حركة “فتح” وتحديات المرحلة*

بقلم: أحمد السوقي

شكّلت انطلاقة حركة التحرير الوطني الفلسطيني “فتح” محطةً مهمةً في نضال الشعب الفلسطيني، ومثّل بيان الحركة الأول عام 1965 ميلاد الثورة الفلسطينية المعاصرة، إذ ساهم انفتاحها الفكري على مختلف الأيدلوجيات والأديان والمذاهب، والأحزاب، والمرجعيات الفكرية المتعددة في التفاف الشعب حولها،كما أنّ نجاح الحركة في التوفيق بين الحفاظ على “القرار الوطني المستقل” دون تخليها عن عمقها العربي والإسلامي ورسالتها العالمية كحركة تحرر وطني تتبنّى الكفاح المسلّح ضد قوى الظلام الصهيونية منحها هوية نضالية مميّزة، والتفافًا وطنيًّا وقوميًّا ودوليًّا هامًا.
استطاعت حركة “فتح” بتبنيها للكفاح المسلّح وفكرها الشامل المستنير، واعتدالها وانفتاحها، ورؤيتها القائمة على تحرير كامل التراب الفلسطيني أن تجمع من حولها الشعب الفلسطيني، كما استطاعت، ببناء قاعدة تنظيمية متماسكة، قائمة على الالتزام والانضباط والمركزية الديمقراطية، والنقد والنقد الذاتي، أن تنهض على الرغم من تعرّضها لأزمات وانشقاقات عديدة، دُعِمَت من أنظمة تعارضت مصالحها مع توجهات الحركة وأرادت مصادرة قرارها الوطني الفلسطيني المستقل، فما كان من خيار أمام “فتح” إلّا الصمود والدفاع عن استقلالية القرار الوطني الفلسطيني.
استطاعت حركة “فتح” أن تقود الحركة الوطنية الفلسطينية، وأن تشكِّل ائتلافًا ثوريًّا تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية، مكوّن من مختلف الحركات الفلسطينية الفدائية، ومختلف القوى والشخصيات الفلسطينية في الوطن والشتات، واستطاعت الحركة منذ السبعينيات تحقيق انتصارات على الساحتين المحلية والدولية، فقد انتزعت اعترافًا أُمَميًّا بموجبه أصبحت منظمة التحرير الفلسطينية ممثّلاً شرعيًّا ووحيدًا لشعبنا الفلسطيني، وأيضًا في العام ٢٠١٢ استطاعت القيادة الفلسطينية ممثَّلةً بسيادة الرئيس محمود عباس انتزاع اعتراف دولي بدولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران ١٩٦٧ كدولة مراقب في الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وساهم في تدعيم وجود الحركة وتغلغلها بين الجماهير وجود مؤسسات لتدعيم صمود المواطنين، كمؤسسات أسر الشهداء، والجرحى، وإنشاء مؤسسات تعليمية وصحية، ودعمها وتوفير منح دراسية للطلبة، وإنشاء أرشيف للثورة، كما ساهم إعلام الحركة الذي لامس آلام الكثيرين من أبناء شعبنا، وطرح الحقائق بمصداقية وشفافية دون تجميل للواقع في التفاف الجماهير حول الحركة.
حركة “فتح” وعبر مسيرة نضالها الطويل تحملت مسؤولية إطلاق الشرارة الأولى للثورة الفلسطينية المجيدة كما تحمَّلت مسؤولية اعتماد خيار الكفاح المسلَّح في ظل أجواء إقليمية ودولية لا تسمح بظهور قوة فلسطينية يمكن أن تستخدم السلاح لحل الصراعات الدائرة.
كانت “فتح” أمام حالة من التحدي بخطواتها الأولى منذ الفكرة وحتى الانطلاقة التي انتهجت فيها خيار الكفاح المسلّح وفق مبادئ تنظيمية معلَنة، ووفق ثوابت وطنية محددة، وها هي اليوم بحالة تحدٍّ من خلال استمرارها برفع راية الخيار السياسي والنضال الشعبي وعدم إسقاطها لخيار الكفاح المسلَّح والحراك الدائم والمستمر مع كافة القوى الدولية والإقليمية.
مسؤوليات متجددة أمام “فتح” عبر العقود الماضية وحتى يومنا هذا، وهي ما زالت تمتلك من القدرات الكامنة والمتجدّدة ما يؤهّلها ويقوّي من مكانتها ويعزّز من دورها وقيادتها للمشروع الوطني الفلسطيني.
الأيام القادمة تؤشّر لقرارات حاسمة وتأكيدات تنظيمية أن “فتح” قادرة على تجاوز المحن والمصاعب والتحديات مهما راهن المراهنون.
“فتح” بملايينها الشعبية التي احتشدت في السرايا وكافة أنحاء محافظات الوطن وكافة أماكن وجود شعبنا الفلسطيني في الشتات لإحياء ذكرى استشهاد القائد المؤسس الرئيس ياسر عرفات أكدوا أن حركة “فتح” هي حركة الشعب الفلسطيني شاء من شاء وأبى من أبى، ولمن لا يعرفون مدى قدرة “فتح” على مواجهة المحن والمصاعب عليهم قراءة تاريخها ومسيرة نضالها ورموز كفاحها الوطني وقوافل شهدائها وقادتها الأحياء بفعلهم ونضالهم وصلابة مواقفهم.
“فتح” اليوم تؤكّد تمسُّكها بالوقوف إلى جانب الأمة العربية ووحدتها في مواجهة الأخطار المحيطة بها، فلسطين هي القلب النابض للعروبة ولا يمكن لأحد سلخها عن محيطها العربي مهما بلغت التضحيات.

حمص 23/11/2017
أحمد السوقي

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

فتح ميديا أوروبا