لن ننسى.. لن نغفر.. لن نسامح

وسنحاسب كل من إقترف جريمة بحق شعبنا أو صمت عليها

هذه مقالة للكاتب الاسرائيلي يهوشاع “جوش” براينر، كتبها في صحيفة هارتس، حول جريمة للإحتلال في الاماكن المظلمة حيث لا كميرات ولا شهود سوى جنود الاحتلال “حسب ما أوصى بن كسبيت” الصحفي في “معاريف”؛ توضح هذه المقالة أبشع صور “ديموقراطية الاحتلال” التي تشترك فيها عناصر السياسية بالأمن والقضاء لحماية المجرم، وتجريم الضحية،

هآرتس 30 كانون الأول 2017/ يهوشع براينر

فلسطينية اشتكت اغتصابها من قبل شرطي في غرفة التحقيق. كيف لا يوجد أي مشبوه؟

الأمر استغرق عشرة أشهر فقط، كي يعلن قسم التحقيق مع افراد الشرطة (ماحش)، عن إغلاق أحد أكثر الملفات خطورة التي وصلت إلى مكتبه: الاشتباه باغتصاب امرأة فلسطينية شابة في مركز الشرطة في القدس. عدد المشتبه فيهم المحتملين كان معروفا، بما في ذلك مكان تواجدهم خلال الحادث، وهويتهم ومهامهم – شرطة. لقد تم فحص الشابة على جهاز كشف الكذب، وتبين انها تقول الحقيقة، وكانت هناك افادات دعمت روايتها. ورغم ذلك فقد تم إغلاق الملف، وليس بسبب عدم وجود تهمة أو نقص في الأدلة، ولكن بسبب حجة غريبة: “الجاني غير معروف”.

كان من الممكن أن نتوقع قيام “ماحش” في هذه الحالة الاستثنائية، ببذل اكثر ما يمكن من جهد لاستنفاد التحقيق، ورغم ذلك، فان سلوكها في الأيام التالية للحادث، وحتى إغلاق الملف، بل ما بعد ذلك يثير مجموعة من الأسئلة: لماذا قرر المحققون عدم اجراء تشخيص للمشتبه فيهم، ولماذا تم التحقيق مع المشبوه الرئيسي بعد خمس سنوات، وكيف تم إغلاق الملف دون إبلاغ صاحبة الشكوى حتى بعد سنوات. في “ماحش” قالوا إن الأدلة لم تثبت فرصة معقولة للإدانة، وأضافوا أنه “في بعض الأحيان على الرغم من جهود التحقيق، هناك جزء من الملفات التي لا تصل إلى فحص الحقيقة”.

لقد بدأت هذه القضية في منتصف الليل، قبل أكثر من خمس سنوات. على احد حواجز الطرق في منطقة القدس، تم اعتقال الشابة الفلسطينية ليلى (اسم وهمي – الاسم الحقيقي محفوظ في ملف التحرير) بشبهة المكوث غير القانوني، واقتيدت إلى مركز للشرطة. وبعد استجوابها لبضع دقائق في احدى الغرف، تم نقلها إلى غرفة أخرى، حيث تعرضت للتحرش من قبل المحقق، الذي غادر الغرفة بعد فترة قصيرة. ولكن بعد ذلك، كما قالت، دخل شرطي يرتدي زي حرس الحدود واغتصبها. شكواها قاسية: انها تفصل كيف حاولت المقاومة، لكنه استخدم طاولة تواجدت في المكان للتغلب عليها. ووصفت عملية اغتصاب استمرت لبضع دقائق، قام الشرطي خلالها بإزالة ملابسها بالقوة وأغلق فمها بيده. وأشارت أيضا إلى أنه ترك آثار السائل المنوي على الجلابية التي كانت ترتديها.

بعد الاغتصاب، قالت ليلى انها ارتدت ملابسها بسرعة، وغادرت المكان ركضا، وخرجت من مدخل المحطة، دون توقيع أي وثيقة للإفراج عنها. في اليوم التالي روت لزوجها ما حدث. ومر يوم آخر، وفي خطوة استثنائية رافقها زوجها إلى مكاتب “ماحش” في القدس، حيث روت للمحققين تفاصيل الحادث، وقالت إنها شعرت بالعار. واضافت أنها كانت مشمئزة جدا في تلك الليلة وسارعت لغسل الملابس التي كانت ترتديها.

