الدنيا تغيرت

بقلم: محمد علي طه

شعرت بالوحدة في صباح اليوم الأول لعيد الأضحى الماضي حينما اكتشفت أن أولادي وأحفادي اختاروا قضاء أيام العيد المبارك في الخارج: في مرمريس وأنطاليا (تركيا) وفي دهب (سيناء-مصر) وعلى الشاطئين الشرقي والغربي للبحر الميت، ووجدت أن لكعك العيد وحلواه وفواكهه وشوائه طعمًا آخر يختلف عن طعمه الخاص المميز في “اللمة” حيث ترقص فرحة العيد في عيون الحفيدات والأحفاد، وترش سرورًا ومحبةً على المكان والزمان والمائدة.
أبدت شريكة حياتي، طيلة خمسة وخمسين عامًا، فيها ربيع جميل وشتاء ماطر، وفيها صيف طويل وخريف قصير، استغرابها من سفر عشرات الالاف الى الخارج، من أهلنا في الشمال وفي الجنوب، الذين شاهدناهم على الشاشة الصغيرة في قاعة مطار اللد وفي معبر طابا وقالت بأسى: في سنواتٍ خلون كان المغترب يعود الي بلدته وبيته لقضاء العيد مع أهله وأحبته.
قلت لها: تغيرت أمور عديدة في حياتنا وفي مجتمعنا، فقد كان السفر الى الخارج نادرًا، بينما اليوم صار عاديا، فلا أعرف في حارتنا أو بلدتنا شخصًا لم يسافر الى الخارج، وعندما تمعنت في جواز سفر حفيدي الصغير وجدت أنه زار دولًا عديدة، ولكني حينما سافرت للمرة الأولى الى الخارج قبل أربعين عامًا ودعني العشرات من الأهل والأصدقاء والمعارف، كما هنأني عدد مماثل تقريبًا بسلامة العودة، وعندما سافر أحد أقاربنا للدراسة في أوروبا رافقته قافلة سيارات الى المطار. الدنيا تغيرت وما علينا الا أن نتجاوب معها ونسايرها. أما كنا نقول من قبل: إن الصديق الفلاني او القريب العلاني مثل كعك العيد يأتي مرة واحدة في العام؟ وكان الفلاح الذي يزور مدينة الناصرة يعود الى بيته مع “سفط هريسة”، وأما اليوم فكعك العيد موجود طيلة أيام السنة بفضل حوانيت الحلوى المنتشرة في مدننا وقرانا وحاراتنا، وزودتنا بالكنافة والبقلاوة والهريسة والمعمول والكعك وغيرها ولم تبقَ مقصورةَ على الناصرة وحلويات المختار.
لا أعرف إذا كانت ظاهرة السفر هذه تدل على بحبوحة وعلى وضع اقتصادي حسن أم أنها ظاهرة استهلاكية تقول “اصرف ما في الجيب يأتك ما في الغيب” وتتوكأ على بطاقة الاعتماد وعلى التقسيط من العيد الحالي الى العيد القادم، ولكني متأكد بأن الزمان الذي كنا نقول فيه “القرش الأبيض لليوم الأسود” قد ولى بعيدا بعيدا.

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

فتح ميديا أوروبا