زيارة الوفد الأمريكي: كلام قليل

بقلم: تحسين يقين

“عقدت السلطة الفلسطينية ووفد الولايات المتحدة اجتماعا مثمرا ركز على كيفية بدء محادثات جوهرية للسلام الإسرائيلي – الفلسطيني. واتفق الجانبان على مواصلة المحادثات التي تديرها الولايات المتحدة باعتبارها افضل طريق للتوصل الى اتفاق سلام شامل”.
هذا هو النص الذي بعثته القنصلية الأمريكية العامة في القدس؛ سطران ونصف، كأنها بلاغة الإيجاز!
مثمر، هو وصف اللقاء-الاجتماع، أما الهدف بحث كيفية بدء المحادثات، والاتفاق كان على مواصلة المحادثات. أما المحادثات فموصوفة بأنها من إدارة الولايات المتحدة. والتي هي: أفضل طريق للتوصل الى اتفاق سلام شامل..
“فسّر الماء بعد طول الجهد بالماء”؛ لقد انطبق المثل عليّ وأنا أكتب هذه الأسطر، بل التي اقتبستها، لكن مهلا، لعلّنا نصل إلى تفسير آخر جديد..ربما.
هل وصلنا إلى أقل الكلام؟
ما قبل اللقاء قرأنا:
“قال الناطق الرسمي باسم الرئاسة نبيل أبو ردينة، إن زيارة الوفد الأمريكي لرام الله، ولقاء رئيس دولة فلسطين محمود عباس، هي زيارة هامة ومفصلية، تأتي عقب الجولة التي قام بها الوفد الأمريكي للمنطقة، ولقائه مع عدد من القادة العرب. وأضاف ابو ردينة أن الرئيس أجرى مشاورات معمقة مع الملك عبد الله الثاني، وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان عقب لقائهما بالوفد الأمريكي، الأمر الذي قد يخلق فرصة جديدة لتحقيق تسوية تقوم على أساس حل الدولتين ومبادرة السلام العربية، ووقف التدهور الحاصل على المسيرة السلمية.”
في الصفحة نفسها نقرأ:
قال وزير الخارجية والمغتربين رياض المالكي إنه يتوقع من الوفد الأمريكي أن يحمل معه ردودا على الأسئلة التي وجهها الجانب الفلسطيني له، خاصة حيال الموقف من حل الدولتين وإمكانية إقامة دولة فلسطينية على حدود عام 67 وحول الاستيطان، وحول ان كان هناك فرصة تاريخية للاستمرار في عملية تسمح بإنهاء الاحتلال الاسرائيلي أم أن كل هذه الزيارات مضيعة للوقت.”
ما بعده نستمع مساء لسيادة الرئيس محمود عباس والمبعوث الأمريكي المستر جاريد كوشنر، الشاب الأمريكي الوسيم، لما قرأناه. لا جديد سوى الأماني!
اجتماع مثمر، والاتفاق على مواصلة الحديث، وتكرار قناعتنا بأن المحادثات الفلسطينية-الإسرائيلية أفضل طريق للتوصل الى اتفاق سلام شامل..
أي أن الاجتماع حسب النص المنشور والتصريح المسموع أثمر مواصلة الحديث..وتكرار القناعات..
أي ثمر عجيب هو ما نأكله نحن الجوعى للسلام الشامل!
سخرية الأخ الذي زار أخته فراح يحدثها عن السوق وما به، وكيف أنه كان يكرر رغبته بإحضار شيء من تفاحه وعنبه، وهي تكرر “بدنا اياك سالم يخوي”، فما كان منه، وهو الذي لم يأت بأي شيء خلا نفسه، إلا أن قال “خليهم يوكلو”.
خلينا نوكل!
يبدو ألا إجابات هنا على أسئلتنا التي نوجهها للوفد الأمريكي الزائر، “خاصة حيال الموقف من حل الدولتين، وإمكانية إقامة دولة فلسطينية على حدود عام 67 وحول الاستيطان، وحول ان كان هناك فرصة تاريخية للاستمرار في عملية تسمح بإنهاء الاحتلال الاسرائيلي..”
هل وصلنا إلى أقل الكلام؟
قلي بربك، او قولي: لم اعتدنا الفترة الأخيرة أن نلقي أسئلة نعرف إجاباتها أكثر من غيرنا؟
