سكتوا دهرًا.. ونطقوا كفرًا!

بقلم: عبدالرحمن علي البنفلاح

يتجلى عدلُ اللهِ تعالى المطلقُ في قوله سبحانه: «وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر…» (الكهف-29).

لقد وهبَ اللهُ تعالى الإنسانَ الإرادةَ الحرة، واعتبرها حقًا مشروعًا له، ومبدأ يتمتعُ به ويدافعُ عنه بدمِه. وحريةُ الإرادةِ للإنسانِ كفلَها الخالقُ سبحانَه وتعالى، وحذَّرَ الطغاةَ من انتهاكها والعبثِ بها، ومع الإرادةِ الحرةِ بَيَّنَ لهم السبيلَ المؤدي إلى الرشد، والسبل المؤدية إلى الغي، وجعل المحاسبةَ بالجزاء والعقاب مترتبين على توجيه الإرادة الحرة إلى أي سبيل منهما، يقول سبحانه وتعالى: «لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم». (البقرة-256).

إذًا، فمن يؤمن يؤمن على بيِّنة، ومن يكفر يكفر على بيِّنة، يقول تعالى: «وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة» (البينة- 5).

ورغم كل هذا البيان والوضوح، وحرية الإرادة في أعلى مقاماتها وجدنا في قومِنا مَن «سكت دهرًا، ونطق كفرًا» ممن يدعي أن الإسلامَ انتشر بحد السيف، ونقول لهؤلاء وأمثالهم: قولوا لنا بعقولكم التي تؤمنون بها، واتخذها بعضكم ربًّا من دون الله -تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرا- كما أشار القرآن الكريم إلى ذلك في قوله تعالى: «أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون». (الجاثية- 23).

نقول لهؤلاء: كيف تفسرون لنا بعقولكم التي سوف نسلم بأنها راشدة عندكم أن يكون أكبر دولة سكانها من المسلمين في العالم الإسلامي، هي دولة لم يصل إليها الفتح الإسلامي (العسكري)، ويبلغ تعداد المسلمين فيها ما يزيد على مائتين وخمسين مليونا، والإسلام دخلها عن طريق التجار المسلمين الذين كان معظمهم لا يعرفون لغة أهل البلاد الأصلية!.. ثم دعونا نناقش الأمر بالعقل، وأنتم تزعمون أنكم أهل عقل ومنطق علمي، ما نفع الإسلام الذي يفرض بالقوة، ولقد أثبت التاريخ الصادق انه عندما انحسر سلطان الإسلام السياسي بقي الناس على إسلامهم، بل زاد تمسكهم بالإسلام حينما خبروا عظمته، وجلال قدره، ورحمته بالناس، ولو دخل الناس في دولة إندونيسيا الإسلام بالسيف لكانوا أسرع الناس إلى نبذه والخروج منه والعودة إلى ما كان يعبد آباؤهم وأجدادهم، وهذا لم يحصل أبدًا، نقول لهؤلاء الذين سكتوا دهرًا ونطقوا كفرًا، كما يقول المثل العربي الذي يضربه الناس لمن أطال السكوت، وظن الناس أنه سكوت المتأمل المتدبر للأمور، فلما نطق نطق كفرًا وإلحادًا، فقالوا في حقه هذا المثل، وهو إنسان يبحث عن الشهرة والتميز بين الناس حتى لو كان ذلك عن طريق المخالفة عملاً بالقاعدة المشهورة: «خالف تُعرف»، وهو إنسان لم يزد في الإسلام خردلة، ولم تكن له مساهمات لرفعة شأن دينه، وخدمة قضاياه، فهو إنسان تافه لم يدر أحدٌ بإسلامه عندما كان مسلما، كما لم يدر أحدٌ بكفره وإلحاده، كل ما يبحث عنه هؤلاء وأشباههم هو الشهرة بين الناس حتى لو كان ذلك بالباطل.

نعم لقد سكت هؤلاء دهرًا، وظننا أنهم يفكرون ويخططون لرفع شأن الأمة بالعلم وبالبحوث العلمية، فلما نطقوا نطقوا كفرًا وخصومة لإسلامهم ولأمتهم.

إن الإسلام لا يعنيه في كثير أو قليل إسلامكم أو إلحادكم، وما يحاوله الدعاة معكم إنما هو من أجلكم، فالبشرية لو اجتمعت على أتقى قلب رجل منكم ما زاد ذلك في ملك الله تعالى وملكوته شيئا، ولو اجتمع الناس على أفجر قلب رجل منكم ما نقص ذلك من ملك الله تعالى وملكوته شيئا.

إن الأمة الإسلامية هي مبعوثة العناية الإلهية، اصطفاها الله تعالى لتأمر الناس بالمعروف، وتنهاهم عن المنكر، وتؤمن بالله تعالى، فهي الأمة الوحيدة من دون منازع لها، التي اختارها الله تعالى لتكون شهيدة على الأمم، وحامية لمبادئ الأخلاق التي بعث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من أجل إكمالها، قال صلوات ربي وسلامه عليه: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» رواه أبو هريرة (رضي الله عنه) الألباني في السلسلة الصحيحة/ الحديث صحيح.

وبوسعنا أن نقول لهؤلاء وأمثالهم من الذين سكتوا دهرًا ونطقوا كفرًا: هل سمعتم بالنخبة من رجالات الغرب ومفكريه كيف أدى طول صمتهم إلى الإقرار لله تعالى بالوحدانية، ولرسوله (صلى الله عليه وسلم) بالرسالة، وزادوا على ذلك بأن جعلوا من أنفسهم دعاة لدين الله تعالى، مدافعين عن حقائقه ومسلماته، بل أقر الكثير من هؤلاء العلماء بتميز الإسلام عن الرسالات السابقة عليه وبأنه الدين الوحيد الذي لا تتعارض حقائقه الإيمانية مع الثابت من الحقائق العلمية، كما أقر بذلك الدكتور موريس بوكاي في كتابه: «التوراة والإنجيل والقرآن والعلم الحديث»، حيث انتهى به طول البحث إلى أن القرآن الكريم هو الكتاب الوحيد الذي لا تتعارض حقائقه مع حقائق العلم الحديث، بل لقد تنبأ العديد من علماء الغرب وفلاسفته بأن المستقبل للإسلام، وأن القارة الأوروبية سوف تتحول إلى الإسلام.

وبعد، فلا عجب ولا دهشة من أن يسود الإسلام المعمورة جميعها؛ لأن ذلك تحقيق لوعد الله تعالى الذي لا يتخلف أبدًا، ومن أوفى بعهده من الله، قال سبحانه وتعالى مؤكدا هذه النبوءة: «هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون» (التوبة-33).

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

فتح ميديا أوروبا