رأي “الوطن” العمانية: مقترحات تتبنى مزاعم الاحتلال

تتحدث الإدارة الأميركية الجديدة منذ وصولها إلى الحكم عن رغبتها في صنع سلام حقيقي في الشرق الأوسط، وبدلًا من أن توضح الخطوات التي ستحقق عن طريقها هذا السلام المزعوم نجدها تخرج بتصريحات يكتنفها الغموض، وليس لها صلة بما يحدث على أرض الواقع، ولا يمكن تفسيرها بعيدًا عن رغبة الإدارة الأميركية الأكثر قربًا وصداقة لكيان الاحتلال الإسرائيلي في هدم الثوابت التي أسست المفاوضات عليها منذ بدايتها في أوسلو أو حتى ما قبل أوسلو.
إن الحديث الأميركي (الودي) عن رغبة في إقامة سلام حقيقي بين الفلسطينيين وكيان الاحتلال الإسرائيلي يفقد مصداقيته دومًا مع كل خطوة همجية يخطوها كيان الاحتلال، سواء كانت سرقة أراضٍ أم قتلًا ميدانيًّا تجاهل كل الحقوق الإنسانية الفلسطينية، دون إدانة أميركية حتى وإن كانت على استحياء، كما كانت تفعل الإدارات الأميركية السابقة، بل إن الصمت الأميركي والتأييد غير المعلن حينًا والمعلن أحيانًا لهذا الكيان الغاصب قد وصل مداه، وباتت الأحاديث الأميركية والتصريحات ترى نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس مجرد وقت، فأميركا ترامب تؤيد الكيان بكل قوة، وتسعى إلى تنفيذ أجندته وفرضها فرضًا على حلفائها في المنطقة.
ولم تكن جولة المبعوث الأميركي وصهر الرئيس ترامب للمنطقة ببعيدة عن هذا المنطق، فقد وصفها الجانب الفلسطيني بأنها زيارة لم تأتِ بجديد، حيث لم يقدم الوفد الأميركي للرئيس الفلسطيني محمود عباس أي جديد بخصوص عملية السلام والتسوية، بل على العكس فقد جاء كوشنير إلى المنطقة لإرهاب الفلسطينيين ودفعهم نحو محادثات لا طائل منها، فوفق العديد من المصادر الفلسطينية فإن كوشنير أخبر الفلسطينيين بصراحة مطلقة أنه من المستحيل لحكومة نتنياهو أن تنجو إذا وافقت على تجميد الاستيطان، وبالتالي فإن إصرار الفلسطينيين على وقف الاستيطان كشرط لإعادة إطلاق المفاوضات كما قال كوشنير وإدارة ترامب، هو ضرب من العبث، ولن يقود إلى أي مكان.
ليأتي هذا التهديد المبطن وسط تصريحات مجملة من مثيل أن إدارة الرئيس ترامب مصممة على إحلال سلام مستدام يعمه الازدهار للفلسطينيين والإسرائيليين، ولن تتردد في اتخاذ الخطوات الإضافية من أجل تحقيق هذا الهدف الذي يطمح إليه ترامب، وهي تصريحات لا تزيد عن منوم للفلسطينيين، بهدف قتل الثوابت الفلسطينية، والتماهي مع المزاعم الإسرائيلية التي ترفض الحقوق الفلسطينية المعترف بها دوليًّا، وتراها مجرد شروط، يجب أن تبدأ المفاوضات دون التطرق إليها.
إن أخطر ما تمر به القضية الفلسطينية في هذه المرحلة الدقيقة هو النيات الأميركية التي بدأت في الوضوح تدريجيًّا، والهادفة إلى تغيير المبدأ الذي قامت عليه المفاوضات منذ عقود وهو حق الدولتين، وما يتضمنه من حقوق فلسطينية مثل العودة والقدس والأسرى والاستيطان، حيث رفضت الناطقة الرسمية باسم وزارة الخارجية الأميركية هيذر ناورت في رد لها على سؤال الالتزام بحل الدولتين، وقالت إن كوشنير ووفده لم ينطقوا بعبارة حل الدولتين كنهاية للصراع رغم إصرار الطرف الفلسطيني وترديده هذه العبارة.
وهو ما يتوافق أيضًا مع التسريبات التي خرجت عن تصورات كوشنير للسلام، وحديثه عن العودة للمفاوضات فورًا ومن دون جدول أعمال مسبق، على أن تكـون القضايا كلها قابلة للتفاوض، وتحديدًا تلك العالقة مع عـودة التنسـيق الأمنـي بين الإسرائيـليين والفلسـطينيين، بالإضافة إلى أحاديثه عن مؤتمر دولي لعملية السلام وعن ضغوط يمكن أن تمارس على كيان الاحتلال الإسرائيلي لدفع المناطق الفلسطينية إلى (حالة مقبولة من الاسترخاء الاقتصادي)، ما يعني بوضوح وبلغة فلسطينية بعيدة عن اللغة الأميركية المنمقة الراغبة في إهدار الحقوق الفلسطينية إلى العودة إلى الصفر من المفاوضات وعن تطبيع شامل مجاني مع الدول العربية تكرسها النسخة المقترحة من المؤتمر الدولي .. باختصار مقترحات جوهرها وصفة مباشرة تنحاز لكيان الاحتلال الإسرائيلي وتؤسس لحالة الفوضى وتكافئ اليمين الإسرائيلي المتطرف وتعبث بالتبعية بعملية السلام.

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

فتح ميديا أوروبا