هل عرفات ورفاقه.. أدركوا أن ما صنعوه هو معجزة

بقلم: باسم برهوم

أتساءل أحيانا إذا ما كان ياسر عرفات ورفاقه الذين أسسوا فتح في نهاية خمسينيات القرن الماضي، ومن ثم انطلقوا بالثورة المسلحة في عام 1965, يدركون ان ما يقومون به هو بمثابة معجزة، ام انهم مجموعة من الشباب الفلسطينيين المقهورين والمتحمسين في الوقت قد انجرفوا لما فعلوه انجرافا. فما قاموا به جاء خارج النص الذي كتبه الاستعمار والصهيونية العالمية وبعض الحكام العرب المتواطئين مع المشروع الصهيوني للشعب الفلسطيني.

كل هؤلاء اعتقدوا انهم قد اجهزوا على الشعب الفلسطيني في نكبة عام 1948, وانهم قاموا بمسح فلسطين عن خارطة الشرق الاوسط ولم يعد لفلسطين والشعب الفلسطيني وجود. فالمخطط الاستعماري صمم على اساس ان يتم اختراع شعب وهو الشعب اليهودي، وان يتم إلغاء آخر، الغاءً تاماً، الا وهو الشعب الفلسطيني. فالمشروع الصهيوني وما تضمنه من رواية تنفي وجود الآخر الفلسطيني، هذا المشروع لا يقبل بأي اعتراف ولو كان جزئيا بان هناك شعبا اسمه الشعب الفلسطيني، وان له حقوقا وطنية سياسية، لأنه لو اعترف لبطلت روايته من أساسها، لأن السؤال التالي الذي سيأتي بعد الاعتراف هو اين سيقرر الشعب الفلسطيني مصيره بنفسه وعلى اي ارض؟

عرفات ورفاقه خليل الوزير وصلاح خلف وخالد الحسن ومحمود عباس وكمال عدوان وابو يوسف النجار وممدوح صيدم وابو علي اياد وغيرهم، هل كانوا يدركون انهم يصنعون حدثا تاريخيا بحجم المعجزات؟

من دون شك انهم عاشوا مرارة ومعاناة النكبة وأدركوا هول ما حصل للشعب الفلسطيني، ومن دون شك انهم أدركوا خطورة تفريط الشعب الفلسطينيبقراره الوطني المستقل، ومن هنا جاءت دعوتهم الى الاعتماد على النفس في إطلاق الثورة الفلسطينية المسلحة، ومن دون شك هم عاشوا وشاهدوادور بعضالحكام العرب من الذين تواطأوا مع المخطط الصهيوني ولاحقت اجهزة مخابراتهم كل فلسطيني حاول التعبير عن هويته الوطنية، او من يفكر من الفلسطينيين بعمل اي شيء من اجل تحرير وطنه. كما كان هؤلاء القادة المؤسسون يراقبون حركات التحرر العربية والعالمية، وخاصة تجربة جبهة التحرير الجزائرية ولاحقا جبهة التحرير الفيتنامية، من زاوية اعتماد هذه الحركات على النفس والإمساك بقرارها المستقل.

ويمكن تقدير مدى عمق وعي عرفات ورفاقه في افتتاحيات مجلة فلسطيننا، في الفترة من 1959 وحتى منتصف الستينيات، والتي بالفعل اظهرت وعيا بأهمية اعادة بعث الهوية الوطنية، واهمية تحقيق وحدة الشعب الفلسطيني، والاهم إدراك هؤلاء لفكرة الاعتماد على النفس وانتزاع القرار الوطني الفلسطيني من بين يدي الحكام العرب. هذه الجزئية، جزئية انتزاع القرار الوطني، بدت أكثر وضوحا عندما تأسست منظمة التحرير الفلسطينية بقرار رسمي عربي وكانت تقبع تحت الوصاية، وصاية الانظمة، في تلك المرحلة جاءت محاولات عرفات ورفاقه لانتزاع المنظمة وقرارها ولم تنجح هذه المحاولات الا بعد حرب حزيران / يونيو 1967، عندما لحقت هزيمة عسكرية قاسية أدت الى ضعف قبضتها على جماهيرها وعلى الشعب الفلسطيني.

بالتأكيد كان عرفات ورفاقه المؤسسون يدركون اهمية وخطورة ما يقومون به، ومن دون شك كان لديهم وعي بطبيعة المشروع الصهيوني الاحلالية النافي لوجود الآخر، هذا المشروع التوسعي الاستيطاني. والدليل على وعيهم وإدراكهم هذا انهم كانوا يتحركون بسرية تامة ولا يأبهون للاتهامات المسبقة ومحاولات تشويه صورتهم

الوطنية.

لقد صنع عرفات ورفاقه معجزة اعادة بعث الشعب الفلسطيني وإعادة توحيده حول اهداف وطنية ومشروع وطني واحد، فما كان مرسوما للشعب الفلسطيني هو ان ينتهي كشعب وان يشطب وطنه عن الخارطة، ما صنعه هؤلاء القادةهواعادة الشعب الفلسطيني الى دائرة الضوء، وان يعترف العالم به كشعب له حقوق سياسية وليست مدنية ودينية فقط كما نص وعد بلفور.

وما يجب ان يقال هنا ان كافة الأطراف، سواء اصحاب المشروع الصهيوني، او الداعمين له والمتواطئين معه قد عملوا منذ ان صنع عرفات ورفاقه المعجزة على مسح أثرها الإيجابي وخطرها على مشروعهم. وربما يذهل القارئ عندما يكشف له عن وجوه كل هذه الأطراف منذ بدأ تنفيذ المخطط الصهيوني في فلسطين وحتى هذه اللحظة، لذلك المعرفة هي الطريف لتحقيق النصر على هذا المخطط.

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

فتح ميديا أوروبا