الإحباط الحضاري .. أسباب الحنين إلى مجد الخلافة المزعوم

رثى أمير الشعراء «أحمد شوقي» الخلافة العثمانية في قصيدة شعرية حزينة تعبر عن صدمة المجتمعات الإسلامية في إنهاء زمن الخلافة، حيث قال: «كفنت في ليل الزفاف بثوبه.. ودفنت عند تبلج الإصباح».

منذ ذلك الحين يراود البعض حنينٌ غامضٌ للعودة إلى ما يسمي الخلافة الإسلامية في ظنهم أن عودة الخلافة ستحمل المزيد من الرخاء والعزة والكرامة للمسلمين، ودائمًا ما تعكس الإصدارات المرئية للجماعات المتطرفة عن حالة من الفخر والعزة بما يسمي «الخلافة الإسلامية» وأنها- أي تلك الجماعات- تسعى جاهدة من أجل عودة الخلافة الإسلامية، التي بسببها سيتم جمع كلمة المسلمين في الأرض وبعث الحضارة الإسلامية من جديد التي ظلت لقرون طويلة في العصور الوسطى باسطة سيطرتها على دول العالم كافة، كما يقول البعض من «غانا إلى فرغانة».
الخلافة الإسلامية مصطلح نشأ بعد وفاة الرسول (ص) ويعتبر النموذج السياسي، الذي ساد في البلاد الإسلامية لفترة طويلة من تاريخ العالم الإسلامي، ويمزج النظام بين الحالة الدينية والسياسية في المجتمع الإسلامي، فالخليفة هو خليفة رسول الله القائم على حراسة الدين وتسييس أمور الدنيا كما أوضح ابن خلدون في مقدمته.

لعقود وقرون، مثلت الخلافة الإسلامية لدى المسلمين حالة نفسية تتمثل في أنها مصدر للعزة والكرامة لدى المسلمين، رغم أنها لفترات طويلة من التاريخ الإسلامي لم تقدم النفع للمسلمين بل كانت عبئًا ثقيلًا على أوضاع المسلمين خاصة في فترات التنازع والتناحر عليها، ففي الفترة التي أعقبت وفاة الخليفة الأموي «يزيد بن معاوية» شهدت الأقطار الإسلامية حالة من التخبط والتشرذم مما يزيد الحيرة حول أمرها فهي من ناحية تحتل مكانة روحية في نفوس المسلمين ومن ناحية أخرى مثلت عبئًا ثقيلًا عليهم.

حاولت الجماعات الإسلاموية الربط بين انهيار نظام الخلافة الإسلامية وحالة الإحباط الحضاري التي يعاني منها المسلمون في الفترة الأخيرة، فالمجتمعات الإسلامية تعيش حالة من الركود الحضاري منذ عقود طوال مضت متمثلة في الحرمان الاجتماعي واضطراب الهوية التي تعاني منها العديد من المجتمعات الإسلامية، فضلًا عن الانحدار السياسي سواء على المستوى الداخلي أو المستوى الخارجي.

قد يكون ربط الجماعات الإسلاموية بين متغيري الإحباط الحضاري والخلافة الإسلامية غير متسق مع الحقيقة والواقع، فمن المفترض أن الانحطاط والانحدار الحضاري الذي أصاب المجتمعات المسلمة بدأ في ظل ما يسمي الخلافة الإسلامية، فمعظم الأقطار الإسلامية والعربية وقعت تحت سيطرة الاستعمار الأوروبي والخلافة العثمانية حاضرة بل الأدهى من ذلك أن الخلافة ذاتها كانت ميسرة لعملية التغلغل الاستعماري في الأقطار الإسلامية تحت مسمي «الامتيازات الأجنبية» التي كانت تعد البوابة الأولي للاحتلال الأجنبي للأقطار الإسلامية.

