لا بديل أمام الفلسطينيين والاسرائيليين إلاّ السلام

بقلم: د. ناجي صادق شراب

عندما نتساءل ما البديل للأمم المتحدة؟ او لماذا أنشئت الأمم المتحده؟ تكون الإجابة واضحة: قبل الأمم المتحدة أنشئت عصبة الأمم في أعقاب الحرب العالمية ألأولى والتي راح ضحيتها الملايين من البشر الأبرياء. وعندما فشلت عصبة الأمم في تحقيق الأمن العالمي إندلعت الحرب العالمية الثانية والتي كانت خسائرها من البشر أضعافاً مضاعفة عن الحرب الأولى بسبب تطور الأسلحة المدمرة. فجاءت الأمم المتحدة إنتصارا لإرادة السلام، وبهدف وضع نهاية لحرب كونية جديدة في حال نشوبها سيكون التدمير الشامل نهاية البشرية بسبب الأسلحة النووية التي أصبحت في أيدي دول كثيرة.
وجاءت ديباجة ميثاق الأمم المتحدة واضحة بأن الهدف هو تجنيب البشرية اي حرب كونية جديدة، والعمل على تحقيق الأمن والسلام العالمي بين الدول.
إذن السلام هدف عالمي يحقق الأمن والبقاء لجميع الدول، وتحقيقا لهدف الأمم المتحدة في السلام أنشئت العديد من المنظمات الدولية الوظيفية التي تعمل في مجال نشر ثقافة السلام كاليونسكو. وأنشئ مجلس الأمن المسؤول عن تنفيذ اهداف الأمم المتحده في تحقيق السلام ، بفرض العقوبات على الدول المهددة للسلام والأمن العالميين ، لكن الفيتو الذي تتمتع به خمس من دوله كان عائقا وما زال في الوصول للهدف للمنشود بشكل كامل.
وعلى الرغم من قيام الأمم المتحدة ،الاّ انها لم تشكل إرادة تعلو إرادة الدول، ولم تشكل حكومة فوقية على حكومات الدول، وبقيت إرادتها مرهونة بإرادة الدول الأعضاء، وخصوصا الدول الكبرى المحتكرة للفيتو في مجلس الأمن كالولايات المتحدة وروسيا والصين. ولهذا السبب تأرجحت العلاقات الدولية بين الحرب والصراعات والسلام. بل إن الملاحظ تمدد ظاهرة الصراعات الدولية وزيادتها بسبب ظهور النزعات الإثنية والطائفية والمذهبية وخصوصا في منطقة الشرق الأوسط التي تعاني من ضعف للدولة ، وفشلها في بناء أنظمة حكم ديموقراطية ، وإنتهاج سياسات دمج تقوم على المواطنة الواحدة، ومبدأ الحقوق لكل مواطنيها.
ومما زاد من حدة الصراعات والمنازعات الدولية إنتشار ظاهرة الفواعل من غير ذات الدول، والتي نجحت في الوصول إلى إمتلاك العديد من الأسلحة المدمرة ، والتي شكلت أداة للحرب بالوكالة نيابة عن الدول القومية الطامحة للنفوذ والهيمنة كما نرى في منطقتنا العربية ، الدور الإيراني ودور حزب الله.
ولقد تضاعفت التحديات التي تواجه الأمم المتحدة في إرساء عالم بلا منازعات وصراعات دولية كبيرة، لتسود حرب من نوع جديد تهدد ليس فقط السلام بين الدول ، ولكن ايضا السلام الفردي ، وهي حرب الإرهاب العابر للقارات والحدود. وهذه الحرب هي التي تشكل الخطر الحقيقي للسلام، وزادت الأمور تحديا وتعقيدا بتنامي الشعبويات والعنصرية والقومية الجديدة التي باتت تحكم سلوكيات الشعوب، وتعمل على نشر ثقافة العنصرية والعداء والكراهية بين الشعوب، وهي ثقافات نقيض لثقافة السلام التي تقوم على التسامح والتعايش المتبادل والتفاعل بين الشعوب وصولا لهدف نبيل وهو المواطنة العالمية الواحدة.
