فهم الصراع بين الأصل والمستنسخ (2/2)

بقلم: بكر أبوبكر

إن فهم الصراع الذي أدركنا في حركة فتح كنهه وطبيعته ومكوناته كصراع وجود وأرض وقيم ورواية وتأصيل بين المشروع الاستعماري الاحتلالي الغربي الصهيوني وبين الوجود للأمة العربية والاسلامية بأكملها واغتصاب أرض فلسطين يمثل المفتاح الحقيقي لفهم مكونات الغوص في تفاصيل خوض الصراع من حيث معرفة وتبيّن المشكلة والانطلاق بها نحو الحل أو الحلول.

نحن يا أيها السادة النُساخ لا نعيش في قفص مغلق أبدا، وانما نعيش في عالم مفتوح، ونحن أو سوانا من يُغلق عقله ويضعه في قفص خطواته او أفكاره المعلبة مع كثير من المواد الملونة اوالحافظة، لذلك فإن حكم المعرفة بالفكرة والاهداف والمستجدات تستدعي أن ننظر جليا في أمور الصراع من زوايا خمسة هي الحدود والحوائط والسدود والمجالات والسقوف.

1-السقوف الفكرية والنظر

السقف الفكري للموضوع قد يكون عائقا أمام التقدم، متى ما تم إهمال المتغيرات والمستجدات فيظن السياسي أن قيم واحكام ومسارات الماضي قد يصح اعتمادها في الحاضر وتبقى صالحة للمستقبل.

ما لا يقبل في الفكر الحر ذلك الأمر، لان التطور والنماء هو الأصل والتغير وتجدد المياه هو الأصل، فما يسكن يأسن وما يتجدد يكتسب طاقة فعل مستمرة أبدا

ان السقف الفكري الجامد قد يشكل مانعا للنظر بعمق بحقيقة المتغيرات. فمن النظر في العام 1965 الى النظر عام 1974 الى النظر عام 1991 الى العام 2001 متغيرات عظيمة تجعل حقيقة التفكير في كل مرحلة من هذه المراحل يرتبط بمفاتيح أو عوامل مختلفة وفي جلّها النظر بالحوائط الاستنادية او المعيقة، وعليه يصبح المنهج الفكري أساسا للنظر وهو ما امتلكته حركة فتح بتبين الواقع واستشفاف المستقبل وتطويع الادوات لتحقيق الهدف.

2- الدعم والحوائط الاستنادية

في العام 1965 عندما قررت الثورة أن تكون المركب الذي تتشكل حوله أدوات التحرير كانت لها من الحوائط الاستنادية والظهر الظهير الكثير، حيث كان الفكر القومي الناصري يحف بالامة العربية من شرقها الى غربها، وكانت الامة قد خرجت من وقع انتصارات ضد الاحتلالات في كوبا والجزائر والصين فتمثلت من هذه التجارب فكرة حرب الشعب طويلة الأمد، بشعلة كفاحها العسكري.

وكانت النُظُم العربية تتوزع بين الوطني والقومي (والاشتراكي)، وبين السلطوي والديمقراطي ولكنها جميعا تحت ضغط الوعي العروبي الوحدوي لم تكن تستطيع الا أن تكون حائطا استناديا ورافعة لأي عمل فدائي لذلك كانت سوريا ومصر والجزائر والسعودية وغيرها من الدول حوائط اسناد قوية.

وما بك أيها الناسخ تفكر أن الحوائط كما هي؟ وأنت يجب أن تنظر بمنهج تفكير عميق لمتغيرات داهمة جاءت بعد العام 1974 وصولا لخروج مصر المدوي من معادلة الحرب النظامية في الشرق الاوسط، وقد استقرت في العامين 1978-1979 مع توقيع اتفاقيات “كامب ديفد” ليلحقها بعد زمن الركوع والتصدع والخسران الطويل اثر الحرب العراقية الايرانية، فوقوع الخليج في فخ الامركة وكامل الامة ثم بانهيار العراق وسوريا.

أيجوز مع كل هذا يا أيها النُساخ الأفاضل أن نعتقد أن الحوائط الاستنادية مازالت بذات المتانة مع اختلاف العوامل؟

أنه لشأن عظيم أن يتوقف الفهم والنظر عند حدود القديم من مناهج التفكير والنظر، ولا نرى من انهيار اوشقوق عميقة بالسدود ما يجعل من طبيعة النشاط وتوليد الكهرباء يختلف من الاعتماد على النفط الى المياه.