كما أن التاريخ الإسلامي في ظل الخلافة الإسلامية لم يكن على خط واحد من التقدم الحضاري، بل شهد التاريخ الإسلامي فترات تأرجح بين التقدم الحضاري والانحطاط والتخلف بعضها كان في العصور الأولى من الخلافة الإسلامية، فلم يكد يمر نصف قرن على وفاة الرسول حتى شهد العالم الإسلامي انحدارًا وإحباطًا حضاريًا متثملًا في التنازع والتناحر على الخلافة الإسلامية، حتي أصبح التقاتل على الخلافة أمرًا طبيعيًا مألوفًا لدى عامة المسلمين مما أفقد المنصب الكثير من مكانته ورمزيته الدينية والسياسية، وفي فترات متأخرة أصبح الخليفة الإسلامي ألعوبة في يد بعض الممالك والدول كالحال الذي ألفته العصور العباسية المتأخرة حيث سيطرة دولة الأتراك السلاجقة على مقاليد الخلافة في بغداد، لذا ستتناول الدراسة العلاقة بين متغيري الإحباط الحضاري ومفهوم الخلافة الإسلامية من خلال النقاط التالية:

الخلافة في وجدان المسلمين:

تحتل الخلافة الإسلامية مكانة رمزية في نفوس ووجدان المسلمين، فمنذ أن أقدم زعيم القومية التركية «مصطفى كمال أتاتورك» في شهر مارس 1924 على إلغاء الخلافة الإسلامية، انبرى الإسلاميون لمحاولة إعادة الخلافة مرة أخرى وتفسير ما يحدث للمسلمين من انتكاسة وانحطاط حضاري يعود بالأساس إلى إلغاء الخلافة الإسلامية وبعودتها يمكن استرجاع الحضارة الإسلامية التي أصيبت بالانتكاسة خلال العقود الماضية.

وعلى هذا الحلم المزعوم انطلقت العديد من الجماعات الإسلاموية من أجل استعادة الخلافة الإسلامية ففي البداية أنشئت جماعة الإخوان المسلمين في مصر عام 1928 بعد أربعة أعوام فقط من إلغاء الخلافة الإسلامية، ونصبت الجماعة من أهدافها الرئيسية استعادة الخلافة الإسلامية، ففي رسائل حسن البنا لجماعة الإخوان أكد أن الخلافة هي رمز الوحدة الإسلامية ومظهر الارتباط بين الأمم الإسلامية وأنها شعيرة يجب على المسلمين التفكر في أمورها، لذا يضع الإخوان مفهوم الخلافة على رأس مناهجهم وأولوية عملهم.( )

تحتل الخلافة الإسلامية في نفوس المسلمين مكانة عظيمة للغاية فطوال التاريخ الإسلامي حرص المسلمون على إيجاد الخليفة حتي ولو كان في صورة رمزية هزلية لا يستطيع تحريك ساكن أو إيقاف متحرك، فعندما سقطت بغداد على يد المغول وأعدموا الخليفة «المستعصم بالله» عام 1258م، حرصت دولة المماليك في مصر والشام على إعادة الخلافة الإسلامية من جديد وانتقل مقرها من بغداد إلى القاهرة، إلا أن الخليفة العباسي في القاهرة أصبح منزوع السلطات والصلاحيات؛ مجرد واجهة شرعية لأمراء المماليك الحاكمين.

في أعقاب الحرب العالمية الأولى وانهزام الدولة العثمانية أمام قوات الحلفاء بقيادة بريطانيا وفرنسا المتحالفتين والداعمتين للثورة العربية الكبرى 1916، لاح في الأفق انهيار الخلافة الإسلامية وأنها أصبحت إرثًا من الماضي مما أدى إلى أن المسلمين خاصة في مصر انتابتهم حالة من الإحباط الحضاري، ما لبثت أن تجددت آمالهم مرة أخرى مع الانتصارات التي حققها قائد القومية التركية «مصطفى كمال أتاتورك» خلال الفترة من عامي 1919 ـ 1922 التي تعرف في التاريخ التركي الحديث بحروب الاستقلال التركية، حيث توهم مثقفو مصر خلال تلك الفترة أن تلك الانتصارات سوف تسفر عن إحياء الخلافة الإسلامية من جديد، وفي هذا الإطار أنشد أمير الشعراء المصري «أحمد شوقي» أبياتًا طربًا ومديحًا في أتاتورك معتقدًا أنه محيي الخلافة الإسلامية من جديد حيث قال( ):
الله أكبر كم في الفتح من عجب…. ياخالد الترك جدد خالد العرب
حذوت حذو الصلاحيين في زمن…. فيه القتال بلا شرع ولا أدب
ولا أزيدك بالإسلام معرفة…. كل المروءة في الإسلام والحسب
للترك ساعات صبر يوم نكبتهم.. كتبن في صحف الأخلاق بالذهب
يوم كبدر فخيل الحق راقصة…. على الصعيد وخيل الله في السحب
تحية أيها الغازي وتهنئة.. بآية الفتح تبقي آية الحقب
الصابرين إذا حل البلاء بهم… كالليث عض على نابيه في النوب
هزت دمشق بني أيوب فانتبهوا… يهنئون بني حمدان في حلب
ومسلمو الهند والهندوس في جذل… ومسلمو مصر والأقباط في طرب

