قضايا الحَل النهائي أم الحِل النهائي..

بقلم: عمر الزمار.

بعد عقود من المفاوضات التي لم تسمن ولم تغنِ من جوع، بل استغلها الطرف الصهيوني أفضل استغلال، وكان مراوغاً خبيثاً خلالها محققاً الكثير مما يصبو إليه على الأرض، بينما لم نكن نحن سوى مراوحين في المكان؛ التساؤل هنا إمكانية استمرار التفاوض و ‘قضايا الحل النهائي’، هل ما زالت قابلة للحل وما مصيرها وما الخيارات..

فلنبدأ بالقدس، حيث نجد أن التوسع الاستيطاني حول المدينة في تصاعد، والدأب الصهيوني يتزايد في تهويد المدينة وطمس الطابع العربي الأصيل لها، والحفريات تحت المدينة المقدسة لم تتوقف، ومؤخراً أصبح اللعب على المكشوف بعد قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني ونقل سفارته لدى الكيان من تل أبيب إلى المدينة المقدسة، مخالفاً العرف المتبع لدى أسلافه منذ عشرين عاماً بتأجيل نقل السفارة تلقائياً لستة أشهر على اعتبارها من قضايا الحل النهائي، فارضاً شرطاً جديداً في العملية التفاوضية، وضارباً بعرض الحائط كل التفاهمات السابقة..

ثاني القضايا هي الأسرى، حوالي سبعة آلاف أسير فلسطيني في سجون المحتل، منهم أكثر من ١٠٠ امرأة و٥٠٠ قاصر، والعدد يتزايد باستمرار، والمعاناة تستمر، من سياسة الاعتقال الإداري إلى الاهمال الطبي المتعمد والتعذيب والتنكيل وسن القوانين التي تتيح الاعتقال ولو بسبب الشك، ولا تلوح ولو بالأفق البعيد بوادر حل لهذه القضية، بل على العكس يتمادى الكيان الصهيوني في اعتقالاته وإجراءاته ضد الأسرى في تحد سافر لـ’القانون الدولي’ واتفاقيات جنيف وغيرها..

قضية اللاجئين وحق العودة الغير قابل للتصرف من القضايا الشائكة جداً أيضاً، فالقرار ١٩٤ الذي عمره من عمر النكبة ما زال حتى الآن حبراً على ورق، والتعنت الصهيوني ما زال مستمراً ورافضاً لهذا الحق التاريخي، رغم إقرار المجتمع الدولي به، والتفويض الممنوح من الأمم المتحدة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” والتي لا تزول إلا بعودة اللاحئين إلى ديارهم التي هُجروا منها عام ١٩٤٨، لكننا نسمع باستمرار عن الهجوم العنيف من الكيان الصهيوني على الوكالة والدعوة إلى حلّها ودمجها بمفوضية اللاجئين، ومؤخراً أصبح اللعب على المكشوف أيضاً، حيث أن ‘نتنياهو’ يزيد من حملته المسعورة ضد الأونروا، وأمريكا ترامب قررت تجميد الدعم المقدم للوكالة، متناسيةً أن الأونروا قضية سياسية بحتة، عدا عن الدعوات الصريحة لتوطين اللاجئين في بلدان اللجوء والطرح المتجدد لفكرة ‘الوطن البديل’، في محاولة لشطب هذا الحق التاريخي وتناسي جريمة العصر بحق الشعب الفلسطيني..

بالحديث عن الاستيطان، فإن واقع الحال يتحدث عن نفسه، كيان محتل يوغل بالاستيطان ويطرح مناقصات باستمرار لبناء وحدات استيطانية جديدة على حساب الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية، ويصادر أراضي الفلسطينيين ويهدم بيوتهم، وما من رادع لهذا الزحف رغم الكلام الشكلي الذي يطرحه المجتمع الدولي برفضه وإدانته وضرورة إيقافه..

المياه من القضايا النهائية أيضاً، لكن استمرار الصهاينة في السيطرة على جل الموارد المائية و رصد وتحديد كمية المياه المستخرجة من الآبار والينابيع الفلسطينية في الضفة الغربية، وعدم السماح للفلسطينيين بحفر آبار جديدة دون تصريح، كلها تصرفات لا توحي بوجود حل.

الحدود.. يبقى الكيان الصهيوني هو ‘الدولة’ الوحيدة بالعالم التي يعترف بها هذا العالم دونما حدود واضحة، وقد تحدثت عن التوسع الاستيطاني على حساب الأرض الفلسطينية، ورفض الصهاينة الاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود ١٩٦٧، فما هي حدودنا وماهي حدود (دولة اسرائيل)..!!

الأمن قضية أخرى من هذه القضايا، لكن ملخصها أن المحتل الصهيوني يريد أمنه فقط، ولأجل هذا الأمن المزعوم كانت الكثير من الانتهاكات على الأرض، اقتحامات لمنازل الفلسطينيين الآمنين واعتقالات عشوائية وقتل وغيرها، كل ذلك بذريعة ضبط الأمن..

أمام كل هذه الانتهاكات وأمام هذا الواقع المفروض بالقوة، كيف يمكن لهذه القضايا أن تُحل وكيف لهذا الواقع أن يتغير، وإن كنا نريد التفاوض فأين هي نقاط القوة التي نستند عليها..

إذاً.. علينا الآن أن نجد البدائل، لا للوسيط في عملية السلام، بل البديل عن هذه المفاوضات ككل، خاصةً في ظل هذه المرحلة الحرجة جداً من عمر القضية الفلسطينية، وفي ظل انشغال بعض العرب بمشاكلهم الداخلية وتأثير (الفوضى الخلّاقة)، وتلويح آخرين بالتطبيع علناً، فلم تعد القضية الفلسطينية قضية العرب المركزية إلا حبراً على ورق الجامعة العربية.

ها نحن الآن على أبواب جلسة للمجلس المركزي الفلسطيني، لا مجال للتمني دون الفعل، ولا للحسابات الخاصة، بل أصبح فرضاً وواجباً على كل الفصائل -حتى تلك التي لم تنضوِ بعد تحت راية م.ت.ف- أن تضع الخلافات جانباً، وأن تجلس لتضع استراتيجية موحدة للمرحلة القادمة وتعزيز نقاط التوافق وتنحية نقاط الخلاف، لإعادة الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية -الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني- لأن هذه الوحدة ليست هدفاً بحد ذاته بل هي من الأساسيات.

ولنعلنها قولاً وفعلاً.. نحن في حِل من كل الاتفاقيات السابقة مع المحتل ولا يمكننا أن نبقى الطرف الوحيد الملتزم بها، ويتوجب علينا الآن الانتقال الفعلي من مرحلة السلطة الانتقالية إلى مرحلة الدولة تحت الاحتلال.. بجبهة داخلية قوية مع تصعيد حالة المواجهة والمقاومة الشعبية الشاملة، تزامناً مع مواجهة سياسية ودبلوماسية على الصعيد الدولي ونشاط إعلامي واسع دولياً لتصويب الرأي العام العالمي واستمالته.. وقتها سنتمكن من فرض الواقع الذي نحن نريده على الأرض، وإجبار المحتل على الحل الذي نحن نريد، وستكون دولتنا أقرب.. فلسطيننا التي نحلم.

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

فتح ميديا أوروبا