لا للتطبيع

بقلم: عمر حلمي الغول

شهدت عملية التطبيع الرسمية العربية المجانية مع دولة الإستعمار الإسرائيلية زخما غير مسبوق، حيث تواجدت في آن واحد أربع وفود إسرائيلية في عدد من الدول العربية وبشكل علني، ليس هذا فحسب، بل أن العلم الإسرائيلي رفع في العواصم والمدن العربية المختلفة، والأنكى ان نشيد “هاتكفا” (البعث) الإسرائيلي عزف في دولة الإمارات العربية لإول مرة في التاريخ، ورافقت ميري رغيف، وزيرة الثقافة الوفد الرياضي للإمارات، وأستقبلت إستقبالا حافلا من قبل السلطات الرسمية الإماراتية. كما حصل نفس الشيء مع الوفد الرياضي في الدوحة العاصمة القطرية، وبذات الوقت شارك وفد سينمائي إسرائيلي في أربيل العراق (كردستان)، وتوجت عملية التطبيع بزيارة رسمية وعلنية لرئيس الوزراء الإسرائيلي، نتنياهو لعاصمة سلطنة عُّمان، مسقط، وإستقبله السلطان قابوس بن سعيد.

كل هذة الزيارات تمت نهاية الإسبوع الماضي (24 و25 و26 إكتوبر 2018) وبعضها باق حتى الآن. وهو أمر محزن ومؤلم في آن، لا سيما وأن هناك ناظم تم تثبيته في قمة بيروت العربية 2002، رسم محددات وضوابط العلاقة مع دولة الإستعمار الإسرائيلية، وهو مبادرة السلام العربية، التي قامت على ركائز اربعة: أولا إنسحاب إسرائيل من الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة في الخامس من حزيران/ يونيو 1967؛ ثانيا الإعتراف بدولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية؛ ثالثا ضمان حق العودة للاجئين الفلسطينيين على اساس القرار الدولي 194؛ رابعا التطبيع الرسمي العربي مع دولة الإستعمار الإسرائيلية. وفي كل قمة عربية لاحقة تم التأكيد على أولويات هذة المحددات وفق ترتبيتها. ورفض الأشقاء العرب التساوق مع الرؤية الإسرائيلية والأميركية، التي طالبت بقلب الأولويات رأسا على عقب، بحيث تكون عملية التطبيع أولا وتنتهي بالإنسحاب والإعتراف باستقلال دولة فلسطين، لكن العرب رفضوا ذلك.

غير ان الوقائع الملموسة على الأرض العلنية والسرية قالت، أن العرب رفضوا الأمر شكلا، وتماهوا مع المنطق والخيار الأميركي الإسرائيلي عمليا، وإنخرطوا في عملية تطبيع مجانية ليس فقط بتبادل الزيارات، والتبادل التجاري والإقتصادي، بل ذهبوا لتوقيع الإتفاقيات الأمنية والعسكرية ومشاركة قوات العديد من الدول العربية في مناورات مشتركة مع إسرائيل، وتم تغيير أولويات الأعداء والحلفاء في المنطقة، فباتت إسرائيل حليفا وصديقا وغيرها عدوا، ولم تحاول تلك الدول المطبعة على الأقل وضع الجميع في سلة الأعداء. وقام العديد من القيادات العربية بزيارة دولة الإستعمار الإسرائيلية، خاصة من تلك الدول، التي لم تعترف رسميا حتى الآن بإسرائيل، وهناك دول ترسل ابناءها للعلاج في المستشفيات الإسرائيلية، وبعضهم بات يهاجم قضية العرب المركزية وشعبها العربي الفلسطيني … إلخ

القيادة والشعب العربي الفلسطيني ليسوا ضد السلام، ولم يكونوا يوما ضد التسوية السياسية الممكنة والمقبولة، ووافقوا على قرارات الشرعية الدولية، وتعاملوا بروح المسؤولية العالية مع مرجعيات عملية السلام الأميركية والأممية، ولكن الذي تهرب منها، ورفضها وأدار الظهر لها، ونقضها، وعطلها، وقتل محدداتها، ومازال يستبيح الحقوق والمصالح الوطنية الفلسطينية، هو دولة الإستعمار الإسرائيلية، وتقف خلفها الولايات المتحدة الأميركية. لا بل باتت إدارة ترامب شريكا مباشرا في الحرب على الحقوق والثوابت الوطنية الفلسطينية. بتعبير آخر، كان ومازال الأجدر بالدول الشقيقة وقياداتها المختلفة وبغض النظر عن توافقها أو عدم توافقها مع القيادة الفلسطينية ان تلتزم بما جاء في مبادرة السلام العربية، ولا نريد أكثر من ذلك كفلسطينيين، ولكن أن يجهروا تطبيعهم مع إسرائيل المارقة والخارجة على القانون وعلى حساب المصالح والثوابت الوطنية الفلسطينية، فهذا مرفوض جملة وتفصيلا. ولا يعني شعار “عدم التدخل في الشؤون العربية” ترك الباب سائبا لكل من هب ودب من العرب الرسميين للركض في متاهة إسرائيل والولايات المتحدة، فهذا أمر يتناقض مع المصالح الوطنية والقومية، وعلى الأشقاء العرب مراجعة أنفسهم، والتوقف عن سياسة الترويض غير المشروع للوعي العربي، لإن إسرائيل مازالت في موقع العدو الأول للشعب الفلسطيني وعموم شعوب الأمة العربية، ومن يعتقد غير ذلك لا يفقه الف باء السياسة، ولا يعي خطورة إسرائيل وأميركا ومشروعهما الإستعماري الإستراتيجي. يا حبذا لو يراجع العرب مواقفهم قبل فوات الآوان.

oalghoul@gmail.com

a.a.alrhman@gmail.com

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

فتح ميديا أوروبا