تلك الأبيات القليلة الماضية نسجها «شوقي» في كمال أتاتورك وحركته التي نجح من خلالها في استعادة العديد من الأراضي التركية التي وقعت رهينة دول الحلفاء واليونان بعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولي، وأمعن شوقي في تشبيه أتاتورك بالقائد الإسلامي والصحابي الجليل خالد بن الوليد، كما وصف معاركه بغزوة بدر التي نصر الله فيها المسلمين على قريش وكانت إيذانًا بانطلاق الحضارة الإسلامية.

إلا أنه سرعان ما تكشفت الحقائق لدي الجميع، وأن الحركة التي قادها أتاتورك كانت قومية الطابع تنحو إلى إعلاء القيم القومية التركية، والاتجاه نحو التحديث وإسقاط إرث الخلافة الإسلامية، وهو ما تحقق بسرعة وجيزة؛ حيث تم إلغاء نظام الخلافة بشكل كامل في مارس 1924 وهو ما أصاب الكثيرين ومنهم «شوقي» بصدمة حضارية كبرى، فلأول مرة منذ وفاة الرسول (صلى الله عليه وسلم) لم يعد هناك خليفة مسلم يمنح شرعيته الدينية والسياسية للحكام والسلاطين، لذا سطر «شوقي» أبياتًا تحمل مزيجًا من الأسي والحزن على انهيار الخلافة الإسلامية ورثاؤها حيث قال( ):

عادت أغاني العرس رجع نواح… ونعيت بين معالم الأفراح
كفنت في ليل الزفاف بثوبه… ودفنت عند تبلج الأصباح
شيعت من هلع بعبرة ضاحك.. في كل ناحية وسكرة صاح
ضجت عليك مآذن ومنابر… وبكت عليك ممالك نواح
الهند والهة ومصر حزينة.. تبكي عليك بمدمع سحاح
والشام تسأل والعراق وفارس.. أمحا من الأرض الخلافة ماح
وأتت لج الجمع الجلائل مأتما… فقعدن فيه مقاعد الأنواح
ياللرجال حرة موؤودة.. قتلت بغير جريرة وجناح

لذا نستنتج من أبيات «شوقي» في مدح أتاتورك أو رثاء الخلافة أن فكرة الخلافة الإسلامية ظلت راسخة في وجدان الشعوب الإسلامية خاصة في مصر سواء على مستوى النخب الفكرية أو على مستوى الشعوب، مما مهد الأرضية المناسبة لنشوء أهم جماعة إسلاموية ظهرت في القرن العشرين (جماعة الإخوان) ووفر لها الإطار الوجداني للانطلاق نحو تجنيد المزيد من المتعاطفين مع مفهوم عودة الخلافة الإسلامية.

ومؤخرًا لعب تنظيم «داعش» على الأثر الوجداني للخلافة في نفوس المسلمين ففي خطابه الأول بعد إعلانه كخليفة بشر أتباعه بأن الأرض قد دانت لهم مداعبًا ما يسمي «نوستالجيا الخلافة» المهيمنة على عقول الإسلامويين المتطرفين( )، وسبق إعلان داعش الخلافة بأيام قليلة صدور تصوير مرئي لعناصر داعش وهم يقومون بهدم أحد السواتر الرملية والجدارية التي ترمز للحدود العراقية السورية معلنين انتهاء الهوية الوطنية واتفاقية سايكس بيكو وتدشين ما يسمي بالخلافة الإسلامية( ).