بعد الانتهاء من تسجيل شكواها، رافق المحققون ليلى إلى قسم العلاج الطارئ. ولم تظهر نتائج الفحص الطبي التي أجريت لها أي علامات على الاغتصاب، ربما بسبب مرور الوقت، لكنه تم العثور على آثار كدمات على يدها اليسرى. وفي اليوم التالي، رافق المحققون ليلى إلى الفحص على جهاز كشف الكذب، وقام بإجراء الفحص رئيس قسم البوليغراف في شرطة القدس. كانت الأسئلة باردة وحادة. “هل صحيح أن شرطي من حرس الحدود ادخل عضوه التناسلي في عضوك التناسلي في مركز الشرطة؟” سألوها، فردت بالإيجاب، حتى عندما سئلت عن ذلك مرة أخرى في صياغة مختلفة قليلا. وكانت النتائج قاطعة: انها تقول الحقيقة.

ودعمت افادت كثيرة روايتها: وقال شهود عيان انهم شاهدوها تغادر المحطة وهي غاضبة جدا، بل أضافوا أنها بعد بضع دقائق تقيأت؛ لقد سارعت إلى إخبار زوجها في اليوم التالي. وذهبت الى مكتب ماحش بشكل حاسم. ليس في كل يوم تحضر امرأة فلسطينية وتقدم شكوى عن اغتصابها وفي مركز للشرطة تحديدا.

جهود كثيرة، ظاهرا

يبدو أنه تم بذل الكثير من الجهود في القضية، خلال الأيام الأولى التي تلت تقديم الشكوى. وتم استدعاء افراد شرطة واستجوابهم، وتعقب اجهزة الهاتف الخليوية، واجراء فحص على جهاز كشف الكذب، وغير ذلك. ومع ذلك، يكشف فحص مواد التحقيق أنه إلى جانب هذا، لم يتم القيام بأعمال تحقيق أخرى، وبعضها يمكن القول انها أساسية.

وتطرح الأسئلة الأولى حول تحديد المشتبه فيهم المحتملين. لقد تم تحديد الجدول الزمني للاغتصاب بين الساعة الرابعة والخامسة صباحا. ووفقا لجدول العمل في المحطة، كان هناك 19 شرطيا يعملون في تلك الساعة (بعضهم في دوريات ميدانية). وبدأ تسعة آخرون عملهم في الساعة الخامسة صباحا. في المنطقة الأمنية كلها، التي تقع فيها محطة الشرطة، كان هناك 76 شرطيا في ذلك الوقت. وبسبب الساعة المبكرة التي يشتبه حدوث الاغتصاب خلالها، يعتبر جميع افراد الشرطة الذين تواجدوا هناك مشبوهين محتملين.

لكنه تم استجواب شرطي واحد فقط من بين هؤلاء بشبهة الاغتصاب – وهو الشرطي الذي استجوب ليلى، والذي تحرش بها ثم غادر الغرفة. ولكن، حسب روايتها، فان هذا ليس الشخص الذي اغتصبها. لقد شهدت أن شرطيا آخر، يرتدي زي حرس الحدود، هو الذي هاجمها، بينما كان الشرطي الذي تم التحقيق معه يرتدي زيا مدنيا.

خلال التحقيق معه، نفى المحقق أي ضلوع في الاغتصاب، وأصر أيضا على أنه لم يتحرش بها. وأجرى المحققون مواجهة بين الاثنين، لكنه تم وقفها لأن ليلى كانت عاصفة، بكت وصرخت، بل هددت محققي ماحش – فاضطروا الى وقف المواجهة. وعندما تم ارسال المحقق للفحص على جهاز كشف الكذب، تبين انه محق، فتم اغلاق الملف ضده. مع ذلك، عندما سئل عما إذا كان قد ابقى ليلى لوحدها في غرفة الاستجواب، أكد أنه غادر لبضع دقائق وذهب الى المرحاض. لكن ترك المرأة الشابة لوحدها في غرفة استجواب لبضع دقائق، تم اعتبارها من قبل محققي “ماحش” مسألة غير عادية وتستحق الفحص.

وبالإضافة إلى المحقق نفسه، تم سماع افادات خمسة رجال شرطة آخرين – الشرطي الذي اعتقلها ونقلها إلى المحطة، وأربعة افراد شرطة كانوا في الخدمة في المحطة – لكنه لم يستجوب أي منهم كمشتبه فيه. هذا على الرغم من حقيقة أنه في مرحلة معينة ظهرت تناقضات كبيرة في افادات اثنين منهم. فقد قال أحدهم، شرطي اشير اليه باسم (ح) ، إنه رأى ليلى تغادر المحطة وفتح لها البوابة مع حارس آخر، هو الشرطي (أ). لكنه عندما وصف (أ) تسلسل الأحداث في ذلك الصباح، جاءت افادته مختلفة. فقد قال انه فتح البوابة وحده لليلى.