ولست بصدد تقييم دور الأمم المتحدة في تحقيق هدفها في السلام، لكن يمكن القول ان الأمم المتحدة قد نجحت في العديد من المجالات الإنسانية والإقتصادية والثقافية ، ونجحت في الحيلولة حتى الآن دون الذهاب لحرب كونية فانية للبشرية.
ولذلك البديل للأمم المتحدة هو الحرب. والسلام ليس مهمة دولة او مجموعة من الدول ، بل هو مسؤولية الأمم المتحدة ، ولذلك تعالت الأصوات وتعددت المبادرات لإصلاح دور الأمم المتحدة وتفعيل دورها في حفظ السلام والأمن العالميين الذي يعود بالنفع المتبادل على جميع الدول الأعضاء. وليكن مدركا أن الدول ومهما حققت من تفوق وتطور وامتلكت من السلاح لن تستطيع ان تحقق أمنها دون هذا الجهد العالمي .
ولعل من أكثر النزاعات الدولية التي تشكل تهديدا للسلام والأمن العالميين الصراع العربي الإسرائيلي وفي قلبه القضية الفلسطينية , فاكثر من خمسين عاما وإسرائيل تحتل الأراضي الفلسطينية وتخضع الشعب الفلسطيني لسياسات الإحتلال، وأكثر من سبعين عاما من إستمرار الصراع، خلال هذه السنوات الطويلة ساد خيار الحرب اكثر من خيار السلام، رغم أن الدعوة للسلام باقية.
خطورة هذا الصراع انه يقع في أحد أهم مناطق العالم إستراتيجية واهمية في السياسة الدولية وهي النظام الإقليمي العربي ، والشرق الأوسط، وهي المنطقة كما نرى التي تشهد اليوم العديد من الصراعات والحروب بكل أشكالها، وخصوصا الجماعات الدينية المتشددة التي تتخفى وراء هذا الصراع.
وخطورة هذا الصراع أيضا تكمن في مكوناته الإقليمية والدولية ، فهو من الصراعات المركبة والممتدة ليس في قضاياه بل في أطرافه من الدول الإقليمية والدولية ، وأضيف إليها الفواعل من غير ذات الدول. وخطورة هذا الصراع أيضا ان الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي يعيشان على نفس الأرض، وهي أرض محدودة المساحة ولا تتسع في المدى البعيد للزيادات السكانية ، ولا يملكان إلا خيارين إما البحث عن خيارات السلام والتعايش المشترك والبحث عن حلول مستقبلية لمواجهة الزيادات السكانية عبر مشاريع للسلام،او خيار الحرب الدائمة والفناء وتهديد البقاء، ولا يوجد شعب في العالم او في التاريخ كان قادرا أن يعيش على الحرب .
وفي ظل خيار الحرب والصراع تتوالد أجيال تتربى على العنصرية والكراهية والحقد والثأر مما قد يدخل هذا الصراع في دوامة لا نهاية لها، وكما أشرت هذا الصراع له تداعياته الإقليمية والدولية.
ولذلك مسؤولية تحقيق السلام في المنطقة ليست مسؤولية أطرافه فقط، بل مسؤولية الأمم المتحدة، ومسؤولية الدول ذات المصلحة المشتركة المباشرة كالولايات المتحدة وروسيا والدول العربية.
ولا يمكن ان يترك الفلسطينيون والإسرائيليون كي يذهبوا للحرب ويجروا معهم غيرهم في حرب ثبت انه لا جدوى منها لإنهاء هذا الصراع. ولا بديل للسلام ،الذي أولى خطواته إنهاء الإحتلال الإسرائيلي وقيام دولة فلسطينية ديموقراطية سلمية تكون نموذجا للتنمية والبناء الحضاري، ومن خلال العديد من الخطوات الجماعية التي تحتاج لجهد أممي بنشر ثقافة السلام وإستئصال النزعة العنصرية والحقد، وإحتواء الأفكار والدعوات المتطرفة ، ومراجعة كل الخطاب السياسي والإعلامي والديني الداعي للفناء والإقصاء. لا بديل أمام الفلسطينيين والإسرائيليين إلا السلام .

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

فتح ميديا أوروبا