عن الطرق والمياه والانفكاك

بقلم: صلاح هنية

ان تخرج من مدينتك متجها للقيام بواجب اجتماعي وغيره الى محافظة اخرى يحتاج منك أن ترسم خاطة طريق لسفرك حتى لا تقع في المحظور، تتأكد ان كانت بوابة عزون مفتوحة ام مغلقة حتى تقرر الذهاب من اتجاه كفر الديك أم من اتجاه واد قانا، تقود مركبتك باتجاه كفر الديك وما هي الا وقت وتصل باب “مستوطنة بركان” هناك تصطف عشرات المركبات هناك وهي تعود لعمال فلسطين الذين يعملون هنا وفي مستوطنات أخرى، تقف متأملا المشهد وفي ذهنك ارقام منظمة العمل الدولية ووزارة العمل والجهاز المركزي للاحصاء الفلسطيني حول عدد عمال المستوطنات التي تتفاوت بصورة واضحة، تعود بك الذاكرة الى صندوق الكرامة ومقاطعة منتجات المستوطنات والذي لم يعالج العمل في المستوطنات، تتوقف امام دور مؤسسات الاقراض الصغير التي يتوالى على مجالس إدارتها أشخاص متنوعون ولكن حجم الفائدة على القروض يفوق قدرة اي مشروع صغير على السداد.
وتتابع مشهد العمال الفلسطينيين وهم يغادرون الباصات الإسرائيلية صوب قراهم ومدنهم، تجدهم يسيرون بطريق مخصص لهم ولا يجوز لهم ان يستخدموا الشارع الرئيس مشياً على الأقدام، ويتندر العمال فيما بينهم برخص اجرة النقل من ميدان زعترة الى تل ابيب التي تصل تسعة شواكل، وهؤلاء ايضا ورغم مهنيتهم ومهارتهم الفائقة في العمل الا أن الحكومة الفلسطينية لم تتمكن من استقطابهم، وبالمقابل استطاعت الادارة المدنية للاحتلال رفع عددهم اضعافاً مضاعفة زادت عن 230 الف عامل في السوق الإسرائيلي.
بين ان تتجه صوب طريق واد قانا أو باتجاه بديا في محافظة سلفيت عليك ان تنتبه لكي لا تعطف يسارا فتجد نفسك باتجاه حاجز احتلالي يؤدي الى تل ابيب ويافا، ثوانٍ واذا بمركبات فارهة تحمل ارقاماً فلسطينية تتجه صوب الحاجز، وهنا عليك ان تتذكر أن هؤلاء يمتلكون بطاقات شخصيات اقتصادية مهمة تؤهلهم للدخول بمركباتهم لتيسير مفاوضاتهم التجارية على صفقة أنابيب ستيل لمشاريع المياه أو قمح وغيره، ولا زالت دولة فلسطين تبحث سبل الانفكاك عن الاقتصاد الإسرائيلي وتعزيز علاقاتنا مع عمقنا العربي.
وصلنا الى مبتغانا وقمنا بواجبنا، ولحظتها قيل لنا اعيد فتح بوابة عزون عليكم بها، وهنا نظرنا ببعضنا البعض، هيك صارت اطول، واللي سلكناها أقصر، لكن الخروج من البوابة تكون الطريق “اسلك”.
ويتكرر الحديث عن الحوادث المرورية ويعود السبب حسب التقارير المعلنة الى زيادة السرعة وحادث ذاتي، ولا يخرج علينا أي مسؤول ليقر أن هناك انهداماً في طريق الباذان ولم نتمكن منه فنياً ولا نملك ميزانية لشق طريق جديد بديل، ولم يتحدث أحد عن المنعطفات في هذا الطريق وذاك، ولم يعتذر مسؤول اننا لم نتمكن لليوم من توفير ميزانية لإعادة تأهيل طريق جنين نابلس، ولم نتمكن من حل أزمة مرور قلنديا، ولم نتغلب على ازمة عيون الحرامية وحوارة.
الو (ابو راشد) المياه مقطوعة في الحي بأكمله، ولّعت مع (ابو راشد) وصار يشرح ان الامطار وفيرة ومفروض المياه كميات وفيرة في الصيف، ولعلع كمان وكمان “إحنا في حارتنا يومي الخميس والجمعة الضخ، حكيت معهم قالوا تغير البرنامج، طب ما أعطونا البرنامج، كل مرة بترن بقلك برنامج شكل”.