انتكاسات في ظل الخلافة

باستعراض المكانة الوجدانية للخلافة في نفوس المسلمين التي تعبر وفق الكثيرين أحد أركان الإسلام، يدور التساؤل، هل كانت الخلافة مجدية من الناحية الواقعية أم كانت عبئًا وثقلًا على المسلمين، الأحداث التاريخية ببساطة تشير بوضوح إلى أن الخلافة الإسلامية لم تكن الفاعل الرئيسي في مجريات التاريخ الإسلامي.

فمثلًا بعد انقضاء فترة خلافة الخليفة الراشدي الثالث «عثمان بن عفان» عام 656م دخلت نظام الخلافة الإسلامي في حالة من الاضطراب والتنازع والتصارع حول منصب الخليفة، أدي هذا التصارع إلى شيوع الفوضى والتوحش في العديد من الأقطار الإسلامية؛ خاصة في الفترة التي أعقبت وفاة الخليفة الأموي «اليزيد بن معاوية» (647ـ683م) وانشطار الخلافة الإسلامية إلى خلافات متخاصمة متصارعة؛ خاصة بين خلافة مروان بن الحكم في دمشق وخلافة عبدالله بن الزبير في مكة، فضلًا عن نشاط طائفة الخوارج ثورة المختار بن عبيد الله الثقفي.

وفي عصور متأخرة من التاريخ العباسي اشتهر الخليفة الإسلامي بأنه دمية، فطوال عقد طويل من الزمن سيطرت دولة الأتراك السلاجقة على الخلافة في بغداد، حتي أصبح في إمكانهم عزل وتعيين الخلافة.

وفور سقوط الخلافة العباسية عام 1258 علي يد التتار عملت دولة المماليك على إحياء الخلافة الإسلامية (العباسية) في القاهرة دون أية سلطات أو صلاحيات، لذا يمكن اعتقاد أن جدوى الخلافة الإسلامية تنحصر في كونها غطاءً شرعيًّا للممالك والإمارات الإسلامية التي نشأت في ظل القرون الوسطي، فتلك الممالك كانت حريصة على أخذ شرعيتها الدينية من الخليفة الإسلامي، وهو ما يفسر حرص المماليك على استمرار الخلافة بعد انقضائها على يد التتار في عام 1258م.

وفي فترات متأخرة من الخلافة العثمانية كانت تمثل عبئًا وثقلًا على الأقطار الإسلامية؛ حيث لم تنجح الخلافة العثمانية في عصورها المتأخرة في رد هجمات الاستعمار التي نجحت في سلخ الأقطار الإسلامية الواحد تلو الآخر، مثل: الجزائر ومصر والشام وساحل الخليج العربي واليمن، وذلك بفضل نظام الامتيازات الأجنبية الذي أقرته الخلافة العثمانية.

دوافع التمسك بالخلافة

لذا يمكن اعتبار أن الخلافة الإسلامية في وجدان المسلمين، مجرد صورة ذهنية نفسية تعبر عن رغباتهم المكبوتة في تحقيق العزة والكرامة الحضارية متجاوزين بذلك العديد من المثالب التاريخية التي خلفها نظام الخلافة، يتبقى لنا الكشف عن دوافع ترسيخ مفهوم الخلافة في وجدان المسلمين ومنها على سبيل المثال:

الغطاء الروحي والديني: لمفهوم الخلافة بعدٌ دينيٌّ وروحيٌّ؛ إضافة إلى كون «الخليفة» قائدًا سياسيًّا فإنه أيضًا حارس على شؤون الدين وخليفة رسول الله، لذا من يصل إلى ذلك المنصب يكتسب قداسة، خاصة أشبه بما هو موجود في الدولة الثيوقراطية.

بسط الهيمنة: اُستغل مفهوم الخلافة من قبل البعض من أجل بسط السيطرة والهيمنة، فالأمويون استغلوا المنصب للسيطرة والتوسع وعلى هذا الدرب سار العباسيون والفاطميون، وفي عام 1517 تمكن السلطان العثماني سليم الأول من تدشين الخلافة العثمانية بعد القضاء على الدولة المملوكية في الشام ومصر واستغل الخلافة لبسط السيطرة العثمانية على أرجاء العالم الإسلامي كافة في شمال أفريقية.