3-السد وتوليد الطاقة البشرية

في مراحل المد والعنفوان العروبي وحيث تصارعت الفكرانيات (الايديولوجيات) كان الاعتماد على حلفاء اقليميين صلبين، وعلى أمة بأنظمة “تقدمية ورجعية” تنشد كسب ود المقاومة لأسباب قومية، أو انتهازية تتعلق بدوام أنظمتها، ومع من عدته تنظيمات اليسار حليفها الاستراتيجي أي الاتحاد السوفيتي كانت السدود المُقامة مع هؤلاء “الحلفاء” تولد فينا الطاقة أو كهرباء الفعل من المال والدعم العسكري والاعلامي الاممي.

اما اليوم وبعد التغيرات الضخمة في سياق المراحل الاربعة (1965 الانطلاقة-1974 حرب اكتوبر ثم كامب ديفد- حرب الخليج الثانية1991- الانتفاضة وغزوة نيويورك2001) فإن السد الذي نستند عليه لتوليد كهرباء الثورة بشتى أشكالها اليوم اقتصر بشكله الأعم على الجماهير دونا عن النظم والحكومات، ودونا عن المصالح الثنائية والاقليمية التي أخذت تتخطى اولوية القضية الفلسطينية كعمق متقدم للامة.

لقد تم تجاوزفلسطين القضية لأسباب عديدة ليس أولها متغيرات المراحل المذكورة، وسقوط الامة في مشروع إشغالها لتحقيق هزيمتها منذ حرب أفغانستان (1979-..)، فالأسر ضمن فخ العداء الاقليمي، الى الإلقاء بالامة في مجاهل التيارات الاسلاموية المتطرفة منذ مخطط التفتيت الجديد عام 2010 وصولا للقبض على رقبتها بالارتباط اللانموذجي بالمصالح الامريكية الروسية الحديثة التي لا تقفز بل تؤمن “السياحة” العسكرية والاقتصادية والعسكرية والامنية الاسرائيلية على مساحة كامل الأمة من أندونيسيا وصولا لايران فالمغرب العربي وليس قفزا عن الجزيرة.

4- ثورة بلا حدود، وتكسّر الجناحين

كانت الثورة الفلسطينية تطير بجناحين هما قدرتها الذاتية واستقلالية قرارها في السياق العربي، وبجناح دعم وإسناد الامة العربية الاسلامية، حتى كان التشظي من نصيب الأمة فاهتز الطائر فلم يعد يستطيع التحليق مع كثير من الجروح التي لحقت بالجناحين معا.

ففي المسار الفلسطيني عمدت قوى الظُلمة والانفصال والتشتيت للهدف لاغتصاب الفكرة واغتصاب الديانة، واعتصار المقاومة في ابريق شراب لا يباع الا في مقاهيها هي فقط، أكان محلى بسكر العنب ام سكر القصب.

لذلك نرى اليوم عنوان المرحلة هو الفرقة والانفصال والانشقاق والامتناع عن المصالحة، فجذور العقلية الاستبدادية الاستئثارية المرتبطة بالافكار الاسلاموية الاقصائية، اوالوطنية الوظيفية قد أصبحت عامل كسر للجناح الفلسطيني فأقعدت الطائر.

لقد كان لانكسار الجناح الاول (الفلسطينيين) أو هكذا يُظن، أن ألزم أصحاب الجناح الثاني (الامة) أنفسهم أن يبرخوا ويتراخوا ويستريحوا مؤثرين مصالحهم الذاتية على مشروع الأمة الوحدوي وفي قلبه فلسطين.

هل نحن سبب انعدام التحليق أم هم؟ أجيبوا يا أيها الناسخون للمسيرة مسيرة حركة فتح دون الإشارة للمصدر الأصل؟

نستطيع في هذا أن نكتب الكثير، ولكننا نقول لكم أن ثورة بساط الريح كما أسماها الخالد أبوعمار، وثورة المستحيل كانت تطير بجناحين وتعمل في كل مساحات الأرض بلا حدود أي أن مجالات عملها لم تقتصر في مرحلة من المراحل على الأردن او لبنان او سوريا وفلسطين، وانما امتدت الى آسيا واوربا، حتى أصبح هذا الفعل الخارجي مستقبحا بعد أن أسمعت ثورتنا صوتها للقاصي والداني فكانت النقلة من ثورة بلا حدود الى حدود الفعل الثوري.

ان تفكر الثورة بالحدود هو تفكير منطقي يتسق مع انخفاض الحوائط أو تشققها من كيانات الأمة المختلفة، ومن تكسر الأجنحة، ومن انخفاض سقوف المباني الفكرية التي كانت تجعل من الثورة والفلسطيني حديث كل الناس، فأصبحت اليوم الأغنية المتباكية أكثر انتصارا مقابلا أغنية الفدائي.