لم تكن هذه هي التفاصيل الوحيدة التي اختلفت. لقد قال (ح) للمحققين أنه قد استبدل (أ) لمدة عشر دقائق (خلال الوقت الذي يتزامن مع موعد وقوع الحادث) وأنه خلال الليل رأى زميله يتجول في منطقة غرف الاستجواب. لكن (أ) نفى ان يكون (ح) قد استبدله، بل قال ان (ح) لم يداوم معه في المكان نفسه. صحيح ان المحققين اجيرا مواجهة بينهما في ضوء التناقضات في تصريحاتهما، لكنه لم يتم التحقيق مع أي منهما للاشتباه بتورطه في الاغتصاب.

وعلى الرغم من قلة عدد المشتبه فيهم، لم يجد قسم “ماحش” من المناسب اجراء أي تشخيص للمشبوهين بحضور ليلى، بعد وقوع الحادث، كما لم تعرض عليها صور المشتبه فيهم المحتملين أو جميع افراد الشرطة الذين تواجدوا في المجمع الأمني. “هذا اخفاق كبير” يقول ضابط رفيع في الشرطة سابقا، ويضيف: “حين يكون هناك عدد قليل من المشتبه فيهم، يعتبر التشخيص مسألة أساسية”.

وفقا لملف التحقيق، لم يحاول المحققون أيضا جمع مقاطع الفيديو من كاميرات الأمن في مركز الشرطة. ومع ذلك، يقول مصدر في “ماحش” انه تم في بداية التحقيق فحص الأمر، لكنه تبين أن الكاميرات كانت موجهة الى بوابة الدخول، وأنها لا تسجل أي شيء وانما تبث بشكل مباشر.

وثمة تفصيل آخر في هذه القضية يتعلق بمسألة الحمض النووي. لقد اتضح أن الأمل في العثور على عينة على ملابس ليلى اختفى أيضا، لأن غسل الملابس جعل من المستحيل على مختبرات الشرطة استخلاص أي نتائج.

التحقيق لا يتقدم

بعد حوالي شهر من تقديم الشكوى، تم اخذ ليلى، في خطوة غير عادية، إلى رسام الشرطة. لكنها عندها غيرت روايتها قليلا بشأن وجه المهاجم وشعره، ولكن الصورة الجديدة التي تم رسمها حسب وصفها لم تدفع المحققين نحو تحديد المشبوه.

لكنه كان هناك تغيير آخر في افادتها، كما كشفت عنه مذكرة كتبتها محققة رافقت ليلى وتحدثت معها عن الهجوم مرة أخرى. ولاحظت المحققة أنها عندما كررت قصة الاغتصاب امام ليلى، أضافت ليلى أن الشرطي فرض عليها الجنس الشرجي والشفوي. وقد أثارت هذه المعلومات استغراب ماحش، ولكن عندما سألتها المحققة لماذا لم تبلغ عن ذلك عند تقديم الشكوى، أوضحت ليلى أن أحد المحققين الذين سجلوا شكواها كان رجلا وخجلت من قول ذلك امامه. وتظهر التفاصيل الجديدة في المذكرة، فقط، ولم يتم جباية افادة جديدة من ليلى بشأنها. وبعد ذلك، لم يتم القيام بأي إجراءات تحقيق هامة أخرى، وبقي الملف في مكاتب “ماحش”.

بعد مضي قرابة ثلاث سنوات لم يتصل المحققون خلالها بليلى، توجه محاميها، مؤيد ميعاري، الى “ماحش” وطلب معرفة ما حدث في القضية، وفوجئ بالإجابة التي تلقاها. فقد اتضح له انه قبل عامين تقرر اغلاق الملف بادعاء “عدم التعرف على الجاني”. وفي الواقع، تم اتخاذ قرار إغلاق الملف بعد 10 أشهر فقط من تقديم الشكوى. وجاء في الرد الذي تلقاه المحامي: “للأسف، وقع خطأ ولم تتلق موكلتك بلاغا في الوقت المناسب”.

وطلب ميعاري ملف التحقيق، وقرر تقديم استئناف ضد قرار اغلاقه، شدد فيه على سلسلة من العيوب الجوهرية في تحقيق “ماحش” والتناقضات التي لم يتم التحقيق فيها. وقال: “في حين تعاني المشتكية من حالة نفسية صعبة للغاية، لم يتم تقديم أحد للمحاكمة، لا في المسار الجنائي ولا حتى التأديبي”. لكن الوقت مضى، وفي عام 2015، فقط، أمر نائب المستشار القانوني للحكومة، يهودا شيفر، بإعادة فتح الملف – وهو قرار لم يكن له أهمية كبيرة، وفي مطلع 2016 تقرر إغلاقه مرة أخرى من دون التحقيق مع أي من الضالعين فيه. وجاء في بيان مكتب المدعي العام في “ماحش”: “حتى بعد اجراء الفحص المطلوب لم نتمكن من تحديد مشبوه بارتكاب المخالفة”.