محاكاة الإمبراطوريات الكبرى: وقت بزوغ الحضارة الإسلامية وتوسع الدولة الإسلامية في عهد الخليفة عمر بن الخطاب كان العالم مقسمًا تقريبًا بين امبراطوريتين كبيرتين هما: الفرس والروم تتميزان بالمركزية الشديدة وبسط سيطرتهما على مساحات واسعة من العالم، الأمر الذي دفع المسلمين إلى محاكاة الدولتين في بناء دولة إسلامية كبرى على غرار الدولتين الرئيسيتين، وبالتالي أصبح نموذج الأمثل في حشد المسلمين وتحقيق مركزية الدولة الإسلامية.

شرعيات منقوصة: أغلب الدول والممالك الإسلامية التي نشأت في مستوى أدني من الخلافة كالدولة السلجوقية والأيوبية والمملوكية كانت تفتقر إلى الشرعية الدينية والشعبية، فمعظم تلك الدول نشأت بانقلابات وحروب دموية، لذا حرصت تلك الدول على اكتساب شرعيتها من بقاء الخلافة الإسلامية والسير في معيتها، فالدولة السلجوقية دائمًا ما كانت تشتهر بأنها من أنقذت الخلافة العباسية من السقوط على يد الفاطميين، وأما الدولة الأيوبية فحرصت هي الأخرى على وجود الخلافة العباسية والقضاء على ألد خصومها الدولة الفاطمية، أما الدولة المملوكية فقد قامت بإحياء الخلافة العباسية مرة أخرى حتى ولو كانت في صورة رمزية.

وسيلة للتغلغل والانتشار: حاليًا تستغل الجماعات الإسلاموية مفهوم الخلافة من أجل الانتشار والتغلغل في صفوف المسلمين، فجماعة الإخوان استغلت المكانة الرمزية للخلافة في نفوس المصريين ونادت بتطبيق الخلافة من أجل تجنيد المزيد من العناصر لصفوفها، وفي يونيو 2014 حينما أعلن المتحدث باسم داعش «أبو محمد العدناني» قيام ما يسمى الخلافة الاسلامية أعلنت الكثير من الجماعات المتطرفة مبايعة تنظيم «داعش» كـ«بوكو حرام» في نيجيريا و«أنصار بيت المقدس» في شمال سيناء.
وأخيرًا.. يتضح لنا أن مفهوم الخلافة من المفاهيم الإسلامية التي تم استغلالها ومازال يتم استغلالها سياسيًّا من قبل الجماعات المتطرفة رغم فشلها في تحقيق وحدة وعزة المسلمين في الكثير من الفترات التاريخية في العصور الوسطي والحديثة، فالخلافة لم تقف صامدة أمام هجمات التتار كما لم تمنع الحملات الصليبية والاستعمارية.

الأمر الذي يدفعنا للتفكير بجدية حول كيفية معالجة مفهوم الخلافة، فمن خلال استقراء العديد من الفترات التاريخية نجد أن الشعوب الإسلامية دائمًا ما تلف أكثر حول ما يسمي «الدولة المنجزة»، أيا كان توجهها وشكلها، فالدولة المنجزة هي من تحقق طموحات شعبها.

فخلال العقود الأخيرة من تاريخ الدول العربية شهدت تجارب تنموية أسهمت في تحقيق التفاف الشعوب العربية حول قادتها من أجل تحقيق التقدم والازدهار ومعالجة حالة الإحباط التي تنتاب المسلمين، فمثلا نجحت مصر في عهد عبدالناصر والمغرب والجزائر في عهد الرئيس هواري بومدين والعراق في الثمانينيات في تحقيق طفرات تنموية عززت المواطنة لدي أبناء تلك الشعوب وفي المقابل تراجعت الأفكار الإسلاموية المتعلقة بالخلافة، لكن عدم استمرار بعض تلك التجارب أسفر عن حالة من الانتكاسة الحضارية مما أدي لتراجع مفاهيم المواطنة لصالح بروز مفاهيم الخلافة الإسلامية.