5-مجالات الزرع ووقت الحصاد

في ظل السدود وانحسار الحوائط وحين تصبح الحدود ما بين الميدان والهيئات العالمية قافزة عن ثقل الامة وقوة العامل الجماهيري العربي فإنه آن للمدركين بعمق لهذا الصراع ان يفهموا معنى المتاح من المجالات، وأن يقبلوا الارتقاء في درجات القضية من خلال هذا الفهم، وهذا ما حصل مع حركة فتح التي وعت وفهمت مكونات المُتاح ووعت بالمخاطر المحيطة والمقبلة وقدرت الامر على حقيقته بعد ان قلبته على اوجهه.

عبرمسيرة الثورة وفي منهج فهم المجالات الخمسة للصراع وضمن عقلية البدائل اتخذت حركة فتح قراراتها المختلفة، فتبعتها كافة التنظيمات.

نعم كافة التنظيمات تبعت مسار الثورة الفلسطينية وحركة فتح حتى البازغة حديثا مثل “حماس” التي استنسخت تجربة حركة فتح بكاملها-وللأسف بسوئها اكثر من انجازاتها-ولكن بتشويه أي عبر تبني عقلية الإقصاء وافتراض أن الكل يبدا معي أنا وهي العقلية التي لم تكن في حركتنا ابدا،.

اتخذت الحركة قراراتها ونتيجتها واضحة في كل ما توصلت اليه من حقائق ترونها اليوم في برامج كافة الفصائل من فهم الدولة والخريطة ومجالات الصراع والاولويات، وطبيعة النضال الذي لا يختلف عليها فصيلان أبدا.

أبعد كل هذا يقول البعض العاثر أن حركة فتح تعيش تاريخها بينما حقيقة الامر أنهم مازالوا يتتبعون آثارها ويلحقون تاريخها الفكري او النضالي الميداني فيتوقفون عنده متبنينه، دون كثير حوار او نقد أو تامل!

وانما بنسخ الناسخين الذين عندما تخطيء أقلامهم، فلا يردها الا عندما يأتي الفقيه الفتحاوي ليقول لهم شتان بين الأصل والمستسخ.

خاتمة

هناك من الشعلات ما يوقد مرتين أو أكثر، لانها شعلات مستنسخة، اذ سرعان ما يتكرر انطفاؤها فهي لا تحتمل مساحة امتداد الثورة والجماهير.

اما شعلة الفتح فلا توقد مرتين، لأنها اشتعلت لتدوم، إذ أنها أشعلت في العقل منهجا ومسارا ومنطلقات، وأشعلت فينا جذوة التفكير الذي لا يحده سقف او يمنعه من التطور جدران مانعة.

وشعلة الفتح شعلة أصيلة لأنها مكرسة فقط لفلسطين، وهي شعلة بانارتها الطريق تمسح مجالا ومساحة سرعان ما تكبر، وتتمدد كلما ازداد عدد الجماهير التي تسير واثقة مؤمنة بالله، وبالعمل دون كلل نحو النصر.

شعلة العاصفة المتقدة ليلا ونهارا تشكل طاقة الايمان في قلوبنا وفي الارواح، لايهمها تخاذل المتخاذلين ولا تخريص المخرصين، أو نسخ المستنسخين، فتجعل من التنظيم السد الحامي أمام الجماهير، السد الذي يرسم الصورة ويحدد الاتجاه ويحصر قوى الجماهير خلف قيادته فينظّمه، فتولد الطاقة الجبارة خلف السد التي تجعل من الشعلة لا تنطفئ ابدا.

الشعلة المتقدة بلا انطفاء وبلهيب حرارة اجساد الجماهير، وعظمة الفكرة السامية، وطاقة الماء المتولدة خلف السد، وبحائط الأمة الاستنادي هي شعلة حركة فتح التي أشتعلت في سماء الأمة عام ومازالت ترسم في الأفق علامة لا تخطئها العين، رغم كثافة الغبار او ثقل السحابات الخلّبية المزيفة في نفوس أبناء الأمة.

شعلة الفتح أوقدناها مرة، ولن تتوقف عن اطلاق النور ، في نور على نور باذن الله، مادام فينا طفل يتنفس رائحة تراب فلسطين، ويهتف بشعارنا الأزلي ثورة حتى النصر.

فهم الصراع بين الأصل والمستنسخ (1/2)

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

فتح ميديا أوروبا