في وقت لاحق اتضح أن الجزء الرئيسي من استكمال التحقيق ركز على كاميرات الحراسة وفحص افادة المحقق الذي أطلق سراح ليلى من دون أي وثائق، ويشتبه في مساعدة المغتصب عن طريق تركه عمدا لوحده مع الشابة في الغرفة. وجاء في بيان “ماحش”، “ان الفحص يشير الى ان تعامل الشرطة مع ليلى تم وفقا للإجراءات، وانه لا توجد وثائق اضافية للإجراءات التي نفذت خلال الحادث”. وفيما يتعلق بمسألة عدم اجراء تشخيص، جاء في الرد أنه “مع مراعاة نتائج التحقيق برمته، بما في ذلك مختلف الأوصاف التي قدمتها المشتكية بشأن المشتبه فيه وغياب مشبوه ملموس بارتكاب هذا الفعل، لم يكن هناك مكان لإجراء التشخيص”.

في هذه المرحلة، قرر المحامي ميعاري عرض صور بعض رجال الشرطة الذين كانوا في المحطة في تلك الليلة، على ليلى، وعلى الفور شخصت (أ) على انه الشخص الذي اغتصبها.

هذا التشخيص المرتجل، بعد مرور خمس سنوات تقريبا على الحادث، جعل ماحش تستدعي (أ) للتحقيق معه تحت طائلة الانذار بشبهة الاغتصاب. في هذه المرحلة، في عام 2016، كان (أ) قد ترك الخدمة في الشرطة، وكانت معظم إجاباته على الأسئلة “لا أتذكر”. بل كان من الصعب عليه تذكر التناقضات التي وردت في الاستجواب الأولي معه، لكنه كان متأكدا فقط من أنه لم يقم بأي اغتصاب. وقال للمحققين: “مرعب وصادم، ولكن ليس لي أي علاقة به”. وخلافا للجولة الأولى من القضية، لم يتم دعوة ليلى هذه المرة، حتى للمواجهة، على الرغم من أن المشبوه هذه المرة كان الشخص الذي تعرفت عليه. وقررت “ماحش” فحص (أ) على جهاز كشف الكذب، حيث سئل: “هل قمت بإدخال عضوك التناسلي إلى العضو التناسلي لعربية في مركز الشرطة؟” ورد (أ) بالنفي. وتبين انه يقول الحقيقة، حسب الجهاز، فتم اغلاق الملف. هل انتهى الأمر؟ رسميا ليس بعد. في هذه الأيام يجري النظر في طعن آخر قدمته ليلى، على أمل إعادة فتح التحقيق وإلقاء القبض على الجاني.

ويقول ميعاري: “كان 28 شرطيا في المحطة، ومن المؤكد ان أحدهم نفذ الاغتصاب، فكيف يمكن للمرء أن يتصور بأن” الجاني غير معروف؟. بالذات في المكان الذي يفترض أن يكون أكثر محميا، محطة الشرطة، تجري عملية اغتصاب ولا احد يدفع الثمن. ولا يزال قادة المحطة يعملون وكأن شيئا لم يحدث، ويواصل المشتبه بهم العمل كالمعتاد، والمرأة التي اغتصبت وحدها لا تحصل على العدالة. كيف تتعرض المرأة للاغتصاب، وفي ماحش يعرفون أنها تعرضت للاغتصاب، ولا يدفع أحد الثمن. الشعور هو أنه لو كانت المرأة المغتصبة تحمل اسما غير عربي لكانت المعاملة مختلفة”.

“لا توجد فرصة بالإدانة”

في “ماحش” قالوا إن القرارات المتخذة في هذه القضية تمت بناء على تحقيق مهني وشامل، وبعد فحص الأدلة والظروف العامة للقضية، بما في ذلك سماع رواية المشتكية عدة مرات، وجمع افادات إضافية، والتحقيق مع افراد الشرطة المشتبه بتواجدهم في المكان، واجراء فحص لكشف الكذب وغيرها من اعمال الفحص بناء على نتائج التحقيق”.

وجاء من ماحش ايضا، انه “بعد فحص جميع الأدلة في القضية، خلصت “ماحش” إلى أنه في الظروف المعقدة للقضية (لأسباب لا ينبغي تفصيلها كونها تتعلق بالخصوصية)، فإن الأدلة لا تثبت فرصة معقولة لإدانة أي من رجال الشرطة الذين يمكن أن يكونوا مشبوهين محتملين.”

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

فتح ميديا أوروبا