وانهال الناصحون بالنصائح على (ابو راشد) ركب كمان خزانين اضافيات، ومحترف النصح والارشاد قال “ركب مضخة تسحب المياه للسطح عند توفر المياه!!!!”، الرجل راقت له فكرة الخزانات الاضافية، لكنه احتد ضد موضوع المضخة لأنها تأخذ حصة آخرين.
المعلمة المتقاعدة قالت لي ( أنا واحدة من الشعب وهيني بحكيلك ما بدنا عدادات مياه مسبقة الدفع، احنا بدنا نضل عايشين بس نركض لشحن المياه وشحن الكهرباء؟ خلص فاتورة وبنروح ندفعها، والمياه مش متوفرة عشان يخترعوا عقوبات ضدنا بدون وجه حق ).
وما هي الا ايام، واذ بحراك شعبي كمكون من مكونات المقاومة الشعبية يتحرك باتجاه حماية عين سامية من الاستيطان والمستوطنين، ولو، مش زبطناها وأعدنا تأهيلها وعملنا بئراً اضافية باتت مطمعاً للاستيطان وهي مورد مائي مهم لمصلحة المياه.
وانفجر خط في بيت ساحور للمياه ونبحث عن حلول خلاقة، وظلت سلطة المياه الفلسطينية تطلع على واقع الوضع المائي في كل قرية بقريتها كأنها تعيد استكشاف القطاع الذي تشرف عليه، ولم نتمكن من تنظيم قطاع المياه وتحديد صلاحيات سلطة المياه، ودائرة مياه الضفة الغربية، ومجلس تنظيم قطاع المياه، ومصالح المياه التي يجب ان تشكل لإخراج البلديات والمجالس القروية من هذا القطاع.
اما الانفكاك فقد اصدر رئيس الوزراء تعليماته بضرورة إصدار مواصفات تشكل إعاقة للمنتجات الإسرائيلية في السوق الفلسطيني، شريطة استعادة ثقة المستهلك بالمنتجات الفلسطينية وتطوير البنية التحتية للجودة.
من الطبيعي ان ترى بعض المعترضين على هذا الأمر متمسكين بوجهة نظر مفادها ان السوق الأكبر والاهم لنا السوق الإسرائيلي!!! والهم الأكبر للحكومة يجب ان يتركز ليس على الانفكاك بل على زيادة التصدير للسوق الإسرائيلي والعمل على زيادة عدد العمال في السوق الإسرائيلي!!!! وهذا أمر غريب وغير واقعي طبعاً.
والمحزن ان الحكومة لا ترى من يعزز موقفها ولا تسمع صوتَ ولا صدى صوت المتحمسين للانفكاك وجعل المواصفة عائقا غير جمركي للمنتجات الإسرائيلية، اين هي الأُطر والشخصيات والجمعيات الداعمة لهذا الموقف وهذا التوجه؟ لماذا لا تشد على يد الحكومة في هذا التوجه؟ هل تعتبر مختبرات الفحص والمعايرة التي افتتحت حديثا في مؤسسة المواصفات والمقاييس الفلسطينية نافذة فرصة جديدة لجعل المواصفات عائقاً غير جمركي، ألم يكن هذا حلماً لنا كررنا الدعوة له على الأقل في إطار ائتلاف جمعيات حماية المستهلك الفلسطيني؟ وضاعت الطاسة اثني عشر عاماً الى ان عادت على شكل مختبرات نتأمل ان تلقى اعترافاً عربياً ودولياً وإقليمياً لتيسير تصدير المنتجات الفلسطينية.
وترافق ذلك مع تشديد رئيس الوزراء على “الباركود” الفلسطيني هوية المنتج الفلسطيني الغائب والذي بات أطفال الصفوف الأساسية الدنيا في مدارسنا يسألوننا عن سر غيابه.

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

فتح ميديا أوروبا