم خدماتها لحوالى 6 ملايين لاجئ فلسطيني مسجل في مناطق عملياتها الخمسة من الاستشفاء والإغاثة والبني التحتية وتحسين المخيمات والقروض الصغيرة والتعليم المجاني لحوالى نصف مليون طالب وطالبة، بالإضافة إلى توفير فرصة عمل لحوالى 30 ألف موظف فلسطيني. عملياً هذا سيتوقف، وبطبيعة الحال حجم الخدمات التي تقدم حالياً غير كافية وفقاً للاحتياجات المتزايدة مع ارتفاع أعداد اللاجئين والعجز في الميزانية، لكن لا نستطيع أن ننكر أو نتنكر لتلك الخدمات التي تساهم في التخفيف من الأعباء الاقتصادية الملقى على كاهل اللاجئين..!
الانتكاسة الثانية هي سياسية لارتباط وكالة «الأونروا» بالفلسطيني كلاجئ منذ نكبة العام 1948 وستبقى صفة «لاجئ» مصاحبة للفلسطيني المنكوب هو وذريته إلى حين العودة إلى مسقط رأس أجداده في فلسطين، وإنهاء «الأونروا» لخدماتها يعني أن هذه الصفة ستنتفي وسيتم قتل الشاهد الأممي على جريمة النكبة وإنشاء المخيمات، وسيكون الهدية الماسية التي ستقدم للكيان الإسرائيلي المحتل بالقضاء على حق العودة فكرة وتطبيقاً، على اعتبار أنه لن يكون هناك لاجئين كي تطبق القرارات الدولية عليهم، وسيكون الحل إما بتوطين اللاجئ في أماكن اللجوء، أو تحويل الخدمات إلى المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، والاحتلال لن يقبل بتطبيق الخيار الأول للمفوضية بالعودة الطوعية للاجئ وسيتم فرض الخيار الثالث بقيام المفوضية بالبحث عن دولة تقبل بتوطين اللاجئ فيها ليس للاجئ خيار بتحديدها..!
الانتكاسة الثالثة هي أمنية، إذ سترتفع نسبة الفقر والبطالة والأميّة والتسرب المدرسي وعمالة الأطفال.. وحتماً سيتشكل مُناخ يجري فيه استغلال لشريحة كبيرة من اللاجئين، لا سيما في أوساط الشباب، والتسبب بالانحراف الفكري والاجتماعي والجنوح إلى ارتكاب الآفات الاجتماعية والانخراط في المشاكل الأمنية والفوضى، والتي لن يقتصر انعكاسها على اللاجئ الفلسطيني نفسه وإنما كذلك على الدولة المضيفة وغيرها من الدول، وإعلان صارخ للفشل الأممي باستيعاب هذه الظواهر وتوفير ما يلزم من احتياجات إنسانية.
إنهاء معاناة اللاجئين الفلسطينيين الإنسانية والسياسية والتخلص من الفوضى وأي انعكاسات ومشاكل اجتماعية وأمنية لن يتحقق إلا بتطبيق حق العودة، وبعدها فلتقفل «الأونروا» أبوابها.

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

فتح ميديا أوروبا