فهل لأجل ذلك ختم الوزير رياض المالكي حديثه عن الأسئلة بقوله: “أم أن كل هذه الزيارات مضيعة للوقت؟”
شخصيا، لا أظن أن الزيارة هي كذلك: مضيعة للوقت، فلا أظن أن دولة عظمى لديها وقت زائد لتضيّعه!
هل وصلنا إلى أقل الكلام؟
فإن كان كذلك فماذا عن الفعل؟ هل هو أقله أم أكثره أم ما بينهما؟
الفعل، فلسطينيا: مظاهرة في رام الله، وصفت بالصغيرة، وتصريح لنائب قائد حركة فتح الأخ محمود العالول:
“مظاهرة على دوار المنارة ضد زيارة الوفد الأميركي، وشارك فيها عشرات المتظاهرين فقط”، لعلي أقتبس ما أورده الكاتب هاني المصري في وصفه للمظاهرة، ودعوته للجمهور للبحث في دلالاتها:
“انتهت مظاهرة على دوار المنارة ضد زيارة الوفد الأميركي، وشارك فيها عشرات المتظاهرين فقط” رغم أن الداعين لها فصائل طويلة عريضة، ومؤسسات مجتمع مدني وشخصيات! لماذا المشاركة محدودة جدا رغم أن غالبية الشعب الفلسطيني ضد العداء الأميركي للفلسطينيين، وانحياز إدارة ترامب الأعمى لإسرائيل؟
يمكن أن يكون السبب أن الناس لم تعد تثق بالفصائل والقائمين على الدعوة، أو لأنها فقدت الأمل بجدوى هذه الأشكال أو بجدوى النضال، أو لأن الداعين لا يقبضوا أنفسهم بدليل أنهم قادرون على حشد أكبر بكثير، وإذا لم يكونوا كذلك، فكيف سيقبضهم الناس؟ رغم ذلك لا أدعوا للكف عن التظاهر بأية أعداد، لأن تظاهرة صغيرة أفضل من لا شيء، ولكنني أدعو للبحث في هذا الوضع، وتقديم اقتراحات لتجاوزه”.
تظاهرة صغيرة أفضل من لا شيء…
أما عن تلبية دعوة الكاتب هاني المصري للبحث في هذا الوضع، لتقديم اقتراحات لتجاوزه، فلذلك مقام آخر، يفسّر، سيكو-سوسيولوجيا، وسياسيا وثقافيا وإنسانيا ووو…، حسب ما يرتئيه الحال، وحسب ما يحتاجه الفقيه المفسّر.
نعود لفعل فتح، من خلال نائب قائد الحركة الذي ركّز على أن:
“الادارات الامريكية المتعاقبة تعطينا وعودا وتتبخر… ابلغنا الادارة الامريكية بعدم قبولنا مناقشة القضايا الثانوية، ويجب التركيز على القضايا المتعلقة بالدولة الفلسطينية والوضع النهائي”.
هل وصلنا إلى أقل الكلام؟
فإن كان كذلك فماذا عن الفعل؟ هل هو أقله أم أكثره أم ما بينهما؟
أما الفعل عربيا، فلعله صار كحال الفعل الأمريكي: استمرار الحديث وربما التوسط بيننا وبين الإسرائليين!
وهو في جوهره انعكاس لعلاقات القوة والمصالح، نرجو أن يتجاوز ذلك، لقيادة ضغوط عالمية على الاحتلال لا علينا..ونرجو أن يكون للقضية الفلسطينية دور في تطور العلاقات الثنائية، لا أن تكون أمرا ثانويا، وأصلا فإن العرب سيقوون بفلسطين، إن تأملوا في عمق تأثيرات قضيتها.
ضم الوفد الزائر من الولايات المتحدة: المبعوث الأمريكي لعملية السلام جيسون جرينبلات، وجاريد كوشنر كبير مستشاري الرئيس الأمريكي، ودينا باول نائب مستشار الأمن القومي للشؤون الاستراتيجية، فما علينا إلا أن نقول للزوار إلا أهلا وسهلا..أما الفعل، فلا أظنه بشكل جوهري ورئيس إلا فعلنا..
فقط لتقرأ التاريخ جيدا، ولنتأمل في طاقاتنا، وفيما يعيقنا، وقتها سنمضي، هكذا قالت لنا الحنونة، وفراشة الوادي!

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

فتح ميديا أوروبا