فالمتابع للظاهرة الإسلامية في مصر والجزائر يستنتج أنها توحشت وزاد أثرها في مرحلة ما بعد حرب 1967 في مصر ووفاة الرئيس الجزائري الأسبق هواري بومدين 1978، فحالة الاحباط التي انتابت الشعبين المصري والجزائري أسفرت عن بزوغ نجم التيارات الإسلاموية التي عملت على إعادة تدشين مفهوم الخلافة الإسلامية من جديد.

لذا يجب حاليًا العمل على خلق طفرات تنموية داخل الدول العربية والإسلامية تعزز من قيم المواطنة الأمر الذي سيؤدي بشكل تلقائي اختفاء التيارات الإسلاموية وانزوائها، وبالتالي انتهاء مفهوم الخلافة الإسلامية، فالتنمية ستعزز الفخر بالهوية القومية.

……
هوامش
—————–
(1) «من غانا إلي فرغانة» مصطلح إسلامي يشير إلى الاتساع الهائل الذي حظيت به الممالك والخلافات الإسلامية في العصور الوسطي، فغانا حاليًا دولة في أقصي غرب أفريقيا، أما فرغانة فتقع شرق دولة أوزباكستان في منطقة وسط آسيا، والتعبير يدل على شيوع الثقافة والحضارة الإسلامية في العالم القديم في أوروبا وآسيا وأفريقيا.
(2) عبدالرحمن بن خلدون، مقدمة ابن خلدون، إبراهيم محمد إبراهيم (تحقيق) (القاهرة: مكتبة القرآن، 2006) ص 201.
(3) تسهيلات كانت تقدمها الخلافة العثمانية للدول الاستعمارية الأوروبية، استغلتها الدول الاستعمارية في السيطرة على الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في المناطق الإسلامية.
(4) حسن البنا، رسائل الإمام الشهيد حسن البنا، متاح على الرابط التالي:
https:taimullah.files.wordpress.com…d8b1d8b3d8a7d8a6d984-d8a7d984d8a5d985
1.
(5) محمد فايز جاد، ذكرى عزل السلطان عبدالحميد الثاني آخر الخلفاء.. بيرم التونسي يهجو أتاتورك.. وشوقي يذم بعد مدح، بوابة الأهرام، 2742016، متاح هلى الرابط التالي: http:gate.ahram.org.egNews953242.aspx
(6) أحمد شوقي، رثاء الخلافة الإسلامية، الموسوعة العالمية للشعر العربي، متاح على الرابط:
http:www.adab.commodules.php?name=Sh3er&doWhat=shqas&qid=9508
(7) حسن عباس، الخلافة تتوق إلى فتح روما، رصيف 22، 4 يوليو 2014، متاح على الرابط التالي:
https:raseef22.compolitics20140704الخلافة-الإسلامية-تتوق-إلى-فتح-روما
(8) تمثل اتفاقية سايكس بيكو التي تم توقيعها بين بريطانيا وفرنسا 1916 لتقسيم ممتلكات الدولة العثمانية من أبرز دواعي الإحباط والانكسار الحضاري لدي العرب والمسلمين، فلم تسلم الاتفاقية من انتقادات مستمرة من العقل العروبي والعقل الإسلاموي؛ حيث اتفق الجانبان على أنها وجدت لتخدم أهداف الاستعمار وتقسيم وتقزيم الدول العربية والإسلامية، لذا ينبغي الثورة على تلك الاتفاقية بأي شكل من أشكال وقد حاولت الاتجاهات العروبية التي سادت المنطقة خلال فترات الخمسينيات والستينيات والسبعينيات الثورة على تلك الاتفاقية إلى أن كل المحاولات باءت بالفشل فظلت سوريا والعراق دولتين منفصلتين متنازعتين في مواقف كثيرة رغم الإطار الأيديولوجي المشترك؛ حيث أيديولوجية حزب البعث العربي الاشتراكي التي صاغها ميشيل عفلق.

بوابة الحركات الإسلامية

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

فتح ميديا أوروبا